لحظة تسوق
عقيل العبود
مع صمت ظهيرة مسكونة برائحة الصيف،
حيث أمام مغريات الواجهات الأنيقة، تلك التي تدور حول بريقها فاتنات يرسمن الإبتسامة في وجوه المتسوقين، جلس مع افكاره بصحبة كريم الفانيلا بعيدا عن الزحام.
هنالك تلبية لجاذبية المكان، راح يتطلع متأملًا ما يدور حوله بدقة متناهية.
الجالسون، والمتسوقون تلك المجاميع من الناس مع عوائلهم، بما فيهم الاستاذ، والمهندس، والعامل والطبيب، البهجة ترتسم على وجوههم، وتجمعهم مع بعضهم احاديث عن العمل، والحياة خاصة ايام ما يسمى ب ال weekend
الفضاء الخارج عن اسواق ال ماكدونالد، تم اختياره بجانب محلات بيع الجملة الكاسكو الخاصة بتسويق، وبيع المواد الغذائية والاستهلاكية.
وتلك المطاعم كأنما اعدت بطريقة تتناسب وامزجة الزبائن، هذا ناهيك عن الفة الملامح المشعة بالأمل، والحياة، تلك التي لا تفارق وجوه العاملات، والموظفات، ما يوحي الى ان هنالك صناعة يتم تسويقها لجذب العدد الأكبر من الزبائن ذلك عبر توفير المناخات المناسبة لكل مفردة من مفردات هذا النوع من الصناعات.
فالاشياء والموضوعات تبدو كأنها تماما قد اعدت لخدمة الإنسان، بما في ذلك سحر الإبتسامات الخاصة باستقبال الزبائن من قبل الواقفات عند بوابة المدخل الرئيس.
المناخ، وحركة السيارات، والقاطرات، ووسائل الترفيه، والنقل، كل ذلك يجعل المتسوق اكثر حرصا للحفاظ على هذا النمط من الألفة.
تلك اللغة التي بها يتعلم الإنسان معاني الرقي، والمحبة، والجمال.
الصور راحت تتحرك في عقله، تطوف به بعيدا، الاسئلة تزاحمت على شاكلة متوالية هندسية، تلك المشاهدات، البعض منها صار اكثر الحاحا.
الموقف أشبه بإشكاليات لها صلة بواقع مرسوم في ذهنه قبل تلك اللحظة، الأسئلة امست تلح عليه بطريقة ما.
السؤال الأكبر، ما هو السر الذي دفع هذه المجتمعات لأن تتمتع بجمال الحياة هكذا، لماذا لم يحصل هذا في مجتمعاتنا، لماذا تجد الموظف هنا أكثر حرصا على اداء واجباته، ومسؤولياته منا نحن، كيف لنا ان نبني تلك النفوس التي تلكأت، لماذا هذا الإعصار الذي ما زال يدب فينا، لماذا لغة الإبتزاز، والكراهية، والفوضى، تفرض نفسها، هل هي الحروب، السياسات، الفقر، فقدان فرص الثقافة، والتعلم؟
بقي هكذا مع دوامة افكاره ، اتسعت دائرة الذكريات، ذهب بنفسه كأنما في لحظة غفوة فُرِضَت عليه بعد تعب ساعات من التجوال، ليجد فتاة شقراء جميلة وبيدها مكنسة تنظف المكان خلفه، نظر اليها بتمعن، لم يكن مظهرها بصورة ذلك المنظف الذي يرتدي اسمالا رثة، ولم تكن على شاكلة امرأة متعبة.
لذلك راح يتحدث إلى نفسه متمتما، “يا لهذا الجمال الساحر” ذلك بعد ان بادلته النظر بابتسامة عريضة، اعاد ذاكرته صوب تلك الملامح، ليدرك بعد حين انها نفسها مسؤولة ال ماكدونالد، فهي نفسها، تلك الشابة التي استقبلته بابتسامة عند اول لحظة وقف امامها.
عقيل العبود: ماجستير فلسفة وعلم الاديان وباحث اجتماعي سان دييغو