الذكرى الثالثة بعد المئة لتأسيس الجيش العراقي بالتزامن مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة
#الشبكة_مباشر_لندن_الإعلامي د.بدر فهد العنزي
يحيي العراقيون الذكرى الثالثة بعد المئة لتأسيس الجيش العراقي، الذي تزامن مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة، ونستذكر معها محطات بارزة في مسيرة أحد أقدم جيوش المنطقة العربية في العصر الحديث، وكان للجيش العراقي دور بارز في التمهيد لبناء الدولة العراقية عام 1921، وسجلت له مواقف عالقة في الأذهان لا ينساها الشعب العراقي حتى اليوم منها مشاركته الكبيرة والفاعلة في حرب فلسطين عام 1948، وإنقاذه للعاصمة بغداد التي عانت من فيضان نهر دجلة 1954، الذي هدد العاصمة العراقية وسكانها، فضلا عن دوره الكبير في الدفاع عن القضايا العربية.
ومنذ تأسيس الفوج الأول (فوج موسى الكاظم) للجيش العراقي الباسل عام 1921، والعراق شعبا وأرضا يحتفي بهذه المناسبة سنويا، ليس لأنه جيش العراق فحسب، وإنما هو جيش للدفاع عن العراق والأمة في بنائه العقائدي والمهني، وتشير الدكتورة رجاء حسين حسني الخطاب في كتابها عن تأسيس الجيش العراقي وتطور دوره السياسي (1941_1921)، (بأن تاريخ العسكرية في العراق ضارب في القدم ويخبرنا التاريخ أن أول الجيوش التي عرفها الإنسان تشكلت على هذه البقعة من الأرض، بداية من الممالك السومرية مرورا بالإمبراطورية الأكادية والبابلية وصولا للقرن التاسع قبل الميلاد حين وضع الآشوريون الأسس التي يعرفها العالم اليوم لبناء وتشكيل الجيوش النظامية)، ومنذ تأسيسه عام 1921، بني هذا الجيش على أسس وطنية وقومية، ومارس الفعل القومي عبر مراحل مسيرته الخالدة وله بصمات شاهدة وحية في التاريخ الحديث وحتى الآن في فلسطين والأردن وسوريا ومصر واليمن والجزائر، وفي الأحواز العربية وبلوشستان ، وله بصمات في تدريب عدد كبير من الضباط العرب، وحتى حين كان يتلقون التدرب من الضباط والطيارين والمراتب العراقيين في الأكاديميات العسكرية بمصر وبريطانيا وأمريكا والباكستان وغيرها، كان الضباط والطيارون العراقيون يتميزون عن أقرانهم في جميع الفعاليات التدريبية، وينالون الشهادات التقديرية على هذا التميز.
الطيارون العراقيون مهدوا للجيش المصري اقتحام خط بارليف
حين نتحدث عن الجيش العراقي بكل صنوفه فإننا نتحدث عن جيش ترك أثرا وحضورا تاريخيا كبيرا ومهما في كل المشاركات التي حضرها، وهذه مآثر الشهداء في أرض فلسطين لا زالت شاخصة ولا زال التاريخ يتحدث عن هذه المآثر وبطولات الجيش العراقي على أرضها عام 1948، وعلى أرض الأردن عام 1967، وكانت الطلعة الأولى للطيارين العراقيين في حرب 1973 على (تل أبيب)، واستشهد ستة طيارين عراقيين في اليوم الأول من القتال، ومهد ذلك لتقدم القوات المصرية على أرض سيناء واقتحام خط بارليف، وكان للجيش العراقي الدور الكبير في إيقاف زحف القوات (الإسرائيلية) على دمشق عام 1973، وشارك في المعركة دون تحضيرات سابقه وعرف من الإعلام بالحرب وتحركت الدبابات العراقية على السرف من بغداد إلى القنيطرة وأوقف زحف جيش العدو الذي اقترب من أسوار دمشق وردته وأجبرته على التراجع والاندحار وكبدته خسائر فادحة وأن (إسرائيل) دخلت في حالة من الذهول والصدمة بالمشاركة الفاعلة للجيش العراقي في حرب 1973 رغم ما كانت تنفقه من أجل مراقبة تحركاته ومنعه، (ورفع الحظر عن برقية اسرائيلية سرية بعد 47 عاما مفادها أن “دمشق كانت تفاحة جاهزة بين أيدينا، لكن الجيش العراقي حرمنا منها”)، واستمر جيش العراق بالزحف لتحرير الجولان في معارك طاحنة وبالسلاح الابيض، ولولا ايقاف القتال من الجانب السوري لتحررت أرض الجولان على يد مقاتلي الجيش العراقي الباسل، وتشهد ارض القنيطرة انها تحتفظ برفات عدد كبير من الشهداء ولازالت المنطقة التي عسكر فيها الجيش العراقي بعد صده قوات العدو تسمى (العراقيات) ومعروفة لدى اهل الشام حتى الان، ومر الجيش العراقي بسلسلة أحداث مفصلية في تاريخه، خاض فيها 16 حربا، حقق فيها علامات مضيئة، لا سيما في الحروب العربية ضد إسرائيل.
