انهيار المنظومة القيمية وتأثير الموجات الشعبوية في العالم العربي وأوروبا
#الشبكة_مباشر_ستكهولم_الكاتب فاروق الدباغ
في ظل التطورات السريعة والتحولات الجذرية التي تشهدها المجتمعات الحديثة، تواجه القيم الاخلاقية والمعايير الاجتماعية التي تحكم العلاقات الاجتماعية تحديات غير مسبوقة. تبرز هذه التغييرات بوضوح من خلال التفاعل الاجتماعي للأفراد في وسائل الإعلام بصفة عامة وفي وسائل التواصل الاجتماعي بصفة خاصة. كما يبرز هذا التفاعل من خلال المشاهدة الآنية والمباشرة لكل الأحداث التي يزخر بها الواقع السياسي والاجتماعي لدول عربية مثل العراق وسوريا. لا يخفى على أحد ما عانته هاتين الدولتين من تأثير تنظيم داعش. وما تزال هذه المعاناة مستمرة بسبب ما خلّفه هذا التنظيم الإرهابي من آثار سلبية ومُدَمّرة ألقت بظلالها على كلا الفرد والمجتمع. لقد أمتدت هذه التحولات السلبية لتشمل المجتمع العربي المغترب في أوروبا، خاصة بعد موجة الهجرة الكبيرة عام 2015.
تأثير وسائل الإعلام الاجتماعية:
تلعب وسائل الإعلام الاجتماعية دورًا متزايدًا في تشكيل وتوجيه الرأي العام. على سبيل المثال، أوردت منصة “الكومبس” خبرًا عن إحدى صالات السباحة العامة في السويد التي أعلنت افتتاح صالات تغيير الملابس المستخدمة من كلا الجنسين، مما أثار موجة من التعليقات السلبية والتهكمية. هذه الاستجابة تعكس انقسامات وصراعات مفتعلة، وتبرز كيف أصبحت وسائل الإعلام الاجتماعية ساحة خصبة لنشر الإشاعات وتضخيم الاختلافات بدلاً من تعزيز الحوار البنّاء. هذه الظاهرة تسهم في تشويه صورة الإعلام الاجتماعي، حيث يصبح الجدل والصراع هو السمة الغالبة بدلاً من الحوار البنّاء.
انهيار المنظومة القيمية:
يمكن لأي متخصص اجتماعي أو تربوي ينتمي إلى الثقافة العربية، أن يلاحظ بوضوح انهيارًا يحدث في المنظومة القيمية التقليدية التي كانت تحكم العلاقات الاجتماعية. بالتأكيد لم تقتصر هذه التغييرات على المجتمعات العربية فحسب، بل امتدت آثارها السلبية إلى السويد وأوربا أيضاً. ويمكن تلخيص هذه التغييرات فيما يأتي:
1. العنف الأسري: تزايد حالات العنف الأسري تجاه الوالدين والأطفال، بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي.
2. سفاح المحارم: ظهور حالات شنيعة من سفاح المحارم التي كانت تُعتبر في السابق من السلوكيات التي يحرمها الدين كما يرفضها المجتمع فضلا عن الفطرة الإنسانية.
3. ارتفاع نسب الطلاق: تزايد حالات الطلاق التي من نتائجها التفكك الأسري إن لم يتم التعامل مع هذه الظاهرة بأسلوب متحضر، أعني الطريقة التي يفصل بها الزوجين بين حقيقة كونهما زوج وزوجه وكونهما أب وأم فهو دور مختلف تماماً.
4. العهر على الإنترنت: انتشار سلوكيات غير أخلاقية عبر الإنترنت، بما في ذلك استغلال المرأة والطفل.
5. تضاد القيم: التضارب بين القيم التقليدية والموجات الشعبوية الجديدة التي تؤدي إلى نتائج سلبية على المجتمع.
تأثيرات العقل السائد والسرديات المختلفة
تعد السرديات المتناقضة التي تتبناها فئات المجتمع المختلفة سببًا رئيسيًا في تزايد التضاد القيمي. العقل السائد في المجتمعات اليوم يميل إلى تبني أفكار ومعتقدات تتماشى مع التيارات الشعبوية، مما يزيد من الفجوة بين الأجيال والفئات المختلفة داخل المجتمع الواحد. هذه الفجوة تُترجم إلى صراعات ونزاعات تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الاجتماعي.
المهاجرون والتحديات الجديدة
يمكن تقسيم فئة المهاجرين إلى ثلاثة أنواع أساسية:
1. كالسمك: يعملون بصمت تحت الماء ويضعون ملايين البيوض دون أن يُسمع لهم صوت، وهم غالبًا ما يكونون الفئة الأكثر إنتاجية والأقل تفاعلًا مع الجدل الاجتماعي.
2. كالدجاجة: يملأون الدنيا ضجيجًا وصياحًا ليضعوا بيضة واحدة ، وتكون إسهاماتهم الحقيقية محدودة، ويبحثون عن الاعتراف والتقدير دون تقديم الكثير.
3. كالديك: بلا إنتاج أو عمل، لكنهم يثيرون الضجيج باستمرار، ولا يقدمون حلول واقعية لمشكلاتهم أو قيمة حقيقية للمجتمع.
4. العامة كالعصافير: يعيشون على نقل الإشاعات من مكان إلى آخر، وغالبًا ما يكون تفاعلهم سلبياً ويزيد من تفاقم المشكلات الاجتماعية.
5. كالأفاعي: يتواجدون بأسماء وشخصيات وهمية في منصات التواصل الاجتماعي، يبثون الفرقة ويتبنون الخلافات باسم الدين والقومية والمذهب والتحريض العنصري ضد المجتمع الأوروبي المضيف.
في الختام، يمكنني تلخيص ما تواجه المجتمعات من تحديات كبيرة بأنها ناتجة عن التحولات القيمية والموجات الشعبوية التي تؤدي إلى تضاد القيم بل وتغييرها.
أما الاقتراح الذي أجده مناسباً في هذا المضمار فهو ضرورة تبني استراتيجيات تعزز الحوار البنّاء، وتعيد ترميم المنظومة القيمية التي تحافظ على تماسك المجتمعات واستقرارها. كما يُفترض بوسائل الإعلام الاجتماعية أن تصبح وسيلة للتواصل الإيجابي بدلاً عن كونها الان ساحة للصراع والجدل الساذج. وأخيراً لابد من الأخذ بجانب النزاهة العاطفية للفرد وسلوكه الواعي في التعامل مع كل التحديات الاخلاقية، السياسية والاجتماعية التي تواجه العائلة العربية في تفاعلها مع الفرد والمجتمع.