سرقت “الشركات الصينية الأضواء من الأوروبيين في معرض ميونيخ للسيارات، أحد أكبر الأحداث من نوعه في العالم، الذي فتح أبوابه أمس، وسط رياح غير مواتية على صعيد الاقتصاد العالمي.
من المقرر أن يطلق أولاف شولتس المستشار الألماني، الاجتماع التقليدي لقطاع السيارات الأوروبي رسميا، اليوم. ومع ذلك، استغل المصنعون فعاليات اليوم المخصص للصحافيين أمس، للكشف عن نماذج جديدة.
لكن من بين مجموعات “القارة العجوز”، يقتصر الحضور القوي على الشركات الألمانية: فولكسفاجن، وبي إم دبليو، ومرسيدس، التي كانت فخرا وطنيا لفترة طويلة، لكن وهجها تراجع في الأعوام الأخيرة.
وقدمت شركة “بي إم دبليو” بالفعل، السبت، مفهومها “نيو كلاس” Neue Klasse أو “الفئة الجديدة” الذي يجمع ست سيارات كهربائية مصنعة بدءا من عام 2025، بهدف الاستجابة للزيادة المتوقعة في الطلب.
وكشفت “مرسيدس” عن مفهوم “سي إل أيه” CLA، وهي مجموعة موفرة للطاقة بشكل خاص.
وعلى الجانب الفرنسي، كشفت “رينو” عن سيارتها الكهربائية الجديدة “سينيك” Scenic، التي تجعل من حافلتها الصغيرة الشهيرة أقرب إلى سيارة دفع رباعي “إس يو في”.
لكن العلامات التجارية الأجنبية هي التي جذبت الانتباه بشكل رئيس، فبمناسبة عودتها إلى المعرض بعد عشرة أعوام من الغياب، تعرض “تسلا” نسخة جديدة أعيد تصميمها من طرازها الشهير “موديل 3″، التي عرضت لأول مرة في ميونيخ بعد الكشف عنها الجمعة.
وصباح أمس، تجمعت الكاميرات والمتخصصون حول منصة “تسلا” الصغيرة التي لا تتسع إلا لسيارتين.
ويبدو أن شركات السيارات الصينية “تحاول التوسع في السوق الأوروبية” من خلال المعرض، كما يلخص فرديناند دودينهوفر، الخبير في مركز أبحاث السيارات في ألمانيا.
ووصلت شركة “بي واي دي” BYD العملاقة بسلسلة طرازات للسوق الأوروبية، إلى جانب “ليبموتور” Leapmotor و”دونجفنج” Dongfeng و”جيلي” Geely.
ومن بين الشركات العارضة، 41 في المائة تتخذ مقرا لها في الصين. وهي تهدد الوضع المهيمن للمصنعين الأوروبيين في السوق الاستراتيجية للطرازات الكهربائية، في وقت أصبحت فيه التوقعات الاقتصادية قاتمة مع استمرار ازدياد نسب التضخم في القارة العجوز.
سوق صينية مهمة
تتمثل ميزة الشركات الصينية في تقديم نماذج بأسعار متدنية، في حين إن السيارات الكهربائية في فئة المركبات يسيرة التكلفة لا تزال نادرة.
وقال أوليفر بلوم رئيس شركة فولكسفاجن، أمس، “إن المنافسين الصينيين لن يكونوا قادرين على تقديم الأسعار نفسها في أوروبا، كما الحال في الصين”، في إشارة إلى تكاليف الجمارك والنقل أو حتى إنشاء شبكة من الموزعين.
وأكد في الوقت نفسه “سنواصل العمل الجاد على تكاليفنا”، وستستمر هوامش الطرازات الكهربائية في التحسن لتقارب تلك الخاصة بسيارات الوقود “في الجزء الثاني من العقد الحالي”.
وقال فابريس كامبوليف رئيس شركة “رينو”، “نعم، إنهم (الصينيين) قادرون على المنافسة، لكن نعتقد أن لدينا أيضا كل الأسلحة التي تمكننا من المنافسة وتقديم أداء جيد في اللعبة”، متحدثا عن “جودة منتجاتنا” والميزة المتمثلة في “الدائرة القصيرة” للتصنيع عبر الاعتماد بشكل خاص على عناصر أوروبية.
من أجل “التمكن من التنافس مع الهند والصين”، حث أولا كالينيوس رئيس شركة مرسيدس، الأحد، على “عدم مفاقمة” حالة التنافسية الأوروبية من خلال تأجيج المطالب القوية بين النقابات الألمانية، بشأن إدخال نظام يقوم على العمل لأربعة أيام في الأسبوع بدلا من خمسة.
يضاف إلى ذلك الصعوبات التي يواجهها المنتجون الأوروبيون في الصين. وفي قطاع المركبات الكهربائية، مثلت شركة فولكسفاجن، الرائدة في سوق المحركات الحرارية، 3.1 في المائة فقط من السوق العام الماضي، بتأخر كبير عن العلامات التجارية الصينية مثل “بي واي دي” (18 في المائة) و”تسلا” الأمريكية (8.7 في المائة).
وأكد بلوم، الخميس، أن “النجاح في التحول نحو الطرازات الكهربائية يرتدي أهمية جوهرية”.
إلى ذلك، يتوقع أن يواجه المعرض، على غرار نسخة 2021، احتجاجات من جمعيات بيئية.
وفي فجر أمس، أي عشية افتتاح المستشار أولاف شولتس، المعرض رسميا، وضعت مجموعة من نشطاء منظمة “جرينبيس” هياكل سيارات مدمرة في البحيرة أمام المدخل الرئيس لمركز المعارض.
وقالت ماريسا رايزرير، الناطقة باسم المنظمة غير الحكومية، لـ”الفرنسية” “لا تزال صناعة السيارات تعتمد على عدد مفرط من السيارات الكبيرة بدرجة زائدة، وتغرق الكوكب بهذا النموذج الاقتصادي”.
وأعلنت مجموعات عدة “عصيانا مدنيا” طوال الأسبوع. ومن المتوقع أن يشارك نحو 1500 شخص في “اعتصام من أجل ثورة في التنقل” في حديقة على مشارف ميونيخ.
في المجمل، من المتوقع أن يصل عدد زوار المعرض إلى 700 ألف، مقارنة بـ410 آلاف في عام 2021.
وأعيدت تسمية المعرض “آي أيه أيه موبيليتي” IAA Mobility عام 2021، مع انتقال الحدث من فرانكفورت إلى ميونيخ، وسط سعي المنظمين إلى تسليط الضوء على “التنقل والاستدامة والتكنولوجيا”.
المنافسة والتكاليف
أعرب أوليفر بلوم، الرئيس التنفيذي لمجموعة فولكسفاجن الألمانية للسيارات، عن اعتقاده أن المنافسة الجديدة من جانب العلامات التجارية القادمة من الصين لا تمثل تهديدا بالنسبة إلى شركات تصنيع السيارات الأوروبية.
واعترف بلوم بأن “الصينيين تعلموا بناء السيارات في العقود الأخيرة”، لكنه رأى أن الشركات الراسخة في السوق لا تزال تتمتع بمميزات مقارنة بالمنافسين الجدد. وقال “نحن نمتلك الخبرة الفنية الخاصة بالسيارات، نحن نمتلك مستوى الجودة. كما أننا نمتلك تراثا من العلامات التجارية. وهذا ما ليس لدى المنافسين الجدد، ومن ثم فإننا نرى أن موقفنا جيد”.
وأضاف بلوم، أنه “من غير الممكن حتى الآن ملاحظة أن الشركات القادمة من الصين اقتحمت السوق بأسعارها الرخيصة”. لكنه أشار إلى أن الشركات الصينية تستطيع الإنتاج في الصين بتكاليف تقل بنسبة تقارب 20 في المائة “ومع ذلك لن يتمكن الصينيون في أوروبا من تقديم مستوى التكاليف الذي يقدمونه في الصين”.
وأوضح بلوم، أن السبب في ذلك يتمثل في التكاليف العالية التي يتعين على الشركات الصينية تحملها حتى تعدل منتجاتها وفقا للمتطلبات الأوروبية، وتبني شبكة تسويقية “نحن نرى في السوق أن الشركات الصينية تعرض سياراتها لدينا بضعف أسعارها المعروضة في الصين”.
في الوقت نفسه، اعترف بلوم بأن المنافسين الجدد زادوا الضغط على قطاع السيارات، وقال “دائما ما يكون هناك شيء جيد في المنافسة. هذا يجبرنا على أن نصبح أفضل. لهذا السبب، فإننا يحسن بنا أن نعد أنفسنا بطريقة تجعلنا قادرين على المنافسة”، لافتا إلى أن هذا الاستعداد يتضمن أيضا تخفيض التكاليف، و”سيتعين علينا أن نعمل بجد على جانب التكاليف”.
وأعرب بلوم، عن تفاؤله حيال سرعة التمكن من تخفيض التكاليف. ورأى أن هذا الأمر يسري بالدرجة الأولى على البطارية بوصفها أكبر عنصر تكلفة في إنتاج السيارة الكهربائية، ونوه بأن “فولكسفاجن” تعتزم عن طريق خلية الوحدة تقليص التكاليف بنسبة تصل إلى 50 في المائة، وذكر أن هذا سيقلل من تكاليف السيارات الكهربائية بوجه عام. وتوقع بلوم اختفاء الفارق في العائدات بين سيارات الاحتراق والسيارات الكهربائية في موعد أقصاه عام 2030.
وأعرب بلوم عن اعتقاده بأن وجود سيارات احتراق ضمن محفظة “فولكسفاجن” إلى جانب السيارات الكهربائية، يشكل ميزة إضافية لشركته، بخلاف شركات أخرى اقتصرت على السيارات الكهربائية الخالصة.
وقال “إنها ميزة أن تكون لديك سيارات احتراق تمول عملية التحول إلى السيارات الكهربائية”. ورأى أنه بذلك يمكن كسب المال الذي يتعين استثماره في تسريع عملية التنقل الكهربائي. وذكر أن العلامات الكهربائية الخالصة ليس لديها مثل هذه الإمكانات، مشيرا إلى أن هذه العلامات “ستكون لديها مشكلات في تمويل التنقل الكهربائي”.
من جهتها، لا تستبعد هيلدجارد مولر رئيسة الاتحاد الألماني لصناعة السيارات، خسارة ألمانيا مستقبلها كموقع صناعي للقطاع.
وقالت مولر لـ”الألمانية”، خلال مقابلة مشتركة مع ماريانه يانيك، رئيسة شركة فرع شركة “مايكروسوفت” الأمريكية للبرمجيات في ألمانيا، “إن المصنعين الألمان لن يخسروا السباق من أجل المستقبل، لكن ألمانيا كموقع صناعي ستخسر دون إصلاحات ضخمة”.
وقبل بدء معرض السيارات الدولي في ميونيخ، شكت مولر -من بين أمور أخرى- من فرط القواعد التنظيمية، والبطء الشديد في اتخاذ القرارات السياسية، وعدم وجود إطار قانوني لموضوعات مستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي.
وأكدت مولر، أن المشكلة الأساسية هي “أن ألمانيا كموقع تفقد قدرتها التنافسية الدولية بشكل كبير بسبب هيكل التكلفة”، مشيرة إلى أن ألمانيا فيها أعلى تكاليف للطاقة، موضحة أن قطاع صناعة السيارات يرى من الضروري تحديد سعر خاص للكهرباء الصناعية على نحو مؤقت، وذلك للحيلولة دون هجرة صناعات مهمة مثل تكنولوجيا البطاريات أو أشباه الموصلات من ألمانيا أو عدم التوطن فيها من الأساس.
من جانبها، قالت يانيك “إن مايكروسوفت تتوقع أن تتسارع وتيرة رقمنة صناعة السيارات بشكل كبير خلال العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة، على نحو لم نعايشه من قبل خلال الـ40 عاما الماضية”، موضحة أن هذا يتضمن إلى جانب الذكاء الاصطناعي مثل تطبيق “شات جي بي تي” الحواري، عمليات محاكاة يمكن من خلالها تشغيل أنظمة المساعدة في مواقف مختلفة.
وذكرت يانيك، أن “مايكروسوفت” تقدم نفسها لقطاع صناعة السيارات باعتبارها “مزود منصة”، مضيفة “فكرة المنصة هذه تعني أننا نعمل أيضا على كسر حدود القطاع”.
بينما أعربت إدارة شركة صناعة السيارات الألمانية “مرسيدس بنز”، عن عدم انزعاجها من معركة تخفيضات أسعار السيارات الكهربائية في الصين.
وقال ماركوس شيفر، رئيس قسم البحث والتطوير في “مرسيدس”، في تصريحات للصحافيين في ميونيخ قبل بدء معرض السيارات الدولي هناك “حرب الأسعار في الصين تجري في نطاق يصل إلى 300 ألف رنمينبي”.
ويعادل هذا نحو 38 ألف يورو، أو ما يزيد قليلا على 40 ألف دولار.
وقال شيفر “نحن نوجد بشكل رئيس في فئة أسعار تصل إلى 800 ألف رنمينبي أو حتى إلى أكثر من مليون رنمينبي، وسنواصل تقديم أفضل العروض للعملاء هناك، هذا هو هدفنا”.
ومع الكشف عن طرازها الجديد “سي إل أيه” في معرض السيارات الدولي، تعتزم الشركة التي يقع مقرها في شتوتجارت خفض التكلفة المرتفعة للسيارات الكهربائية بشكل كبير.
وقال شيفر، يوم الأحد، “سنكون في المنافسة على قدم المساواة فيما يتعلق بتخفيض تكاليف محركاتنا الكهربائية الجديدة”.
وقال شيفر، في إشارة إلى خطط تشديد لوائح عوادم المركبات في الاتحاد الأوروبي، “ما هو مطروح على الطاولة اليوم فيما يتعلق بمسودات يورو 7، يشير إلى قدر كبير من العمل الذي يتعين القيام به. إنها مهمة مالية ضخمة لصناعة الموردين، ولمصانع المحركات وسيارات الأفراد، الأمر الذي يتطلب موارد هائلة