الجيش العراقي تصاعدت قوته في حربه مع إيران
وجاء العدوان الإيراني على العراق في 4/9/1980، والرد العراقي الماحق في 22/9/1980 على هذا العدوان في حرب ضروس استمرت ثماني سنوات، وكان الجيش العراقي قد دخل الحرب وقواته بحدود ثماني فرق عسكرية مع بعض الألوية والأفواج الخاصة، وانتهت الحرب عام 1988 والقوات العراقية كانت أكثر من 56 فرقة عسكرية، إضافة إلى تسيدت الجوي في كل المعارك، وانتهت الحرب بانتصار العراق عسكريا ومعنويا وبناء جيش عقائدي مهم في المنطقة ليصنف كرابع جيش في العالم في قوته وعدده وعدته وشجاعته واقتداره، بل إن المعارك التي خاضها مع الجيش الإيراني والتي حسمت لصالح الجيش العراقي أصبحت معالم ودروس تدرس في الأكاديميات العسكرية العربية والعالمية.
بانتصار العراق على إيران تكشف التآمر عليه
غير أن هذا لم يكن يريح الكيان الصهيوني وأمريكا وعملاءها في أقطار الخليج العربي وإيران، فدفعت هذه الدول للقيام باعمال وممارسات لإلحاق الاذاى بالعراق والاقتصاد العراقي، وهو مجهد اقتصاديا من حرب ضروس لمدة ثماني سنوات، فعملت تلك الدول على تقويض الاقتصاد العراقي في حرب واضحة ولكنها غير عسكرية، وكانت الكويت في المقدمة ومن خلفها السعودية والإمارات وقطر، ونبه العراق عبر كل قنوات التواصل الدبلوماسي والإعلامي ووساطة رؤساء عرب، من الدور الخبيث الذي تضطلع به تلك الدول من تأمر على العراق، وبالمباشر وخلال مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد عام 1990، ولكن استمرار العدوان دفع العراق للدفاع عن نفسه باحتلال الكويت في خطوة رد فعل لم تكن محسوبة النتائج، وبهذا سنحت الفرصة لكل أعداء العراق ليتفقوا على تدميره وتدمير قوته وإمكانياته العسكرية،وهذا ما حصل عام 1991 حيث نجح أعداء العراق وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني وأمريكا وإيران والخونة من العرب، ورغم حجم العدو وإمكانياته وغدر الغادرين والخسائر الكبيرة التي تعرض لها العراق، لكن أظهر الجيش العراقي قوة وشجاعة قل نظيرها، وكان أي اصطدام مباشر مع الجيش العراقي تكون كفة المنازلة لصالح الجيش العراقي البطل، واستطاع أن يحقق ضربات صاروخية مهمة في عمق الكيان الصهيوني، واستخدم العدو كل القدرات العسكرية الحديثة وتعريض الجيش لضربات بعيدة المدى التي مكنته من النيل من الجيش العراقي وتحطيم قدرته والته العسكرية من خلال تسيد العدو للأجواء.
