الاخباراوربيدولي

فون دير لايين المرأة الحديدية في الاتحاد الآوروبي و قبلها وزيرة دفاع ألمانيا من تكون ….

#الشبكة_مباشر_بروكسل

الحصول على المنصب هو بمثابة العودة إلى الوطن بالنسبة للسياسيّة الديمقراطية المسيحية، التي نشأت بالفعل في بروكسل وتعد الفرنسية والألمانية لغتها الأم. كان والدها، إرنست ألبريشت، أحد كبار موظفي الخدمة المدنية بالاتحاد الأوروبي في الستينيات من القرن الماضي.

بالنسبة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – الذي يتراجع إلى حد ما على جدول أعمال البرلمان الأوروبي في بروكسل في الوقت الراهن – سيكون موقف فون دير لاين مماثلاً بشكل كبير (لموقف أي اختيار واقعي لهذا المنصب الرفيع). لقد قالت إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “خسارة للجميع” وأن الأحداث التي وقعت منذ الاستفتاء أدت إلى “تفجر فقاعة الوعود الجوفاء” التي حبكها التصويت حول المغادرة. وذكرت أنها تتقبل التمديد لكن القرارات لن تكون لها ولن تكون في منصبها حتى نوفمبر/تشرين الثاني على أي حال، عندما يتحدد ذلك.

فون دير لاين، قبل كل شيء، حليفة مقربة لأنغيلا ميركل – سياسية معتدلة وهي الوزيرة الوحيدة التي خدمت في جميع حكومات ميركل بصورة متواصلة منذ عام 2005.

قبل توليها منصب وزيرة الدفاع، كانت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وقبل ذلك وزيرة العائلات. في مناصبها تلك، دعمت حصص النساء في مجالس إدارة الشركات وعززت إجازة الأبوة للآباء. ووقفت إلى جانب ميركل أثناء أزمة اللاجئين.

كوزيرة للدفاع، شجعت صادرات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وكانت تدافع بضراوة عن السياسة الخارجية، على الأقل وفقاً للمعايير الألمانية. في الاتحاد الأوروبي، هي فدرالية قوية، ودعت إلى “الولايات المتحدة الأوروبية – التي تعمل على غرار الولايات الفيدرالية سويسرا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية”. وتقول إن تشكيل جيش للاتحاد الأوروبي هو طموح أيضاً.

برنامجها السياسي الذي كان في السابق مبهماً إلى حد ما بسبب عدم ترشحها في الانتخابات، أصبح الآن مكتملاً. يبدو طَموحاً بعض الشيء: إلغاء حق النقض للدول الأعضاء في السياسة الخارجية، والتنسيق على نطاق الاتحاد الأوروبي للحد الأدنى للأجور، وبرنامج استثمار كبير لخفض انبعاثات الكربون. لكن الاتحاد الأوروبي يجعل من الصعوبة بمكان معرفة المقدار الذي ستتمكن من تحقيقه من هذه الوعود.

إنها بالطبع أول امرأة تتولى منصب رئيس المفوضية الأوروبية – وفي الواقع هي الشخص الثاني فقط من الجنسية الألمانية (بعد فالتر هالشتاين).  مهمتها الآن هي تشكيل فريقها الأول، الذي تقول إنها تريده أن يتكون من الرجال والنساء مناصفة. ستكون معركتها الأولى هي إقناع الدول الأعضاء – والعديد منهم بالفعل كانوا يضعون رجالاً معينين في بالهم لهذا المنصب – بأن الأمر يستحق ذلك.

 فهي سيدة قوية حاصلة على دكتوراه في الطب، وهي أم لسبعة أولاد، وراكبة خيل متمرسة ناجحة، وهي أيضا واحدة من أكثر السياسيات الألمانيات نجاحا. المهارات التي تعلمتها في النظام الألماني الفدرالي المتداخل والقائم على التفاوض والتشاور من أجل الوصول إلى حلول وسط مقبولة ومنطقية سوف تكون من العناصر الأهم لنجاحها في مهمتها في بروكسل. بصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية يجب أن تتمتع فون دير لاين بإحساس مرهف يساعدها في استقراء أمنيات ورغبات الدول الأعضاء، وبلورة القرارات، ووضع الخطط السياسية، وإقناع قادة الدول والحكومات المتواجدين في المجلس الأوروبي بها. وهي دون أدنى شك على قدر هذه المسؤولية. من شغل مناصب سياسية ألمانية على مدى سنوات عديدة، وخاض تجربة المواجهة في مجلس الولايات، الذي يضم 16 ولاية بمصالحها وسياساتها المتعددة، فإنه لابد من أن يكون مستعدا وقادرا على التعامل مع جميع بلدان الأتحاد الآوروبي.

مولودة في بروكسل

كل هذا بالإضافة إلى أن فون دير لاين تتمتع بأصول “دولية”. فهي من مواليد بروكسل، وأمضت هناك السنوات الأربعة عشر الأولى من عمرها. وهي مازالت حتى اليوم تتكلم الفرنسية بطلاقة. كان والدها في ذلك الوقت موظفا في الاتحاد الأوروبي. وقد وصل إلى منصب المدير العام لمفوضية المنافسة، قبل ان تنتقل عائلة ألبريشت إلى هانوفر. هناك جَيّشَ الأب باستمرار كامل الأسرة في حملاته الانتخابية. وهناك ظهرت الأسرة في حديقتها مع أحصنة “بوني” القزمة، ومع حيوانات الماعز والكلاب، أو وجهت الدعوة إلى المصورين لعروض الموسيقية في غرفة الجلوس الفاخرة، حيث كانت “روشن” – كما كان والد أورسولا يدعو ابنته الوحيدة – تعزف على البيانو، وسط فرحة وبهجة الصحفيين. وهكذا تعلمت أصول اللعبة السياسية منذ نعومة أظفارها.

بداية متأخرة في السياسة

رغم تأثير الأسرة ومناخاتها وجدت فون دير لاين طريقها متأخرة إلى السياسة. في البداية ابتعدت عن الأسرة المسيطرة، حيث درست الاقتصاد في لندن. إلا أن إعجابها بالاقتصاد لم يكن بالمستوى المطلوب. بعد ستة فصول دراسية قطعت دراستها، وعادت إلى هانوفر، حيث سجلت في كلية الطب. وتعرفت في الجامعة إلى زوج المستقبل. هايكو فون دير لاين، كان حينها في الحزب الاشتراكي SPD، إلا أن أورسولا لم تنزعج من ذلك، كما لم تنزعج من لصاقة “لا للطاقة النووية” التي كانت على سيارته. بعد 20 فصلا دراسيا أصبحت فون دير لاين طبيبة تحمل ترخيص مزاولة المهنة. حينها كان قد مر على زواجها سنة واحدة، وكانت قد أنجبت ولدها الأول. انتقلت الأسرة التي بدأت في النمو إلى كاليفورنيا، لأن هايكو كان قد أصبح بروفيسور في الطب، ومدير إحدى الشركات العاملة في مجال الدراسات السريرية، وحصل على منصب في جامعة ستانفورد المرموقة هناك.

أورسولا فون دير لاين مع أنجيلا ميركل

في 1996 عادت أسرة فون دير لاين إلى هانوفر. أورسولا فون دير لاين تمكنت خلال الفترة في الولايات المتحدة من إتقان الإنكليزية بطلاقة، ومن التعرف بشكل ممتاز على الولايات المتحدة وعلى العقلية الأنكلوساكسونية. وعملت في هانوفر خمس سنوات. ولكن في

2003 تجرأت على دخول المعترك السياسي، وحققت صعودا متسارعا في هذا المجال. فقد نجحت في خطواتها الأولى في دخول عضوية برلمان الولاية، ورغم كونها مبتدئة في مجال السياسة تسلمت وزارة الشؤون الاجتماعية والصحة في الولاية. ولكن كل هذا لم يكن سوى البداية. فسرعان ما أثارت اهتمام المستشارة الاتحادية أنجيلا ميركل. تسلمت فون دير لاين وزارة شؤون الأسرة في الحكومة الاتحادية في برلين، حيث عملت بنجاح على إقرار حق حصول كل طفل على مكان في دور الحضانة وعلى تحقيق التوافق بين العمل والأسرة. بعد أربع سنوات بدأت الكفاح من أجل فرض نسبة المرأة – “الحد الأدنى لتواجد” – في مجالس الإشراف على الشركات. وهكذا تصاعد نجمها باستمرار، وهكذا باتت فون دير لاين تعتبر منذ زمن من بين أقوى المرشحين لخلافة ميركل، وبصفتها “المستشارة البديلة”. وهذا ما دفع ميركل إلى الاختبار الأخير لقدراتها وإمكاناتها، حيث سلمتها في 2013 منصبا معقدا وصعبا في برلين: وزارة الدفاع. فجأة تراجع نجم “UvdL”. ذلك أن فون دير لاين لم تتمكن إطلاقا من إقامة علاقة جيدة مع الجنود.

أورسولا فون دير لاين مع إيمانويل ماكرون
أورسولا فون دير لاين مع إيمانويل ماكرونpicture alliance / ZUMAPRESS.com

ولكن فجأة جاء التحول الكبير، الذي لم يتوقعه ولم يلاحظه أحد: في 17 حزيران/يونيو حضرت وزيرة الدفاع المعرض الدولي للطيران في لو بورجيه بالقرب من باريس. وكان الرئيس الفرنسي حاضرا أيضا. فون دير لاين تحدثت مع إيمانويل ماكرون بكل لباقة ودراية ومعرفة بالناتو وموضوعات السياسة الأمنية، وذلك بلغة فرنسية ممتازة. وقد تأثر ماكرون بالسيدة الألمانية المتميزة وأعجب بها كثيرا، حسبما صدر فيما بعد عن أوساط قصر الإليزيه في باريس. في هذا اللقاء اتخذ ماكرون قرارا باختيار أورسولا فون دير لاين لتكون المرشحة الألمانية البديلة عن مرشح كتلة “EVP” مانفريد فيبر، وقد فاجأ حتى أنجيلا ميركل بهذا القرار. إنها موجودة فعلا، تلك اللحظات المهمة في الحياة، التي تغير مسرى الأمور وتدفع لاتخاذ قرارات مهمة في لحظات عابرة، دون التفكير والتمعن. بالنسبة لأورسولا فون دير لاين لا يشكل انتخابها لرئاسة المفوضية الأوروبية مجرد تتويج لمسيرتها السياسية، وإنما عودة متأخرة إلى مسقط رأسها، بروكسل. وهكذا تكتمل الدائرة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى