تبقى الحياة دوارة بكل أحداثها وشجونها وأفراحها ومآسيها ، فلولا دورة الأرض حول الشمس وحول نفسها لما استدامت الكائنات الحية ، ولولا تلك الدورة لما حدث الليل والنهار والفصول الأربعة ، وعلى هذا الأساس من الدورات بنى الإنسان حضارته وتأقلم مع ارضه ومافيها من تضاريس ومياه واراضي وكنوز تحت الارض .
الانسان ذلك الكائن الحي الذي يتميز بجهاز دماغي وعقلي لايعي بشكل كامل انه يبدأ من شيء ثم تنتهي دورته الحياتية الى لاشيء،، سواءا كان ضمن دورته الحياتية عملاقا ام قزما ام فقيرا ام غنيا ام مثقفا ام جاهلا ،، وكذلك الاجهزة والمعدات مهما تعددت موصفاتها وتقنياتها واستخداماتها فانها تسلك نفس السلوك الطبيعي ، وهكذا مع الثروة الحيوانية والنباتية ، الكل يعزف بنفس النغمة .
اما في دورة الأموال فهناك حلقتين ليس الا .. حلقة ان تحصل على الأموال لغرض إنفاقها في مجالات متعددة ، او ان تحصل عليها لغرض خزنها وتوفيرها وتجميعها لاغراض متعددة ايضا،،وتتميز تلك الاموال بخاصية فريدة في انها يتم التعامل بها بين البشر فقط ، فقد اوجدها الانسان منذ قديم الزمان لكي تسهل له اقتناء حاجاته الحياتية باعتبارها نقود ذات قيمة اقتصادية ، وهذه القيمة تختلف من اقتصاد الى أخر،، حتى اصبحت قيمة الأموال تعتبر دالة ومؤشر على مدى صحة البشر الذين يمتلكونها ومدى صدارتهم وثقلهم في المجتمع ، كما هو الحال بالنسبة للدول ،،فهناك دول فقيرة وضعيفة واخرى قوية وغنية ،،وهناك دول تغزو دولا اخرى نظرا لما تمتلكه من ثروات معدنية ونقدية ودولارية ،، كما حصل لدينا قبل اكثر من عقدين من الزمان حينما قدمت لنا احدى الدول وجبة مقبلات شهية اسمها الديمقراطية ،، ولم نكن نعلم ان هذه الوجبة تخفي ورائها مزيدا من التخلف والدمار ،وقد تم تقديم تلك الوجبة فقط لكوننا دولة تمتلك ثروات نفطية ومعدنية تعكس ثروات مالية هائلة وطائلة ،،، محروم منها الشعب !!!!
للأسف فأن هذه الديمقراطية افقدتنا السبيل لمعرفة الدورة المالية ، من اين تبدأ وكيف تنتهي ، فالشعب الحزين يسمع دائما عن بداية الدورة المالية من خلال ماتتحشد فيه الجهود وتتظافر في مناقشة موازنته المالية ،،وتتشكل اللجان البرلمانية والحكومية ، وتعلو وتصدح الفضائيات بما لذ وطاب من تصريحات المنظرين في الشؤون المالية ، وذاك الطرف يرفض القبول بمسودة الموازنة المالية لأنها لاتلبي طموح وجيوب أفراد الحاشية للحزب او الكتلة ، وتلك الجهة لاتقبل ان يكون رصيدها من أموال الفساد اقل من غيرها ،،وهكذا يتم توظيف التصريحات لخدمة مصالح يكون الشعب بعيدا عنها.
تأتي اهمية الدورة المالية في كونها تعمل على تحديد التخصيصات لكل فقرة في الموازنة ، ومن ثم تسهل متابعة العمليات المحاسبية لكل خطوة يتحتم الانفاق عليها ،، ومن الطبيعي فأن كل خطوة يجب احتسابها بدقة لانها تمثل قيمة الأموال ،، وبها فأن انفاق الأموال لابد وان تترتب عليه مردودات سواءا كرواتب او استثمار في مشروعات تخدم مصالح الشعب ، لا ان يتم الأنفاق على مشروعات وهمية وتنتهي الدورة المالية السنوية والشعب جالس في لعبة ( دولاب الهوى ) ينتعش صعودا ونزولا كما ينتعش بالتصريحات الفكاهية التي يسمعها عند اقرار الموازنات ،، والمسؤولين المتسلطين هم الذين يتحكمون بسرعة دولاب الهوى ويصرون على استمرار دورانه حيث لايقبض الشعب في دورانه سوى التصريحات الهوائية،، لاغذاء ولادواء ولاتعليم راقي ولامشروعات للبنى التحتية ،،،موازنات ملياريه واستيرادات ترليونية ، مقابل تصديرات نفطية يندى لها الجبين ،، وفوق هذا وذلك عجز وديون دولارية داخلية وخارجية . اللهم اجعل الدورة المالية العراقية تبدأ من الشعب وتنتهي اليه بمنافع ومكاسب يرتقي بها البلد وينهض من سبات طويل دفع ثمنه الكثير من الأحزان والأوجاع والأوهام والمأسي والكوارث .