المستفيد الوحيد من تدمير العراق وجيشه
الكيان الصهيوني وأمريكا وإيران
ويعرف الأعداء جيدا أن العراق سينهض من جديد، فلذلك طوقته من كل الجوانب ففرض عليه حصار قاس حرمه من الدواء ومن الاستيراد والتصدير والزمه بقيود وقرارات دولية ظالمة ومجحفة بحقه، وغلق كل أبواب وفرص النهوض والتقدم من جديد وبشكل خاص في إعادة بناء الجيش العراقي الذي لحق به دمار كبير في تجهيزاته العسكرية وقدم الآلاف من الشهداء، غير أن العراق وبعمق تأريخه وحضارته، بلد يتحدى المستحيل برجاله وعقولهم النيرة، واستطاع أن يقاوم الحصار الظالم وينهض من جديد بإمكانات أقل ما نقول عنها ضعيفة، وحين لمس الأعداء تنامي النهوض والقدرات وتطورها، سارعوا إلى تقويض النظام من خلال الاحتلال المباشر في نيسان عام 2003، وكان أول قرار لقوات الاحتلال الغاشمة بعد الاحتلال، هو حل الجيش العراقي لإنهاء وجوده وفعاليته وخطره المستقبلي عليهم، وكان أكبر الأهداف باحتلال العراق هو إنهاء الجيش العراقي وإيقاف تأثيره بالمنطقة وبالتالي إيقاف تأثير العراق السياسي الذي بات واضحا بعد عشرين عاما من الاحتلال،ولا بد من الإشارة الى ان اول تشكيل للمقاومة العراقية بعد الاحتلال كان من رجال القوات المسلحلة ومجاميع اخرى من المدنين وكان يقودهم بشكل مباشر الراحل صدام حسين، حيث اكد ذلك المرحوم اياد فتيح الراوي من خلال حضوره اخر اجتماع في 8/4/2003 مع الراحل بتوجيهه ان يتم الانتقال الى مرحلة المقاومة المسلحة.
سمات الشخصية العسكرية العراقية
ان الامانة التاريخية تقتضي ونحن نتحدث عن الجيش العراقي في ذكرى تأسيسه، لابد ان نؤكد على السمات التي اتسم بها الجيش العراقي ومنها، الشجاعة الفائقه والمميزة التي يشهد لها الاعداء قبل الاصدقاء، وكذلك الايمان الذي يمنح المقاتل القدرة على مجابهة العدو حتى انه امتلك اعلى القدرات العسكرية بأضعف الامكانيات، كما انه يمتلك قدرة الابداع والمناورة والمبادرة، وتتسم الشخصية العسكرية العراقية بالقدرة القيادية الخلاقة، فلذلك برز قادة عسكرين في الميدان ابهروا العدو باقدامهم والتف حولهم المقاتلون لقوة تأثيرهم القيادي، ومنهم الراحل عبد الجبار شنشل، والراحل هشام صباح فخري، والراحل اياد فتيح الراوي، والراحل بارق الحاج حنطه، والراحل سلطان هاشم والراحل سعدي طعمة، وقيس الاعظمي، وحسين التكريتي، وغيرهم العشرات من القادة الذين حفروا اسمائهم على لوح التاريخ في سفر الجيش العراقي.
الافعال العظيمة يصنعها الرجال العظام
ولابد ان نؤكد حقيقة تاريخية فريدة، بأن الافعال العظيمة يصنعها ويقوم بها الرجال العظام الذين يصنعون تاريخ بلدهم، فكانت القيادة الفريدة في تفاصيلها والعميقة في فعلها والتي كان لها الدور المباشر في تنامي ورفع القدرات العسكرية للجيش العراقي، تعود لقيادة الراحل صدام حسين الذي اسس وارسى كل امكانيات النجاح والتطور للقدرات العسكرية للجيش العراقي، واهتم بالمقاتل وملبسه وطعامه وعلاجه وعدد قتاله، بالاضافة الى مايستورد فقد اهتم الراحل بالمصانع بدأ من صنع الملابس والتجهيزات الاخرى الى الصناعات العسكرية المتنوعة لتجهيز القوات المسلحة بكثير من انواع الاسلحة الخفيفة والثقيلة والصواريخ القريبة وبعيدة المدى والعدد العسكرية الاخرى، كل هذا وغيره وبفعل قيادته، جعل الجيش العراقي رابع قوة عسكرية بالعالم.
ان استعراض مآثر وافعال الجيش العراقي لاتسعها مجلدات لان افعال هذا الجيش عظيمة وكبيرة عبر مراحل بنائة ومشاركاته في الحروب العربية والعراقية، خاصة الفترة من تموز 1968 ولغاية الاحتلال البغيض في نيسان 2003، ولايسعنا الا ان نحيي هذا الجيش في ذكرى تأسيسه.
تحية مكلله بالورد للجيش العراقي الباسل في ذكرى تأسيسه
وتحية لابطال الجيش العراقي عبر سفر مسيرته ، الاموات منهم والاحياء
وتحية اجلال وتقدير ، ونحني هاماتنا لهم ، الابطال الشهداء الذين روو بدمائم ارض العراق والعروبة
وتحية للقادة العظام الذين صنعوا للجيش العراقي تاريخه العظيم.