أدب وفن

النَّزْع الأخير/ قصة قصيرة عقيل العبود

الشبكة مباشر

النَّزْع الأخير/ قصة قصيرة

عقيل العبود

ذات صباح من صباحات يوم شتائي ممطر تركت أنفاسها عالقة على وسادة يجتاحُ احشاءها الوجع، بينما بقي صدى صوتها منجمدا بعد أن لاقت حتفها بين جدران غرفةٍ رَثَّة.

آنئذٍ الإعلام لم يكن يفلح في الكشف عن اسرار هذا النوع من القضايا، ولذلك ظلَّ دوره معطلا دون اتخاذ الإجراءات الرسمية بحق الجناة.

منذ ذلك الحين تكون افراح ذات الإبتسامة العريضة، والشعر الكستنائي، والعينين الزرقاوين قد شغلت موضوعا له علاقة بملفات اخرى.

ذلك ما صرح به الطبيب المختص، يوم أعلن ان التيفوئيد الذي أصابها قبل أشهر ثلاثة، لم يتم تشخيصه بشكل صحيح.

ولذلك لم تعد وسائل الإسعاف مناسبة للحيلولة دون موتها، فالدواء الذي تم تخصيصه، بل وحتى تسويقه لعلاجها المجاني من قبل احدى الجمعيات الخيرية لم يكن صالحا للتناول، وذلك ما أقرَّ به المشرفون على حالتها الصحية.

وعليه تم إحالة ملفها الطبي لنوع آخر من التداول الإعلامي والجنائي ذلك ربما بحثا عن ملابسات أخرى تختفي خلفها جهات معينة، بينما أعقب مصرعها حضور تلك الوقائع الخاصة بحياتها قبل الرحيل ذلك على شاكلة شريط من المتابعات؛

فالطائر الذي كانت ترعاه قبل ان تدلي بما تبقى لديها من كلمات رحل مخلفا وراءه تلك الزقزقات ذلك بعد ان أطبق جناحيه، ليودع الحياة هو الآخر.

وعلى ذات النمط من الذكريات، الصف الرابع الابتدائي بما في ذلك زميلاتها، وكتبها، المدرسية، بل وجميع الموضوعات، تلك التي تم الإحتفاظ بها ضمن ارشيف ادارة المدرسة، بما في ذلك نشاطها الصَّفي المعهود مع معلم النشيد، والفنية.

أما الألم ذلك الشعور المسكون بأجواء الأسى، فكأنما خجلا، قرر ان يسافر تاركا خلفه جثمان صغيرة إنتزعتها المنيَّة على حين غرة.

وبمثله لحظات التوق إلى العناق، هذا الذي تراجع مذعنا لذلك الوهن الذي احاط بعروق تلك الصبية،
ليطلق العنان لآخر ما تبقى لها من أنفاس ذلك يوم أرادت ان تضع ذراعيها عند كتفي شقيقتها التي باتت ترفض ان تصدق أنباء ما حصل.

بينما على غرار ذلك، بقي الحزن مطرق الرأس بعد أن راح يحتضن الإثنتين معلنا عن أحداث فاجعة جديدة.

لحظتئذٍ السماء تلبدت بالغيوم بعد ان أحجمت عن الإحتفاء بشمس شتاءاتها التي سرعان ما تحالفت هي الأخرى مع لغة ذلك المصير، تلك المشاعر التي هي الاخرى كأنما تم تسجيلها ليتم الإحتفاظ بها عند طيات ذلك الملف.

هي مقاطع صوتية بقيت حاضرة في ذهن الصحفي مع تفاصيل الحادث، بما في ذلك الصور، والوثائق التي تم جمعها تباعا عن أسِرَّة المرضى، والعلاجات، وعدد الزيارات.

وتلك تقريرات تم إخفاؤها لحين إستكمال باقي الإجراءات المتعلقة بالبحث الجنائي، بما في ذلك إفادات البعض من المراجعين تلك التي آثارها راحت تعوم بعيدًا بعيدا ذلك بحثًا عن طريق آخر لإعادة مجرى التحقيق.
…………

عقيل العبود: سان دييغو
ماجستير فلسفة وعلم الأديان باحث اجتماعي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى