العرب في أوربا …د فوزي الكناني
العرب في أوروبا
العرب المقيمون في القارة الأوروبية هم كتلة غير متجانسة، لا من حيث جذورهم الجغرافية، ولا من حيث التركيبة العمرية والمدة التي قضوها في مجتمعاتهم الجديدة، ولا من حيث تحصيلهم الدراسي والعلمي أو تكوينهم المهني.
تعود هجرة العرب نحو أوروبا في العصر الحديث إلى نهاية القرن التاسع عشر، واقتصرت على المئات من دول المغرب العربي نحو فرنسا، وبأعداد اقل من المشرق العربي، وهجرة بعض أبناء اليمن والعراق وفلسطين نحو بريطانيا، وكذلك بعض الليبيين نحو إيطاليا. لكن هذا الوضع تغير تماماً مع وبعد الحرب العالمية الثانية، حيث تم تجنيد عدد من العرب ضمن قوات الحلفاء في مواجهة القوات الألمانية النازية والفاشية الإيطالية.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تدفق إلى دول لأوربية مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولاندا، مئات الآلاف من الأيدي العاملة العربية، معظمهم من دول شمال افريقيا، حيث كانت هذه الدول الخارجة من حرب مدمرة تبحث عن ايادي عاملة رخيصة، لإعادة إعمار وبناء ما هدمته الحرب. ثم التحقت بهم عائلاتهم في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.
وعلى الرغم من أن الجاليات العربية كانت -بمعظمها- متماسكة في الفترات الأولى لوجودها في أوروبا ومرتبطة ببلدانها، وبالأحداث التي تعصف بالمنطقة العربية، وتقوم بتوحيد جهودها التضامنية مع القضايا العربية الكبرى وأهمها القضية الفلسطينية، إلا أن هذا الحال لم يدم طويلا.
في بداية العقد الأخير من القرن العشرين، ومع اشتداد الخلافات العربية-العربية، واتساع رقعة الخلافات بين العديد من الدول العربية، تغير حال الجاليات العربية المقيمة في أوروبا، حيث انعكست عليهم هذه الخلافات، واتضح أنهم -بشكل عام – لم يهتموا بتنظيم وجودهم في البلدان المضيفة، ولم يقوموا ببناء مؤسسات ولا أطر لنشاطهم، ولا هيئات ترعى شؤونهم، وأنهم -بمعظمهم- لم يندمجوا في مجتمعاتهم الجديدة، ولم يتمكنوا أيضاً من دمج نشاطهم وحراكهم المجتمعي والثقافي حراك المجتمع الآخر. ولم تهتم الجاليات العربية بالنشاط السياسي والحزبي من خلال الانخراط في عضوية الأحزاب الأوروبية، بالرغم من أن العديد منهم كان قد تمكن من الحصول على جنسية بلد الإقامة. لكن هذا الحال قد بدأ في التغير الإيجابي خلال الفترات الأخيرة نتيجة قدوم اللاجئين السوريين والفلسطينيين السوريين.
لقد ألقت الخلافات العربية-العربية بثقلها على العرب في أوروبا الذين تفاعلوا مع الأحداث الجارية في بلدانهم الأصلية، مما أثار الشقاق بينهم، ووصل الأمر إلى حد الخلافات بين أبناء القطر الواحد على خلفيات إثنية ومذهبية وقبلية، مما أعاق توحيد جهود هذه الجاليات العربية في الدفاع عن مصالحها ومستقبلها في مكان إقامتها، وبالتالي أجهض كل محاولات اندماجها ومشاركتها الإيجابية.
قد وصل الخلاف إلى مستوى تدخل ومشاركة أعضاء بعض البعثات الدبلوماسية لبعض الدول العربية في أوروبا، الذين كان لهم دوراً سلبياً في إثارة بعض النعرات المذهبية والعرقية، ومحاولتها السيطرة على نشاط الجالية، واستقطاب القائمين على بعض المؤسسات إضافة إلى النشطاء، لصالح الأنظمة العربية التي تمثلها هذه البعثات.
وتم تغليب الخلافات القطرية على حساب القضايا التي تجمع العرب وما أكثرها. وجرى العزف على وتر الانتماءات الدينية والعرقية لشق صفوف الجاليات العربية في أوروبا. فانقسم القادمون من بعض الدول العربية بين عربي وكردي، وعربي وأمازيغي، بين سني وشيعي، بين موالاة ومعارضة، بين ملتزم وعلماني، بين مندمج ومتحفظ، بين من يشجع الانخراط في الحياة السياسية للبلد المضيف ومن يرفضها بالمطلق، بين من يريد أن يدفن في البلد المضيف ومن يتعجل العودة إلى وطنه الأم لكن الأبناء لا يقبلون.
كل هذه الثنائيات المتناقضة في مشهد حياة العرب بأوروبا جعلتهم معظمهم- تائهين مشتتين غير منظمين، لا يمتلكون اية رؤية استراتيجية ويفتقدون التنظيم، مما أضعف من مشاركتهم في الحياة المجتمعية، وجعل منهم ورقة ضعيفة في مهب ريح صناع السياسة الأوروبية. وربما يتغير الحال مع الجيل الثالث والرابع من المهاجرين العرب، ومع دخول عدد من الكفاءات العلمية يحملها شبان وصلوا أوروبا ضمن موجات الهجرة الحديثة.