مقالات

بغداد ،،، بين ثلاثة

#الشبكة_مباشر_بغداد_د.كاظم المقدادي

تسرني جدا الكتابة والرسائل المتبادلة بين زملاء المهنة ،، لانها عادة ما تكون بحسن نية . شخصيا ،، لي صداقات زمالة متميزة جدا ،، مع زملاء رائعين ومبدعين ،، طه جزاع وحمزة مصطفى وزيد الحلي واحمد عبد المجيد وعبد الستار البيضاني وعبد الزهرة البياتي وعبد الهادي مهودر ،، والقائمة تطول .

في قراءته لمنجزي الاخير ( السلطانة اسطنبول) ركز صديقي وزميلي الاستاذ القدير حمزة مصطفى ، على موضوع (الاهداء ) !!

الذي سطرته في الورقة الاولى من كتابيً ( اوراق باريسية ) ( والسلطانة اسطنبول) وسجل منه ، صورا وعرضا جميلا و مبهرا ، بأسلوب السهل الممتنع ، وربما فاته من دون قصد ، جزالة المعنى ، ووهج الفكرة ،، لنصوص مهمة افترشت على ورق الكتابين ، و الاسلوب الجديد في كتابة العمود الصحافي الذي اجترحته لنفسي ، واحسبه نقلة مهمة في كتابة العمود الصحافي .

وكنت اتمنى ان يتناول زميلي البارع الاستاذ حمزة ، في استعراضه الباذخ مجريات الكتابين ، لكنه اكتفى بروعة ما بدأ به ،، وحرم القاريء من الغوص اكثر في عمق الكتابين ، على عكس ما فعله الناقد الكبير والمهم د شجاع العاني الذي استعرض الكتابين بروح الغواص في بحر الكلمات والافكار ،، بكثافة المعنى ، وغزارة الفكرة ، وتوقف د شجاع ، وبذكاء عند خيط ذهبي رفيع ربط فيه بين الكتابين ،، وهو “الحس الوطني” وعلى نحو جميل ومثير .

وكنت اتمنى ان يتعمق الاستاذ حمزة اكثر في قراءته ،، لكنه لم يفعل ، وهو المثقف العضوي النافع ، وكاتب العمود الصحافي البارع .

ان الذي حفزني لتسجيل هذه الملاحظات ،، هو ان موضوع اقامتي في باريس وباسطنبول ، لم يشغلني يوما عن ما يجري في وطني ،، فالعراق يظل هو الوطن ، عشت فيه ، وسأدفن فيه .
ولكي تتضح الفكرة ، ويستقيم المعنى ، فيما ذهبت اليه ،، اروم هنا اعادة نشر نص (رسالتي) التي كتبتها لصديقي الاثير على نفسي د طه جزاع والذي كان وقتها باسطنبول وانا في بغداد ، وكان ينتظر قدومي الى اسطنبول .

رسالة الصديق د طه ،، كنت قد نشرتها على حسابي وعلى اخيرة صحيفة ( البينة الجديدة ) الغراء وهذا نصها :

صديقي واخي ابا ياسين ..

وانت ترسل لي من اسطنبول “فيديو” للمكان الذي اعشقه في قلب عاصمة الجمال عند مضيق البوسفور ،، ويفترض بي ان اكون معك .. واتمتع بحسك الفلسفي للجمال والحياة ، لمدينة عشقناها معا ،، مشيناها برغبة ، وتأملناها بنشوة .

واعترف ،، باني قد وعدتك بالعودة السريعة لاسطنبول ، و برمجت وقتي ومواعيدي ، لأتمتع بتحضيرات الجمال في مدينة تصنع الجمال باليوم الف مرة ، ولأبتهج انا وانت باعياد الميلاد ، وراس السنة ، في مدينة احببناها في عيدها المتنقل والمهرجانات ، حتى باتت ملاذا لنا في ايام القهر ، والتقهقر ، و النكبات .

لكن يا صديقي .. في هذه الأيام ،، بغداد تستوقفني ، كثيرا ، وأنا على موعد افتتاح شارع المتنبي، وهو في اجمل صوره .. وسيكون في عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة .. وستنطلق منه كرنفالات الفرح ، وهذا التاريخ جعلني افضل البقاء في بغداد برغبة قوية ، طائعا صاغرا ،، فهي عاصمتنا التي بدات تستفيق على استحياء ،، وفق منظومة جمالية معرفية متناسقة .. تعيد لنا ذاكرتنا البغدادية المفقودة ،، في زمن الكوارث والازمات المتلاحقة .

اظنك ،، وانت عاشق المتنبي وبغداد ، وكما عهدتك ابدا ، سوف تحضر وتكون معنا للمشاركة في هذا الحدث الفريد ، وفي هذا الوقت الجديد ، وانت المثقف البغدادي البار ، فبغداد في هذه الايام يا صديقي ، بحاجة لنا جميعا ، لأنها بدأت تطرد البشاعة بالجمال ، والنقصان بالكمال ، فما احوجها اليوم الى النخبة من المثقفين ،، اعلاميين ، وفنانين وادباء ، وشعراء مبدعين .. يشاركون امين بغداد في مهمته متطوعين فرحين .

امين بغداد الجديد ،، يا صديقي ، وخلال سنة واحدة ترك لنا بصمة مدهشة في الألق البغدادي الباذخ ، وسيأتينا بالمزيد ، وستعاد قريبا الروح لشارع الرشيد .

شعرت ان بغداد ،، في قلبه ، قبل تخطيطاته ، وفي عمله قبل لسانه ، ادهشنا بقدرته الميدانية وبمسحته الجمالية .. وقد منحنا شرف المتابعة معه ، و المشاركة في رؤية بغداد وهي تنهض من جديد .. بعد ان دمرها التتر ، وشوهها الغجر .. وابادها رعاة البقر .

ويالها من مشاركة ،، نلملم بها حزن بغداد وجراحها ، ونواسي خجلها امام مدن الانابيب ، التي تراها (عيون المها) وقد ارتفعت فجأة تتمختر بناطحات سحابها ،، بينما ظلت بغداد كئيبة حزينة ، تئن وتتذمر من عشوائياتها ونفاياتها ، ووجعها .

بغداد ،، بدأت تنفض الغبار عن نفسها .. وسيعود سحرها وألقها وبهاؤها ،، وستكون مدينة قابلة للعيش من دون ناطحات للسحاب ، فجمالها في هويتها المعمارية وشناشيلها ، وطيبة اهلها ، وسيعتز العراقيون والعرب بها ، ويفتخر البغداديون، لانهم ولدوا يوما فيها .

حقا ،، بدأت اشعر بالسعادة ، وانا ارى “مشروع نهضة بغداد” قد بدأ ينمو بشكل مدهش ورائع ، على يد الامين المعمار علاء معن ، فهذا الرجل ميداني بامتياز و فنان يعرف كيف يخطط ، وكيف يوزع العمل دون ان يشط ،، وهو يحرص على عدم وجود اي تشوهات او شائبة في انجازاته واسلوب عمله .

السيد الامين ،، باشر بعزم وهو يحقق بسعادة متناهية مشروعه النهضوي الجميل، الذي انتظرناه طويلا .

اسطنبول ،، عل البال ، كما هي بيروت ، وباريس .. وكل المدن التي عشت فيها ردحا من الزمن بالغبطة والجمال .

لكن بغداد يا صديقي ،، تستدعينا لترميم ذاكرتها ، كي ننتشلها من بؤر الاستباحة والادران ، فهي مسقط الرأس ، ومهبط السحر وسيدة المكان والزمان .

وها قد حل زمن الوفاء الجميل .. وسيظل الوفاء لبغداد هو الاجمل ..
& مودتي
دكاظم المقدادي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى