عاش العراق فترات عصيبة من المآسي والفوضى بعد احتلاله من قبل الولايات المتحدة عام 2003 .
وكنتيجة طبيعية لحل الجيش العراقي ، اصبحت الدولة من بين أكثر انظمة المنطقة معاناة من التدخلات الخارجية والإضطرابات الداخلية .
بعد سيطرة تنظيم داعش الأرهابي على مساحات واسعة، وماتبعه من اصدار فتوى دينية تشكلت قوات عسكرية خارج نطاق الدولة باسم الحشد الشعبي لصد التنظيم الارهابي .
وبالرغم من زوال الاسباب الداعية لتشكيلها ظلت هذه القوات مستمرة بعملها ، مما اثار تساؤلات حول الشرعية الدستورية وتوازن القوى داخل الأمة ، خصوصا بعد انضواء العديد من المليشيات الحزبية تحت لواءها ، وتصنيف العديد منها ضمن قائمة الأرهاب مثل حركة النجباء وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله والنجباء .
استمدت قوات الحشد الشعبي شرعيتها من الفتوى الدينية ، ثم استمرت بموجب قانون مثير للجدل لكون الدستور العراقي لا يعترف بأي تشكيلات عسكرية خارج إطار المؤسسة العسكرية المتمثلة بوزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش .
وقد نصت المادة 9 الفقرة (ب) من الدستور على “حظر تكوين مليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة”.
اضافة الى ان الفقرة أولاً من المادة 9 من الدستور تنص على أنه “لا يجوز للقوات المسلحة العراقية وأفرادها، وبضمنهم العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو أية دوائر أو منظمات تابعة لها، الترشيح في انتخابات لإشغال مراكز سياسية، ولا يجوز لهم القيام بحملات انتخابية لصالح مرشحين فيها ..
واذا ما اعتبرت تشكيلات الحشد الشعبي من القوات المسلحة فانها تقع في مطب آخر . حيث تم ترشيح عدد من قادتها في الانتخابات البرلمانية ، وانخراطهم بالعمل السياسي مثل رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي يترأس حركة عطاء ، وكذلك قيادات عصائب اهل الحق وقيادات بدر وغيرها .
وفي ذلك مخالفة صريحة للدستور .
غالبا ماتحدث مواجهات بين فصائل الحشد الشعبي المختلفة ، وهذا مؤشر على عمق خلافاتها وتشظي قيادتها .
وقد عبر مصدر حكومي بقوله “أن
موقف الحكومة العراقية محرج، إذ أن تلك المواجهات هي خروج عن القانون وعن سلطة الدولة وتهديد للأمن المجتمعي، وأن المطلوب من الحكومة تطبيق القانون على الجميع” .
وكل محاولات التهدئة تشير إلى تهافت الإجراءات الحكومية وضعف سلطة الدولة .
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2019، تورّط قياديون بارزون من «الحشد الشعبي» في قتل الكثير من المتظاهرين العراقيين واحتجازهم وتعذيبهم . وشنت بعض عناصر «الحشد» أيضاً هجمات بالطائرات المسيرة ضد دول مجاورة واستهدفت بعثات أجنبية داخل العراق .
كما جرى اقتحام المنطقة الخضراء من قبل فصائل تابعة للحشد الشعبي عدة مرات مهددين سلطة الدولة مما يدل على الفوضى والاخلال بالامن العام .
وأحد أكبر التحديات التي يطرحها «الحشد الشعبي» هي قياداتها المستقلة فعليا ، والقرارات البعيدة عن نهج السلطة . وقد اعتادت هذه القوات تخطي صلاحياتها وتنفيذ عمليات دون علم الحكومة .
وهناك كثير من الفصائل المسلحة
التي تتخذ من الحشد الشعبي غطاء لها تبتز المواطنين والشركات الاستثمارية العاملة من دون مسائلة.
ولاتخفي بعض فصائل الحشد الشعبي ارتباطها بالحرس الثوري الايراني وتلقيها الدعم العسكري والسياسي منه ، كما تعتبر نفسها وبشكل واضح جزء لايتجزأ من محور المقاومة الذي تديره إيران في المنطقة .
دعا المرجع الديني السيد علي السيستاني إلى وضع “كل الأسلحة التي استخدمت لمحاربة المتشددين تحت سيطرة الحكومة العراقية” .
ولم تلق هذه الدعوات الأذن الصاغية رغم التأييد الكبير الذي ناله مقترح دمجها مع الجيش في مناسبات كثيرة .
في عام 2019 طلبت أربعة ألوية قتالية محسوبة على المرجعية الدينية في النجف وكربلاء الحاقها بالقائد العام للقوات المسلحة وفك ارتباطها إدارياً وعملياتياً من «هيئة الحشد الشعبي»، بعد خلافات مع قيادات الحشد الموالية لإيران .
واستجاب رئيس الوزراء الاسبق لهذا الطلب .
ثم اصدر في وقت لاحق من العام نفسه قراره بضم كافة تشكيلات الحشد الشعبي للقوات المسلحة وإغلاق مقراته ، الا ان رئيس هيئة الحشد وكثير من الفصائل رفضت تنفيذ القرار .
في عام 2021 قادت منظمة “العدالة للعراق” حملة المطالبة الوطنية بحل الحشد الشعبي ، جاء فيها “أن فصائل الحشد الشعبي أصبحت ليست فقط منتفية الحاجة إليها، بل إن بقاءها يمثل ضررا كبيرا بالمصالح الوطنية، مما يجعل المطالبة بحلها من أهم الواجبات الوطنية، ومن أهم شروط تهيئة الأرضية المناسبة والضرورية لإجراء التغيير الذي نتطلع إليه، على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، وعلى صعيد تحقيق كامل السيادة الوطنية، وتحقيق هيبة الدولة، وبذلك نعتبر حلها من أهم المطالب الوطنية التي تتخذ موقع الأولوية” . انتهى
ان وجود فصائل مسلحة موازية للجيش النظامي يتحدى احتكار الدولة لاستخدام القوة، مما يقوض سلطة القوات المسلحة العراقية وغيرها من المؤسسات الأمنية الشرعية المنشأة بموجب الدستور. وعلاوة على ذلك فإن انتماء قوات الحشد الشعبي إلى مختلف التكتلات السياسية والدينية يزيد من تعقيد وضعها ضمن الإطار الدستوري. . وفي حين تحتفظ بعض الفصائل داخل قوات الحشد الشعبي بعلاقات وثيقة مع الأحزاب السياسية والزعماء الدينيين، تعمل فصائل أخرى بشكل مستقل، مما يطمس الخطوط الفاصلة بين قوات الأمن المدعومة من الدولة والميليشيات الخاصة .
يؤدي الافتقار إلى الوضوح هذا الى تفاقم المخاوف بشأن المساءلة والقيادة والسيطرة نتيجة إساءة استخدام السلطة .
وقد صَعَّبَ ذلك من عمل القضاء وقوى الامن الداخلي في محاسبة الجريمة المنظمة واخل بقواعد المسائلة والعدالة .
ان إنهاء ملف الحشد الشعبي اصبح من الضرورات الأساسية لضمان وحدة واستقلال العراق . ويتطلب التصدي لهذه التحديات نهجا شاملا يؤكد على سيادة القانون واستقلال الدولة ، وضمان عمل جميع قوات الأمن ضمن إطار الدستور وخدمة مصالح جميع المواطنين العراقيين .
ادهم ابراهيم