النخب الوطنية يعد من ركائز دعم القيم والمفاهيم التي ترتقي بها الأجيال وترفع من مستوى اوطانها بحيث تتباهى بها بقية الاوطان . ان هذه النخب تمتلك رأس المال المعرفي والعلمي والثقافي وتحرص على تثبيت العادات والتقاليد والطقوس الوطنية وتلقينها للأجيال اللاحقة بحيث تتداولها تلك الاجيال وتعمل على ترسيخها للأجيال اللاحقة بحث تتداولها تلك الأجيال وتعمل على ترسيخها وتحرص على عدم الانحراف عنها لأي جهة كانت سواءا داخل بلدانها ام في الخارج .
الثقافة الوطنية لاعلاقة لها بالعمر والمنصب والمكانة ،بل ترتبط بشخصية الفرد وسلوكياته وتصرفاته وكيفية تعامله مع الأخرين ، بحيث يكون الهدف الأساسي واحد وهو صلابة ماتحتويه شخصية الفرد وحرصه الأول والأخير على ان يكون وطنه هو الأول في مكانة الأخرين.
الثقافة الوطنية لاتعني المنهج السياسي الذي يتبعه البلد ، فقد تجد دولا قائمة على الرأسمالية واخرى تتبع الأشتراكية وغيرها تتبع العلمانية أو الدينية أو غيرها كثير ، المهم ان فئات البشر الذين يعتبرون مواطني تلك الدول يعلنون ولائهم لدولهم وليس لمصالحهم وجيوبهم واستثماراتهم على حساب المغلوبين على أمرهم والمسلوبة حقوقهم.
وهناك تجارب عديدة لدول متعددة تجد فيها الولاء الكامل للثقافة الوطنية التي تسود فيها،فقد يكون قسم من تلك الدول يتبنى فلسفة الطغيان ونهب حقوق الأخرين والسيطرة عليهم ، وقد يكون غيرهم من الدول من يختار الاستقلالية والحياد عن التدخل في شؤون الأخرين ، ولكن يبقى الحد الفاصل بين جميعهم هم ان يتبنى الشعب ثقافة وطنية واحدة تحمي حدود ومصالح تلك الدولة وتعمل على تعزيزها ، وليس ان يكون وطنا في شكله ومظهره وشعاراته الطنانة والرنانة التي يدعي بها مسؤوليه هي الوطنية في الوقت الذي يعيش شعبه على هامش بسيط لايمتلك من بلده سوى الجهل والفقر والمرض ،،اي ان القيم الوطنية هي التي يتغنى بها المتسلطون في الحكم واحزابهم وتكتلاتهم خاصة ضمن البرامج الانتخابية، في حين ان سلوكياتهم لاتخرج من كونها تخدم ثقافتهم المالية ومصالحهم المادية.
الثقافة المالية تسلطت على عقول اجيالنا منذ عشرين عاما عندما وضعوا الثقافة الوطنية جانبا ،مما كانت له كوارث كبيرة في ازدياد كل الأنحرافات الأجتماعية مثل القتل والسرقة والتزوير من اجل سرعة الحصول على الدولار الذين باتوا يفكرون به اكثر من صحتهم العقلية، وهذا بطبيعته ليس بجديد ،فقد نشرت مجلة نيوزويك قبل سنوات قليلة موضوعا عن ان العيش الفقير لايغير من نظرة الفقير للعالم فحسب ، بل يغير من عقله ويدفعه الى العنف والضوضاء والفوضى اضافة الى ممارسته للتلوث وسوء التغذية.
ليس من الغريب ان نجد ان الثقافة المالية لأجيالنا الصغيرة باتت تتابع اخبار الدولار وتصريفاته وتحويلاته اكثر من متابعتها لاسعار الدينار، خاصة وانها تتابع مسلسل ابطال صفقة القرن وملايين الدولارات التي يمتلكها المتنفذون والمتسلطون على الأموال العامة ، اكثر من متابعتها لأحدث الكتب الصادرة في المجالات الثقافية ، فلدى جيلنا ان صفقة القرن المليارية اهم من متابعة الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء. مايهمها في الثقافة المالية هو الدولار كوسيلة لأقتناء ارقى السيارات الفارهة واحدث اجهزة التواصل الأجتماعي ، ولايهمها ان تعلم بانه وسيلة للهيمنة الأميركية على اقتصاد الأخرين ،ولاتعلم بأن انعقاد قمة بريكس الأخيرة هو للتخلص من الاعتماد على الدولار ، في حين ان فئات التسلط لدينا لاتمتلك من الثقافة الوطنية سوى كيفية اكتناز الدولار لبقائها في السلطة.