إيران لن تعارض عودة النجف وكربلاء إلى الوثنية
مظاهر الخرافات ومهرجانات الأصنام في النجف وكربلاء (أثناء طقوس ما يسمى إحياء ذكرى استشهاد الحسين رضي الله عنه) في تفاقم عاما بعد عام وبات من المتعذر التمييز بين مشاهد كربلاء ومشاهد الأعياد الوثنية في الهند والنيبال.
الأهالي المحليون يقولون: هذه الطقوس لم تكن موجودة قبل الاحتلال في عام 2003 والقاعدة العلمية تقول: الأقليات في المجتمعات الكبيرة تظل تحت السقف الثقافي للمجتمع وتحافظ على طابعها الثقافي العام وهو ما حدث على مدى
القرون.
الدول التي توالت على حكم البلاد الإسلامية كانت على خلاف سياسي واعتقادي واجتماعي مع المدن الشيعية لكن هذه المدن عوضاً عن ان تفقد خصائصها (كما يحدث للمدن السنية في العراق وسوريا) بقيت في مدار ما ضمن جاذبية
ثقافة الدولة ولم تنفلت في الفضاء الخارجي حيث لا ضوابط للزمن والوزن والقيم كما يحدث لها اليوم.
إيران الحاضرة في هذه المدن ليس لديها مشكلة في عودة النجف وكربلاء الى وثنية ما قبل الفتح العربي الاسلامي.
كل ما تريده إيران (أو فارس) هو استعادة ملك اقليمي يوم كانت وثنية وكانت المنطقة وثنية مثلها وكانت الحمية العربية هي المعضلة الوحيدة التي كانت تنفجر بوجهها وتنتصر عليها عسكريا لكن العرب الذين لم يكونوا قبل الإسلام أمة ظلت
انتصاراتهم عسكرية ولم تترجم إلى انتصار مدني يطرد الخاسر خارج منظومته الاجتماعية.
ايران اليوم تصطدم بحاجزين: الأول أنها فارسية وتريد العودة منطقة عربية، والثاني ان هذه المنطقة قبلت الإسلام ودخلت فيه أما هي فتحمل دينا مختلفا.
نزول الفرس إلى السهول العربية هو حدث يتكرر (مذ غيرت الدولة الفارسية دينها في 1500م إبان الانقلاب الصفوي) تعقبه في كل مرة ثورة اجتماعية تبدأ في أروقة العلم وتنتهي بإخراج الفرس وتعطيل مشروعهم الإقليمي لقرون قادمة ويتبع
ذلك قرون من الازدهار.
اهم تلك الثورات واغزرها ثقافة هي عندما تحالف العرب العباسيون مع السلاجقة الاتراك في القرن 4 الهجري وقادوا نهضة علمية كان من معالمها قيام “المدارس النظامية” في حواضر العالم الاسلامي (منها المدرسة المستنصرية) وحرروا
بغداد من البويهيين وامتد النهوض العلمي الى فترة الحروب الصليبية وقضى عليها.
نزول فارس في 2003 برفقة الاحتلال الأمريكي جاء بطرق جديدة للتعامل مع الحاجزين التاريخيين (الاسلام والعروبة) الذين هما (معا) ركن الثورات الاجتماعية ومنطلق نهضاتها العلمية.
إيران تعاملت (وتتعامل) مع المعادلة السكانية العربية في العراق وتجلب كتلا بشرية شيعية من اواسط آسيا لتوطينها في مدنه لكنها لا تجد في التشيع الذي كان تحت سقف الثقافة الوطنية للدولة العراقية تلبية لمتطلبات عودتها الإقليمية.
انفلات النجف وكربلاء والمدن الشيعية خارج جاذبية ثقافة المجتمع وعودتها إلى الوثنية التي سبقت الفتح العربي الإسلامي هو مطلب في حسابات إيران للحفاظ على انتصارها العسكري وتجفيف منابع النهضة: الإسلام والعروبة، رغم ذلك
فدلالات التاريخ تشير إلى غير ما ترومه إيران ومجتمعات المنطقة تجدد طرق نهضتها هي الأخرى في كل مرة.
#ربيع_الحافظ