أدب وفن

إقتباس من رواية إمرأة أسيرة الإنتظار إمرأة أسيرة الإنتظار..ليلى صياح الحسين

الشبكة مباشر

إقتباس من رواية
إمرأة أسيرة الإنتظار

إمرأة أسيرة الإنتظار

بأمل أن يفي إبراهيم زوجي بوعده الذي قطعه على نفسه في ليلة سفره، حينما أخبرني بأنه سيرسل في طلبنا أنا وأولاده إلى القارة الجميلة ونجتمع معاً كعائلة واحدة متكاملة وسعيدة.
كي أنسى الألم الذي أعيشه مع وحدتي، وهموم أبنائي وشجارهم المستمر، المتكرر فيما بينهم والمشاحنات الصغيرة والكبيرة على أي شيء صغير لاقيمة له.. بالرغم من أن طباع أولادي لا تصنف بالطباع العصبي أو الثوري إلا أن الأمر لا يخلوا من الطباع التي يكتسبها الشخص من محيطه الخارجي الذي يحيط به أو من بعض الموروثات الجينية البعيدة من أحد الأسلاف
_أذكر أحداث كثيرة، جرت معي في تلك الأوقات فقدت فيه السيطرة على الوضع وعلى أعصابي أيضا…بسبب خلافات أولادي الغبية التي كانت تحدث فيما بينهم بشكل متقطع بين الحين والآخر.
كنت اتوقع بأي لحظة، أن يحدث صدام أو تنازع فيما بينهم فأصبح حينها بموضع الحكم الفاصل في التصالح، كأننا بحلبة لمصارعة الثيران.
والأمر الأكثر قلق ورعباً، أن يؤدي أي شجار يحدث بينهم إلى أمر كارثي يؤدي بأحدهم أو يصبهم بأي أذى..

أذكر ذات مرة عندما كان ابنى راؤول ما يزال في الثامنة عشر من العمر، أي في الصف “الثالث الثانوي” قبل الامتحانات العامة (البكالوريا) بشهرين على ما أذكر..
طلب راؤول من أخاه مجد الذي يصغره بعام ونصف بعض الأوراق البيضاء الفارغة، لكي يكتب أو يتدرب عليها للامتحان
في حينها.. لم يعر مجد أخاه راؤول أي انتباه أو اهتمام للطلب الذي طلبه منه راؤول… وتم الاستهتار والاستهزاء من طلب راؤول لهذا الأمر!..من قبل مجد
حيث قال مجد لأخيه راؤول: بأنك فتى كسول أنت لا تريد أن تدرس فلن أعطيك أي شيء…أذهب وأحضر ما تريده من المكتبة ولا أريد إعطاءك أي ورقة
بعد قليل..ودون أن يخبر راؤول مجد دخل إلى غرفة أخيه مجد وأخذ رزمة من الأوراق، الموجودة على الطاولة الدراسيّة في غرفته، كان مجد في الصف الأول الثانوي (العاشر)… عندما رأى مجد راؤول يمسك بأوراقه وكتبه، ويبحث عن طلبه بين أغراض مجد جن جنون مجد وبدأ يعلوا صوته على أخيه راؤول الأكبر منه في العمر، وهو يتهدده ويتوعده بالأسوء في حال دخل مرة أخرى إلى غرفته وعبث بأوراقه وحاجياته الشخصية، وهنا في تلك اللحظة لم يكن في البيت سوى نحن الثلاثة أنا ومجد وراؤول وباقي الأولاد خارج المنزل ، ميادة كانت عند جدتها أم إبراهيم.
اذكر كيف بدأت المشاحنات حينها والاستفزازات والكلام الذي يدعو الجدال فيما بينهم من كلام وشتم مستفز وصراخ، ليصل بهم الأمر إلى أن تشابكوا بالأيدي والعراك فيما بينهم،

قلت في حينها ها هو بدأ العرض المسرحي المرعب في تحطيم كل ما يمر تحت أيديهم ..
أذكر ذلك اليوم كأنه فيلم رعب …لكن كان أكثر ما آلمني، وما زالت تلك الذكرى في رأسي، هو أن راؤول نظر نحو أعلى سقف غرفة الجلوس وأمسك بيده الثريا المعلقة بالسقف المتدلية نحو الأسفل، لم تكن عالية عليه بما أنّ طوله يقارب متراً وخمساً وثمانين سنتمتر ثم تعلق بالثريا المعلقة في السقف وسحبها نحو الأسفل مترنح بها … لتهوي نحو الأرض محطمة من شدة السقوط…
نظرت إليها رأيتها قد تكومت فوق بعضها البعض والزجاج تناثر في أنحاء البيت.. كل ذلك الشجار لسبب، أمر بسيط لا قيمة له، وبأن راؤول أخذ بعض الأوراق من بين أوراق مجد….

في ذلك اليوم لم ينتهي العرض البهلواني عند هذا الحد بل استمر إلى أن جاء جاد وشمس عند المساء ورأى حال البيت والفوضى العارمة التي أصابته…
وأكثر ما استفز شمس وجاد من هذا المنظر والحالة التي آل إليها البيت… هو أن الطعام الذي كنت أعده لهم في المطبخ سقط من بين يدي وأنا أحمله إلى الطاولة لأن مجد كان يريد أن يختبئ خلفي بعدما ضربه راؤول..
اقترب جاد من راؤول وسأله لماذا فعلت ذلك يا راؤول …
ما لبث راؤول وفتح فاه ليخبر جاد ما حدث معه، وبأن مجد هو من تسبب له بكل ذلك…
حتى انهال جاد بالضرب عليه، ثم قام بضرب مجد أيضا، أذكر تلك الليلة بأن مجد ذهب لبيت خاله كريم ومكث عنده لمدة أسبوع، خوفا من عقاب جاد له .. إلى أن هدأت النفوس فيما بين الإخوة وتدخل أخي كريم وحل الخلاف القائم بين الأولاد
حتى أن طاولة الطعام لم تسلم من تلك المشاحنات لقد تم تصليحها لأكثر من مرة بسبب المشاجرات السيئة فيما بينهم
وظلت تلك المشاجرات المستفزة والمستمرة، تحدث فيما بينهم وبشكل دائم إلى أن كبروا وكل شخص فيهم بدء مشروع حياته المستقل عن الآخر وانفصل كل أحد عن الآخر وأصبح لديهم بيتهم المنفصل، وحياتهم الخاصة.

ليلى صياح الحسين سورية

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى