منذ ايام الطفولة لجيلنا والأجيال التي سبقتنا كان درس التربية الوطنية له ميزة وذو عطر لأنه لاينتمي الى بقية العلوم وانما متميز بكونه يقتصر على تنمية وترسيخ الروح الوطنية في عقول وقلوب الدارسين، لايحتوي على نظريات ومفاهيم وأحاديث وأقاويل تميل الى شخص او حزب او كتلة معينة دون اخرى ، بل كان يحتوي على مفهوم واحد لاغيره ، هو فهم متطلبات الولاء والأنتماء للوطن ، الوطن فقط لاغيره .
حب الوطن هو شعور انساني داخلي وقيمة عليا لابد من زيادتها عبر الزمن لكي تظهر للجميع على ان الانتماء العالي يجعل قيمة الوطن ايضا عالية، واذا هبط الانتماء الوطني فان قيمة الوطن تهبط في اسواق الذين يزايدون عليه مما يسهل عليهم امتلاكه والسيطرة عليه واكتناز ثرواته، فالحفاظ على الوطن والدفاع عنه يعني السعي لتطويره والأرتقاء به ونهضته واعلاء شأنه وسلامته وأمنه.
حب الوطن ينبع من مدى رغبة المواطن الحقيقي الغير مزيف في تجسيد ولائه وانتمائه لوطنه، سواءا بالسلاح او بالكلمة او بالمكتسبات العلمية والفنية، وهذا الحب لايمكن له الزوال عند الوطنيين الحقيقيين مهما كانت مسيرة التضحيات عسيرة وشاقة ، فمن السهل ان يمتلك الشخص بيتا او سيارة او ارض، ومن السهولة ان يبيعهم مجتمعين مادام في وطنه،،ولكن ان يبيع وطنه فلن يجد بديلا عنه مهما قدم من تنازلات للأخرين ،،ففي النهاية سيقولون عنه انه فلان.. الذي باع وطنه لأن اصله من الوطن الفلاني الذي ولد فيه.
من يقرأ التاريخ يفهم بأنه من الصعوبة ان يتم تدمير اي وطن ، تزيد فيه نسبة الوطنيين المنتمين اليه بجدارة وصدق وشرف عن بقية الفئات التي تعمل على الاتجار به وعرضه في المزادات الخارجية ، من الصعوبة ان يتم تدمير وطن يرفض ويكره ويحارب فيه مواطنيه الحقيقيين دسائس ومؤامرات تفرقهم عن بعضهم وتقلل معيار انتمائهم وولائهم لوطنهم ، فالدول التي تعمل على تحطيم الأوطان فان اول ماتبحث لها عن ثغرات تقوم على اساس اختيار من هم مستعدين لبيع وطنهم لقاء مكتسبات مادية ،
فمن المعروف ان هذه الفئة مادامت مستعدة لبيع وطنها فأنها مستعدة لبيع كل شي حتى كرامتها وعزتها وشرفها ، وان هذه الفئة الضالة تتبنى منذ توليها السلطة ، تنفيذ ستراتيجية لاتحيد عنها وهي بث سموم التفرقة والخلافات بين افراد الوطن الواحد لكي تسود مصالحها هي فقط ،،وقد قالوها قديما ” فرق تسد ” .
حب الوطن لايقوم على الانتقاء من بين بدائل كأنه سلعة تباع وتشترى ، حب الوطن ليس صفقة يستفاد منها الان لكي يمكن الاستغناء عنها مستقبلا، ولهذا فان الفئات الجاهلة عندما تسيطر على مقدرات اي وطن ، فأنها تبث برامجها عن طريق مجموعة من المؤسسات الطائفية سواءا دينية او تعليمية او سياسية ، تسعى جميعها الى الى غرس وتعميق مباديء الولاء لتلك المؤسسات ، اي انتقاء تلك المؤسسات والأشخاص الذين يمثلونها،، بدلا من الوطن ،، لأن الأنتماء للوطن يضر بمصالح تلك المؤسسات ،
،وان عملية انتقاء تلك المؤسسات وتفضيلها واختيارها من قبل فئة الجهلة من الشعب هو الذي يضمن بقائها في قمة السلطة،،ففي تفكيرهم الستراتيجي لايهم وجود حياة كريمة او قدوة صالحة في مواقع العمل ، ولايهم ايضا ان يخرج الوطن من قوائم التحضر والنمو والأزدهار ، ولايهم ان تزداد فيه نسب التخلف والفساد في كافة مرافقه، ولايهم ان يفتقر المواطن للمشاعر والاحاسيس الايجابية التي تقوم على الانتماء والمحبة تجاه وطنه ، بل المهم ان يكون الفرد تابعا لحزب أو مؤسسة او كيان ليس له علاقة بالوطن سوى المصالح المادية والمكتسبات ،
المهم تقديم كل الدعم والاسناد الى من يقود تلك المؤسسات بغض النظر عن سيرتهم الذاتية المتميزة بعدم الولاء للوطن وارتفاع محاصيل اموال الفساد التي حصلوا عليها.
ما اغرب تلك الاوطان التي يختار فيها شعبها من هم لاولاء لهم للوطن ، ويبقى الشعب على تخلفه وتنازله عن حقوقه ، فعلا مثل هكذا وطن ،،هو لقمة سهلة للذئاب المفترسة على ثرواته،، اللهم امنحنا الشفاء بالولاء والانتماء للوطن،،وابعد عنا داء الانتقاء،،انك سميع عليم.