الاخبارالاقتصاددولي

لماذا تزايدت حالات الطوارئ الاقتصادية في المنطقة العربية؟ 

تقرير مركز المستقبل الاماراتي للابحاث والدراسات المتقدمة

متابعة – عبد المنعم السيسي :

أشار تقرير مركز المستقبل الاماراتي للابحاث والدراسات المتقدمة الى تصاعد النقاش خلال الفترة الماضية بشأن دعوات تطبيق قانون أو تشكيل لجنة أو إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية في بعض الدول العربية، مع اختلاف السياقات الداخلية، لعدد من الدوافع التي تتمثل في تسريع وتيرة الإصلاحات الداخلية الكبرى ومعدلات التنمية الاقتصادية، ومنع عجز الموازنة العامة، ورفع قيمة العملات الوطنية في مقابل العملات الأجنبية، وتحسين الظروف المعيشية السيئة، وتعزيز إجراءات الحماية الاقتصادية والطوارئ الطبية في مواجهة الأزمات الصحية المفاجئة مثل انتشار فيروس كوفيد-19.  

واضاف التقرير الذي تلقت شبكة مباشر نسخة منه أن العوامل المفسرة لتطبيق قانون أو إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية، تعددت خلال الفترة الماضية، مثلما هو الحال في السودان وتونس ولبنان، وذلك على النحو التالي: 

التنمية الاقتصادية 

1- تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية الكبرى: دعا سمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال) في 18 أغسطس الماضي، الحكومة التونسية لتفعيل حالة الطوارئ الاقتصادية، لاسيما بعد تزايد الانكماش الاقتصادي في مختلف القطاعات داخل تونس خلال الربع الثاني من العام الجاري، باستثناء قطاع الفلاحة، لاسيما في ظل التأثر بجائحة كورونا. وقد تمثل الانكماش في عدة مؤشرات منها تراجع معدل النمو الاقتصادي بنسبة 21.6 في المائة وتزايد عدد العاطلين عن العمل بنحو 100 ألف لتصل نسبة البطالة إلى 18 في المائة من مجموع السكان في سن العمل بعد أن استقرت لسنوات في حدود 15 في المائة. 

لذا، طالب ماجول بـ”العمل على توفير شروط انطلاقة جديدة لإنعاش الاقتصاد من خلال الإسراع بالإصلاحات الاقتصادية الكبرى واتخاذ كل الإجراءات الضرورية الكفيلة بدفع التنمية في الجهات ومساندة كل القطاعات الاقتصادية وخاصة الهشة منها”، علاوة على “مواصلة إقرار مواثيق للمنظومات القطاعية الحيوية وإصلاح قانون الصرف والتصدي للاقتصاد الموازي وإدماج ما يمكن إدماجه في القطاع الرسمي”. غير أن استعادة النمو الاقتصادي في تونس مرهون بتحسن مناخ الأعمال واستقرار الوضع الصحي سواء في البلاد أو دول الاتحاد الأوروبي الشريكة الرئيسية للاقتصاد التونسي. 

سد العجز 

2- منع عجز الموازنة العامة: وينطبق ذلك الوضع على حالة لبنان خلال رئاسة سعد الحريري للحكومة، حيث صرح، عقب انتهاء الاجتماع الاقتصادي الذى عُقد برئاسة الرئيس ميشال عون وبحضور كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورؤساء الكتل النيابية والأحزاب في 2 سبتمبر 2019، أن لبنان ستعلن حالة طوارئ اقتصادية وأن الحكومة بدأت العمل على خطة لتسريع إصلاحات تتعلق بالمالية العامة، مضيفاً أن “الإجراءات المقترحة تشمل عدم الخروج على ميزانية العام الحالي التي تتضمن خطوات صعبة سياسياً مثل تجميد التعيينات الحكومية والاستغناء عن وحدات تثقل كاهل الخزانة العامة وطرح شركات مملوكة للدولة للاكتتاب العام”. 

