((جدتي ودخان بغداد))
كانت جدتي تدُخنُ السجائرَ، والغريبُ بالأمرِ أنَّ والدي كان يجلبُ لها ما ترغب من سجائر! أذكر مرةً ذكرتْ إسمَ تلك العلبة بأنها ترغبُ بتدخينِ سجارة أسمتها بغداد!
تفاجئت..هل توجد سجائر تحمل هذا الاسم؟
تفاقم مرضُ جدتي ولم تكفْ عن حرقِ كبدِها بذلك الدخانُ الأبيض لذي يشبه شعرها!
تغيرتْ ملامحُها وما زال والدي المتعب يحملُ لنا الحلوى ولها سجائر بغداد عند عودتِه مساءً. ذات الشكل الابيض في منتصفها كلمة كتبت بالاحمر بـغـداد!
ذات مرة تجرأتُ وسألتُ والدي عن سببِ جلبِ السجائرِ لجدتي المريضة والكل يعلم هذا الامر يصيب الانسان بالمرض والاختناق.
لم يجبني أبي..وتركني وهو يُربتُ على رأسي بلطف..لاتقلقي لن يصيبَها شيء.
مرتِ الأيامُ سريعةً وتقدمتِ الجدةُ بالعمرِ ولم تكفْ عن هذه الطبيعة ولم يكف أبي هو الآخر.
وفي ليلةٍ من ليالي الصيفِ القائض عزمت على الصعودِ لحجرةٍ مقفلةٍ منذ زمن كانت أُمي حريصةً على عدم فتحها لأحد.
دفعني الفضولُ وساقتني قدماي دون ترددٍ او تراجع نحو الحجرة وأنا أُتمتم:
لعل هذه الحجرة تكونُ مكان سكنٍ لي بدل النومِ بقربِ جدتي التي بفضلها أصبح النومُ مستحيلًا ،حيث أقضي الليلَ بين أنينٍ وتدخينٍ والكثيرِ من الدخانِ السعالِ والقليلِ من الاوكسجين..
ومع اول خطوةٍ على السلم ناداني والدي:
ياابنتي لاتفتحي الحجرةَ المقفلة إنها لأعمامك ولن تُفتحَ إلا بعد رحيلي بدون عودة!
تسمرتُ بمكاني لم أسمعْ هذه العبارة من قبل!
أعمامي!
إقربتُ من والدي وسألته: من هم وما حكايتهم ياأبتي؟
فقال: كي تبقى بغداد شامخةً تنازلتْ جدتكِ عن أبنائِها الأربعة!!
وصلت لي الفكرة وعلمتُ أنَّ أعمامي ذهبوا شهداء من أجل الوطن وبان لي سبب الكأبه والتعاسه التي خيَّمتْ على منزلنا.
جدتي كانتْ تدخنُ سجائرَ بغداد وكأنها تستنشقُ عطرَ أولادها الأربعة!
ماتتْ جدتي ولم تغيرْ بغداد علبة سجائرها.