ويُمَنْجِلُ غُربتي
…………………
أَنَا يُتْمُ السُّؤالِ،
أَقِفُ عَلَى كُلِّ بابْ ..
أنا صَرْخةُ الْعُشْبِ …
في آهاتِ الثَّرَى ..
أَنا فِضّةُ النّورِ في السّنا ..
أَنا رَميمُ الْبُوصَلاتِ..
يَمُصُّني الْغَيْمُ قَطْرةً .. قَطْرَةً ..
وَيُخيطُني خرائطَ للضّبابْ !
أَعْرِفُني قَبْلَ أنْ تَلِدَني أُمِّي ،
وَيَعْرِفُني النّعْناعُ وَالنّوّارُ والرّيْحانُ،
ويعُرِفُني مَعِي قلبُ أمّي ..
منذُ تَيَمّمَ بكفَّيْها التّرابْ
ومُذْ صَلّى ماءُ يقينِها
في سُرّةِ السَّرابْ ..!
قُرْبَ تَلَّةٍ تَلْهَثُ بِالرّمادِ والرّدى ..
كانَ جسَدي يسْتَلْقٍي
بينَ ملحٍ وغيابْ ،
وكان نفَسي يخْتَرِقُ الصّدَى
يدُسُّ الرّيحَ في رئتيّ ،
ويُمَنْجِلُ غَربَتي ،
فيستريحُ المدى
في مِعْطَفي الشِّتْويِّ ،
ثُمّ يُشْرِعُ صَدري للتّأويلِ ..
ولِلْعُمْرِ ِالّذي غابْ !
لَوْني المُبَلَّلُ بالفناجينِ والبُنِّ ،
يَرُجُّ الأبْراجَ وَالتّقَاويمَ ،
لِيَتَرَجَّلَ الْجَوزاءُ مِنْ فُلْكِ ظنّي ،
ومِنْ أحاديثِ الْعَرّافاتِ ،
والّذينَ نجّموا وما صَدَقوا :
ويصيرُ الْبَحْرُ حَساءً حارًّا
يُشْبِهُ دمعي ..
رائحتُهُ كمّونُ جدّتي ..
المسافرُ في حَنين الْغَيْم ..
وفي شغافِ السّحاب ..!
كَمْ كنْتُ _ يا دارُ _ أَعْرِفُني !
وكَمْ لبِثْتَ يا أنينَ الطّينِ
في وجعي !!
أفهمُ ألمي من أصابِعي ؛
حِيْنَ تعزِفُ على رِيشِ
عُصْفورٍ جَريحٍ ..!
وحِينَ تُفتِّشُ بيْنَ الْقَشِّ
فلا تَجِدُ بَيْضَ الْحَمامِ ..!
وحينَ تتَكسّرُ حكمَةُ النّمْلِ
في مسمعي ،
وحين تُسألُ قشَعْريرَةُ المواقدِ :
بأي ذنبٍ يغادِرُ الأحبابْ والأصحاب !؟
أفهمُ حُزْني ؛
حِينَ يَسْتَيْقِظُ النّشيدُ
في فمي باكرًا ..
ويبحثُ عن وطنٍ في جبينِ الصّباح ..
وحينَ لا يَبْتَسِمُ الزّعتَرُ
لِنَقْشِ الرَغيف ..
وحينَ تجْهلُ فيروزُ وَجْهي
ولا يعرفُني أيلولُ ..!
وحينَ تَتَنَكّرُ البِئرُ لِقَرابِيني ..
فأكحِّلُ أَجْفاني بالْمَسافاتِ ..
وأنامُ وحيدةً عَلَى الرّصيف !
في كُمِّ الْيَباب ..!
آهٍ .. كمْ غَدَوْتُ
عَلامَةَ اسْتِفْهامٍ في حَدْسِي .. !
أَقِيْسُ جُرحي بالدّمْعِ المُكعّبِ ..
وأُؤَذِّنُ في دمي ،
كَيْ يُلملِمَ فِجاجَه ُ إليَّ
من كلِّ وادٍ..
وكَيْ أبني لحزني قلمًا مِنْ طِين ؛
يأبى أنْ تهربَ الأرضُ من تحتِه،..
يستقبلُ صخَبَ الرّعودِ،
يحتضنُ حيرةَ الْماءِ ..
لاااااا يخافُ ……
إنْ ماتَ الرّبيعُ ..
ولا يهابُ كُنْهَ الْجَوابْ ..!
سَكْرة القمر