وذكر الحريري أن “الحكومة تستهدف منع عجز الميزانية من تجاوز الخمسة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية خطة مالية مدتها ثلاث سنوات تنتهي في 2022”. ولم يستمر الحريري في منصبه حتى يحقق ما صرح به، بل استمرت المشكلات الهيكلية التي عانى منها الاقتصاد اللبناني، خلال حكومة حسان دياب، والتي تتمثل في انخفاض نمو الناتج المحلى الإجمالي نتيجة تباطؤ القطاعات الرئيسية بها كالسياحة والعقارات والبناء والتشييد، بجانب تحمل خسائر كبيرة نتيجة الصراع في سوريا بسبب استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري، هذا بالإضافة إلى استمرار مشكلة تهريب أنواع كثيرة من السلع عبر المعابر غير الشرعية. 

فضلاً عن ذلك ظهرت مؤشرات دالة على تفاقم الأزمة الاقتصادية اللبنانية ومنها ارتفاع حجم الدين العام، وزيادة معدل التضخم. وفي هذا السياق، تم إقرار الموازنة العامة للدولة بشكل متأخر عن موعدها بشهور. إلى جانب تأثير العقوبات الأمريكية على حزب الله، والتي مثلت مصدر قلق للمستثمرين من التعامل مع البنوك اللبنانية، خشية من احتمال ضمها إلى إطار العقوبات بحجة تعاملها مع أشخاص على علاقة بالحزب. ويبقى أحد التساؤلات الرئيسية متعلقاً بمدى لجوء رئيس الوزراء المُكلَّف مصطفى أديب إلى إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية في حال تمكنه من تشكيل الحكومة بعد انتهاء المهلة الزمنية الممنوحة له.   

السوق الموازية 

3- رفع قيمة العملات الوطنية في مقابل العملات الأجنبية: وهو ما تشير إليه حالة السودان، حيث قررت السلطات تطبيق حالة الطوارئ الاقتصادية بعد الارتفاع غير المسبوق لسعر الدولار في السوق الموازية إلى حوالي 250 جنيهاً، في حين ظل سعر الصرف الرسمي في البنك المركزي ثابتاً عند 55 جنيهاً. لذا، قالت وزيرة المالية هبة أحمد علي، في 10 سبتمبر الجاري، أن “ما حدث من ارتفاع جنوني في سعر الدولار مقابل العملة الوطنية عملية تخريب ممنهجة للاقتصاد في البلاد، ومحاولة لخنق الحكومة”، وأضافت أن “الحكومة لن تتوانى في ردع المتلاعبين”. 

وذكرت الوزيرة أن “الإجراءات الطارئة تشمل قوانين رادعة وتشكيل نيابات لمحاكمة المتلاعبين بالاقتصاد”، لاسيما في ظل دخول كميات كبيرة من النقد المحلي لشراء العملات الأجنبية، فضلاً عن وجود مجموعة من التجار يقومون بتحديد سعر احتكاري منخفض للشراء، وسعر احتكاري مرتفع للبيع، ويساعدهم في ذلك التجار الصغار والوسطاء، إلى جانب المضاربات في الذهب، على نحو يشكل جماعة مصلحة تابعة لعناصر وشركات موالية للنظام السابق لا يمكن الاستهانة بتأثيرها الداخلي. إذ تعمل على تحقيق هدفين رئيسيين هما السعى لإضعاف الاقتصاد الوطني، وتهريب مدخراتهم وعوائد تسييل أصولهم والتي تلاحقها لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد التي شكلت بعد إسقاط نظام عمر البشير.  

وقد جاء ذلك في أعقاب إعلان السلطة الانتقالية، في أغسطس الماضي، أنها أجازت موازنة معدلة للعام المالي (2020) شملت سياسات لتعديل تدريجي لسعر الصرف والدولار الجمركي، تستمر لمدة عامين للوصول إلى السعر الحقيقي للعملة الوطنية، وهو إجراء أقرب لتعويم الجنيه، ويشجع السوق السوداء على المضاربة في العملات. وفي سياق معزز للطوارئ الاقتصادية، تم تكوين قوات مشتركة من كل من الوحدات النظامية (الجيش والدعم السريع والشرطة وجهاز المخابرات العامة) لحماية الاقتصاد الوطني، وفقا لماً صرح به الناطق الرسمي للشرطة اللواء عمر عبدالماجد. 

في سياق آخر، سبق أن دعا نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني إلى إعلان حالة الطوارئ المالية بعد التراجع القياسي في قيمة الليرة وتدهور القوة الشرائية للمواطن وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتأزم الأوضاع الاقتصادية بشكل حاد لم تصل إليه البلاد منذ الحرب الأهلية اللبنانية. وفاقم من تلك الأوضاع تدابير الإغلاق العام للحد من انتشار كوفيد-19.  

نوعية الحياة 

4- تحسين الظروف المعيشية السيئة: على نحو تعبر عنه أيضاً حالة السودان، إذ أسفر الاجتماع الطارئ المشترك لمجلسى السيادة والوزراء لمناقشة التدهور الاقتصادي في البلاد، في 5 مارس 2020، عن تشكيل لجنة طوارئ، لإدارة الأزمة الاقتصادية تتولى تنفيذ حزمة إجراءات عاجلة لتوفير السلع الاستراتيجية من قمح ووقود ودواء، ومراجعة سياسات الصادرات والواردات، والدعم العاجل للموسم الزراعي. غير أن لجنة الطوارئ هذه لم تقم بدور يذكر، حتى تمت إعادة تشكيلها، في 15 إبريل الماضي، في اجتماع مشترك ضم مجلس السيادة ومجلس الوزراء وقوى إعلان الحرية والتغيير، لتصبح اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية بالسودان برئاسة محمد حمدان حميدتي. 

وفي هذا السياق، أعلنت اللجنة أن من أهم مهامها العمل على تحسين الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطن من خلال توفير السلع الضرورية وإنقاذ الموسم الزراعي، والعمل على وقف تدهور الاقتصاد الوطني عبر مراجعة سياسات حصيلة صادرات الذهب والثروة الحيوانية، وإصلاح النظام المصرفي وقطاع الاتصالات، وفرض ولاية وزارة المالية على المال العام وشركات القطاع العام والموانئ، ومحاربة التهريب. غير أن هذه اللجنة لم تنجح في أى من المهام السابق ذكرها. 

تأثير كوفيد-19 

5- تعزيز إجراءات الحماية في مواجهة الأمراض المفاجئة: أعلنت وزارة الداخلية في الجزائر، في 9 يوليو الماضي، فرض حالة الطوارئ على كل بلدات مدينة ورقلة الغنية بالنفط الواقعة جنوبي البلاد، لمدة 15 يوماً، بدء من يوم 11 يوليو، في إطار الجهود الرامية للحد من تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، وذلك من الساعة الخامسة عصراً حتى الخامسة من صباح اليوم التالي، وينجم عن ذلك توقف كل الأنشطة التجارية والاقتصادية والاجتماعية وحركة نقل المسافرين والسيارات. كما تصاعدت الدعوات في موريتانيا لتطبيق خطة الطوارئ الاقتصادية لمنع تفشي كورونا. 

أبعاد مختلفة 

خلاصة القول، إن هناك أبعاداً مختلفة لقرار الحكومات العربية تطبيق حالات الطوارئ الاقتصادية ومنها تعزيز معدلات التنمية الاقتصادية وبدء المشروعات الكبرى في تونس، ودعم قيمة العملة الوطنية في السودان ومنع محاولات تهريب الذهب، بما يعكس التصدي لمحاولات إفشال الحكومة الانتقالية السودانية من بوابة الاقتصاد، لاسيما في ظل ضعف القوة الشرائية في الأسواق، وتمكين عناصر النظام السابق من الحفاظ على مصالحها، وإرباك الرأي العام. علاوة على سد العجز في الموازنة العامة اللبنانية بعد وصول البلاد إلى حافة “الإفلاس”. فضلاً عن تطبيق الطوارئ الطبية لمنع المزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية وخاصة في المناطق الغنية بالنفط في الجزائر.  

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى