قراءة نقدية في الكتاب الاول امتاز عليك باحزاني للشاعر يوسف رزوقة ..
الشبكة مباشر ....بقلم بسمة مرواني
قراءة في الكتاب الاول امتاز عليك باحزاني للشاعر يوسف رزوقة ..
أوّل النّـــــزف أحــــــــزان في مهـــــبّ الذاكـــــــــــرة
أصدر الشاعر ديوانه الواعد “أمتاز عليك بأحزاني” سنة 1979، وقد حصد به جائزة وزارة الثقافة سنة 1981،
وهو اول اصدار من منشورات مجلة الاخلاء حينما كان طالبا بكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة.ورد في 52 صفحة يضم 18 قصيدة فيه ايقاع القصائد الحرة ،تفعيلات مختلفة التوقيع ينضح صدقا وايحاء شكل قصائده طلائعي بدون انزلاق في الاستلاب المجاني او في الشعر التهريجي الصاخب. طفحت بالصور القاتمة الحزينة
فتح بابا وراء باب في حقل الابداع وولج عالم القصيدة بتميز ، حث الخطى و ياتي يوم يفهم فيه هذا الفارس أي الطرق آمن في الوصول الى القمر ليحصد منه الضياء للعاشقين كما قال المرحوم محمد المختار جنات عنه في امضاء على المجموعة. أراد أن يحلّق كنسر فوق قمم الجبال ليرى المشهد بكل تفاصيله يكتب وهو يشعر باليأس يتسلل الى قلبه لكن لم ينسحب..
التجديــد والتحديــث ثنــائية التأسيـس في المختبــر الرزوقــي:
تأسبلت حياته في مختبر كتاباته التى جعلها ضمن فلسفته لرؤية الامور وهي فلسفة اعتبار أن المشاعر الهدامة، مثل الخوف ، والحب الملتهب والجنس المتقد، والحزن هم بذاتهم، أو ما انبثق عنهم، مشاعر عليه ان يستوعبها في حياته بحكمة واتزان ، ليكون المثقف الرصين و الحكيم، محققا كمالا اخلاقيا وفكريا،ليعرف به طيلة مسيرته الابداعية.
الشاعريوسف رزوقة يؤمن بالحداثة وما بعد الحداثة ، وليس ان يكون متفيئا للظلال بل مؤسسا لها في موكب ااقتحام وفرادة بالتجديد في الشعر والتقنيات السردية
فان كانت التجربة مطلوبة بالنسبة إلى الكاتب، لا تنحصر في علاقته مع الإبداع الأدبي فحسب وإنما هي ذات وجوه متعددة، منها التجربة الذاتية، أو الحياتية، ومنها استلهام تجارب الآخرين، شرارة المخيال التجربة الأدبية، و المتجلية في عالم التلقي،والتفاعل.
أنه من السّهل افادة علم النفس من الادب فالابداع الفني يصدر عن التلقائية والخبرة الشخصية كما يقول بيرت و معظم ما نعرفه عن الانسان جاء من ناحية الابداع الادبي .ولقد عنى علماء النفس التجريبيون بخاصة بالاكتشافات المهمة في داخل النفس البشرية من خلال الاعمال الابداعية.وكل الاستبطانات المهمة، اكتشافات ابعادها للمناطق الغامضة والمجهولة في داخل الانسان مثل الشعور ،المناجاة ليتجاوز المحن المأساة ،الحزن اليأس ، الخوف ، العشق الحب الانانية ،الغيرة المزاجية تجليات الوطن الشتات …و جل ما يكتبه ليظل الشعر الدرع الواقي من نفسه من البعد الدرامي خصوصا فنرى كما يقول سلفادور دي مدرياجا: :ان دون كيشوت وسنشو ودون جوان وهملت وفاوست وكلها شخصيات درامية هي اعظم شخصيات ابدعها الانسان .
