اصطدمت آمال شركات الطيران في انتعاش قطاع السفر بعد مرحلة انهيار حركة الطيران الأولى، بعودة ظهور كوفيد- 19 في جميع أنحاء العالم في الفصل الأخير من العام الحالي، ولا يزال الركاب الذين يفكرون في السفر قلقين في شأن البقاء في مقصورة الطائرة لفترة طويلة مع احتمال وجود ركاب يحتمل أن يكونوا من المصابين وبالتالي ناقلين للفيروس، خصوصاً أن كل المؤشرات تدل على أنه لا يمكن إهمال المخاطر.
عدد المسافرين الذين أصيبوا على الطائرة
ويقول خبراء إن خطر الإصابة بفيروس كورونا على متن الطائرة منخفض نسبياً إذا كانت شركة الطيران تتبع الإجراءات التي وضعها خبراء الصحة العامة وهي ارتداء القناع الواقي، تباعد المقاعد المتاحة وفحص حرارة جميع الركاب، وعلى الرغم من أن الاتحاد الدولي للنقل الجوي قدّر الاصابات على متن الطائرة بالضئيلة جداً، إلا أنه يصعب التكهن بتقدير عدد الاصابات على كل رحلة، فيما يحذر باحثون مستقلون من أن أي إحصاء للحالات المعروفة من المرجح أن يعكس صعوبة إثبات انتشار الفيروس على متن الطائرة.
عدم امكانية الاستناد إلى المعلومات المتوفرة
ومن أجل معرفة إصابة أحد الركاب، يجب إجراء مقابلات واختبار ما يصل إلى المئات من الذين كانوا على تقارب جسدي معه، ثم تحليل جينومات أي فيروسات إضافية تظهر للتحقق من وجود اتصالات مع إصابة الراكب الأول. في الولايات المتحدة وحدها، يرى مسؤولو الصحة أن 1600 رحلة جوية في الأشهر الثمانية الأولى من العام تحمل شخصاً واحداً على الأقل ربما يكون مصاباً بالفيروس، وهم يحسبون 10900 شخص من المحتمل أن يكونوا في نطاق ستة أقدام من هؤلاء الأشخاص، لكن ليس لديهم معلومات كافية للتواصل معهم والتأكد من ذلك.
ما الذي يمكن أن يجعل الطيران محفوفاً بالمخاطر؟
كما هي الحال مع كل وسائل النقل العام الأخرى، تأتي المخاطر من القرب من الآخرين ومن الأسطح التي يلمسها الكثير من الناس. وينشر المصابون بفيروس كورونا قطرات تحتوي على فيروسات من أنوفهم وأفواههم يمكن نقلها مباشرة إلى شخص قريب أو التقاطها من سطح ملوث ونقلها إلى الفم أو الأنف أو العين. ووجدت الدراسات التي أجريت على فيروسات أخرى تنتشر بالطريقة نفسها أن الخطر الأكبر في قطاع الطيران يأتي من الجلوس بالقرب من شخص مُعدٍ لمدة تزيد على ثماني ساعات أو أقل، كما إن المطار يشكل أيضاً خطراً حيث ينتظر المسافرون في طوابير، ويسجلون الوصول للرحلات، ويزورون بائعي الطعام ويستخدمون الحمامات.
المخاطر على متن الطائرة
كما يمكن أيضاً أن ينتقل الفيروس عبر جزيئات أصغر تخرج من أنف المصاب أو فمه تُعرف باسم الهباء الجوي، ويمكن أن تطفو في الهواء وتستنشق. وتقول الشركات المصنعة للطائرات إن تهوئة الطائرات الحديثة يجب أن تخفف من مخاطر هذا النوع من الانتشار. أما بالنسبة للهواء على متن الطائرة فيكون مزيجاً بنسبة 50-50 من الهواء الخارجي المعقم وهواء المقصورة المعاد تدويره والذي تمت تصفيته. وتقول شركتا “إيرباص” و”بوينغ”، أكبر شركتين لصناعة الطائرات في العالم، إنهما منذ الثمانينات تقومان بتجهيز طائراتهما بمنقيات الهواء HEPA، التي تلتقط جزيئات صغيرة مثل الفيروس، كما طورت هذه الشركات التقنيات لتشمل وسائل التعقيم عبر الأشعة ما فوق البنفسجية. ومع ذلك، فإن بعض الطائرات القديمة يستخدم وسائل أقل كفاءة. وينتقل تدفق هواء المقصورة من السقف إلى الأرض بدلاً من الأمام إلى الخلف وينقسم إلى أقسام، مما يحد من حركة الجسيمات على طول الطائرة. ومع ذلك، فإن تدفق الهواء هذا يمكن أن يتأثر بعوامل مثل تصميم المقعد والمقصورة ومدى ملاءة الطائرة، كما إن أنظمة التهوئة هذه قد لا تعمل بكامل طاقتها عندما تكون الطائرات متوقفة عند البوابة، وفي حين تقول بعض شركات الطيران إنها تحافظ الآن على تشغيل الأنظمة حتى يخرج الجميع من الطائرة.
كيف يمكن التخفيف من المخاطر؟
تطلب شركات الطيران الآن من المسافرين ارتداء أقنعة الوجه طوال رحلاتهم، ما قد يقلل من المخاطر. وتلاحظ مجموعة من شركات الطيران أن معظم الحالات في قطاع النقل الجوي قد حدثت قبل اتخاذ هذا الإجراء. ومع ذلك، كثير من الحالات، لا يتم تطبيق القاعدة بصرامة، وقد أصيب مرتدو القناع أيضاً بالعدوى. وتقوم شركات الطيران أيضاً بتنظيف الطائرات بشكل متكرر وشامل، وتستخدم تسجيل الوصول عبر الإنترنت وإسقاط الحقائب آلياً، كما لم يعد البعض يقدم الطعام والمشروبات، ويطلب من الركاب عدم التجمع في طابور للوصول إلى المرحاض. ووعدت شركات الطيران بترك مقعد شاغر بين المسافرين إلا أن هذا الموضوع لا يزال موضع جدل لعدم قدرة الشركات على تحمل أعبائه الاقتصادية وخصوصاً مع زيادة مصاريفها بالنسبة الى التنظيف والتعقيم، كما إن فحص كورونا PCR لا يلقى استحساناً عند الناس حتى الآن، الذين يفضلون عدم السفر على اجرائه، هذا فضلاً عن كلفته العالية في بعض البلدان وبالتالي العبء المالي الجديد على شركات الطيران التي يقوم معظمها بتقديمه مجاناً لتشجيع الناس على السفر.
بين الأعباء الاقتصادية والهواجس الصحية
ومن أجل كل ما ذكر سابقاً، يقع قطاع الطيران بين سندان قيود الحكومات على السفر ومطرقة شركات الطيران والهاجس الاقتصادي بعدم القدرة على الاستمرار في ظل الوضع القائم. فالحكومات ترى أن شبكات النقل العام ولاسيما المطارات وشركات الطيران منها هي حاضنة لانتقال الفيروس وانتشاره، في حين ترى شركات الطيران أنه من الضروري إيجاد حلول للتأقلم مع الوباء الذي طالت مدته وبالتالي المحافظة على ديمومتها كونها ترزح تحت خسائر مالية يومية لن ينفع معها أي دعم اذا استمر الوضع على حاله للفترة المقبلة، ومع غياب أي حلول جذرية حتى الساعة لفك أسر قطاع النقل الجوي من قبضة كورونا يبقى العالم بانتظار ايجاد اللقاح المناسب عله يخفف من وطأة الوباء على العالم واقتصاده.