مع هذه المسميات المدمرة للذات كان من الحزن بمسافاته المناقبية المألوفة ما يدمر الانسان العادي لكن يوسف رزوقة اجترّ تفاصيل هذا الحزن مؤسسا منه الحجر الاول منذ بدء ، جسرا الى القمة فجعل منه وحدات بنائية جمالية دالة متراكبة ومتفاعلة ليدعله مادة دسمة ف اذكاء محبرته ليصل الى الديمومة بتحقيق الذات والطموح والايديولوجيا الخاصة به هي ايديولوجيا الحرقة او اللوعة …فكانت اشعاره تتجلى في ثناياها دوال غير محايدة لا تلتزم بقضية الانسان في ابعاده الجوانية بل الوطنية والقومية والانسانية.
النصوص الرزوقية في هذا الكتاب الواعد مشبعة متحركة غير معزولة عن الذات ولا البشر ولا على الوطن والعالم حوله بمعنى آخر حزنه كبير صار بحكم المكان والمكان وطن ، بل الايقاع شامل والجزء من التجربة الحياتية لهذه الذات الكاتبة التى تماهت مع كل نبضة قلب ولمعة فكر وخلجات عرق الملهم المزدهر كالنبوة في صدره . فيعيشه كفكرة تبناها قبله الفيلسوف ابكتيتوس الروماني ان ما يعذب الانسان ليس الواقع وانما الاراء التى صيغت عنه… وليست الاشياء ما تقيدنا انما ارتباطنا بهذه بالاشياء ويرتبط به انتسابا حيث استحضر احدى اقتباساته : ما الذي تجنيه من القلق حيال أمرٍ خارج سيطرتك؟ أو من الغضب على نتيجةٍ لم تكن من صُنعك؟ أنت ببساطة تضيف ضررًا نفسيًا للوضع، تزعزع به سعادتك وسكينتك… ستكتب -بوعي أفضل- سيرةً يمكنك أن تكتبها، وستتهيأ نفسيًا لقبول أي نتيجة باتزان.
ومن هذا الاحساس المبكر بالدراما والحزن المتلازم مع تدفق وهجه العاطفي الانساني اعطى القصيدة ثراءها وخصوبتها وحفر في اللغة بازميل مفرداته سيولة غاضبة غرق في عمائها بحثا عن الغريب والا مألوف وقد وشمها بنقوش من لهب ونار فالشعر تبناه بمثابة الحب المقدس الذي لا يمكن تدنيسه فصلب حبه وكده وامله وحلمه فوق كتفيه ،
وان حذا هيدجر حذو النعل بالنعل لنيتشه في إعلائه أهمية الشعر إلى مستوى التفلسف وتداخلهما، ومحاولته تفسير الوجود فلسفيا بماهية الشعر فان يوسف رزوقة برؤيته ايضا ناظرا الى المرحلة بان جعل من العقل إلهاً يستطيع أن يصل به إلى الحقيقة المطلقة بادئاً من الشك في كل أنواع المعرفة, كسائر الشعراء من سلبوا العقل هذه الالوهية وأعلنوا موت المطلق نفسه.
سابق رزوقة نفسه الى القمة لا همّ لـه إلاّ تلغيم القرية، قرية ماكلوهان بالممكن من حلمه ليرى ان الكتابة مقاصدها شتّى:كما ورد على لسانه : الرهان على الإنسان الراهن: إعلاء دولة الذات والانتصار لجوهرها، ليجعلنا نؤمن بالافكار الجمالية وان الحزن يمكن تجاوزه على افتراض انه شعور منبوذ كالقبح ،يتطلب تحرير النفس منه ومن معالمه المتألمة والمتشذرة ومحاولة نفيه .
بتناغم القبح مع صناعة الجمال او ما يسمى بالرائع ،بتصالح مع نوع من الاستيطيقا ب اللجوء الى فن الكتابة والابداع ومهارة اللعب الغادديميري الذي تميز به وهنا يجوز القول ان الشعراء هم رعاة ميدان الرائع ومخترعوه كما حدثت افللسفة الكانطية .
و اخيرا بدأت المدرسة الرزوقية بالنزف الكثير واتسعت وتصالح الشاعر مع حزنه بعد تعرضه لزلالزله الحياتية الكثيرة فتكثفت الصور وتتالت اصداراته …ليحصد العديد من الجوائز في الشعر والرواية وفي ادب الاطفال مدخنا الجغرافيا دون سهو على انه المتقن للغات