ان الله سبحانه وتعالى منذ ان خلق الانسان وفر رزقه رغم صعوبة الحياة في بدايتها،وعندما ازداد عدد السكان ارسل الله الانبياء والرسل لتعليم الناس تنظيم حياتهم بما يضمن العيش بسلام وأمان،وتشير المعلومات ان عدد الرسل والأنبياء وصل الى 124 الف نبي ورسول،ان ما نعرفه من الشرائع السماوية الزبور والتوراة والانجيل، والقرآن،ويعد القرآن اكثر شمولا فيما يتضمنه من قوانين وانظمة لتنظيم جميع جوانب الحياة،والتي تتضن العناصر الاساسية لتنظيم الحياة وهي الايمان والعمل والإصلاح،اذ تنص الايات القرآنية على ذلك وكما في قوله تعالى:
1-الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ.الرعد-29 .
2-إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا.مريم- 96.
3-وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.النساء-124.
4-وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ. المائدة-9.
يتضح مما سبق ان الايمان عنصر من عناصر الدين لتنظيم العلاقة بين العبد وربه، ويرتبط بممارسة مهام الحياة من خلال الربط بين الايمان والعمل،ليس العبادة هي ارتياد المساجد فقط،بل على الانسان القيام بعمل يخدم الناس ونفسه،كما ان العمل في نشاط معين لايكفي وحده،انما يحتاج المساهمة في بناء الفرد والمجتمع من خلال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمساهمة في اصلاح حال المجتمع،كما في قوله تعالى:
1-لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.النساء-114.
2-وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ.هود-117
واكد الاسلام على ان يتصف الانسان بالصدق والامانة والاخلاص،كما في قوله تعالى:
في الصدق:
1- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمً.ا الأحزاب-23-24.
2- وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين. العنكبوت- 3.
في الامانة:
1-وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.ال عمران-75.
2- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا.النساء- 58.
في الاخلاص:
1-كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ.يوسف-24.
2-إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا.مريم-51.
هذا يعني ان الصفات الاساسية التي يجب ان يتحلى بها الانسان ان يكون صادقا وامينا ومخلصا.ويحب الخير للجميع،ان تحقيق العدل المساواة واحترام حقوق الانسان ليعيش بامان لايتحقق الا اذا توفرت في الانسان تلك الصفات،وهذا يتعارض مع من يدعو الى فصل الدين عن الدولة،الدين لايفصل عن الدولة،فسلطة الدولة تحتاج الى اناس يخافون الله ويكونوا صادقين وأمينين ومخلصين وعادلين،والمطلوب ابعاد السياسة عن الدين،لانها كذب ونفاق ودجل وخداع وتنكيل واجرام،وهذا مخالف لما جاء في الشرائع السماوية.
هذا يعني الانسان يحتاج الى تربية لكي يكون انسان نافع ويبتعد عن الافكار والسلوكيات الشاذة.
لذا تتفق جميع الشرائع السماوية على وجوب استقامة الانسان والتوجه نحو افعال الخير والابتعاد عن اعمال الشر التي تؤدي الى شيوع الفساد،كما في قوله تعالى:
1-ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.الروم- 41.
2-وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.الاعراف-56.
عندما نرجع الى ما دعى اليه الانبياء والرسل جميعا هو الامر بالمعروف وترك المنكر،هذا يعني العمل على بناء الانسان وجعله مؤمن ويعمل ويصلح، وباخلاص وامانة وصدق،ولكن الكثير منهم عصى الانبياء والرسل فحل بهم غضب الله.
اذا ما اراد احد ان يبحث في هذا الموضوع في الوقت الحاضر لوجد الامور معكوسة تماما،فالدول التي تدين بالاسلام ابتعدت عما جاء في الشريعة الاسلامية،فكثر الشذوذ الفكري والسلوكي والانحراف عن الطريق الصحيح،مما ادى الى تفكك االمجتمعات،فقد انهارت منظومة القيم التي تحكم الانسان،وهي المجتمع والمؤسسات الدينية والانظمة والقوانين والمؤسسات التعليمية والتربوية.
اما في الدول التي لاتدين بالاسلام فقد وضعت برامج لبناء الانسان منذ ولادته،لذلك يكون صادق وامين ومخلص وعادل ويساعد الناس،عكس ذلك الدول التي تدين بالاسلام فقد تركت الانسان فريسة للافكار الدخيلة والشاذة والسلوكيات المنحرفة،والتي اضعفت تماسك المجتمع،بل نشوب الصراعات والاقتتال بين ابناء القومية والدين الواحد،أي تحول المجتمع الى قوى متصارعة نيابة عن العدو،وهذا ما يحدث اليوم في الدول الاسلامية،الحاكم غير المسلم يسرق اموال الشعوب ليعز شعبه،وحكام المسلمين يسرقون شعوبهم ويفقروهم، ويودع امواله لدى الدول الغنية لتستغلها لصالح شعوبها.
سوف اتطرق الى مثال واحد عن اليابان عندما تعرضت الى تسونامي دمر مدنها الساحلية،فتصرف الشعب الياباني بادب واخلاص وصبر وفق الفقرات الاتية:
1- الهدوء : لم يضربوا الصدور ولم يشقوا الجيوب ولم ينوحوا على حالهم وعلى موتاهم أو من فقدوا .
2- الاحترام: طوابير محترمة لاستلام الماء والأكل والمشتريات،لم تصدر كلمة جافة أوبذيئة،ولا تصرف جارح .
3- القدرة : بيوت ومباني فائقة التصميم والروعة،البيوت والمباني تأرجحت ولم تسقط لاستخدام التقنية العالية في البناء لمواجهة الكوارث.
4- الرحمة:يشتري المواطن ما يحتاجه فقط ليومه وأزمته، ولم يبالغوا في المشتريات، حتى يتسنى للجميع الحصول على ما يريدون، قمة الإيثار والإيمان والثقافة .
5- النظام: لا فوضى في الطوابير أوفي المحال،لا تذمّر ولا استيلاء على الطرق ولا عنف ولا سرقات أوتكسير، فالكل يعرف ما يريد،والجميع متفهم الوضع .
6- التضحية: خمسون عاملاً بقوا في المفاعل النووي يضخون ماء البحر فيه،لغرض الحد من اثاره الكارثية على السكان، كيف يمكن أن يكافئوا.
7- التعاطف:المطاعم خفضت أسعارها،وأجهزة الصرف الآلي تُركت في حالها لا سلب ولا نهب،والقوي اهتم بالضعيف.
8- التدريب: الكبار والصغار،والكل عرف ماذا يفعل بالضبط ،وهذا ما فعلوه لغرض الحد من اثار الكارثة.
9- الإعلام: لم يلجأ الاعلام الوطني إلى التهويل ولا إلى التهوين من حجم الكارثة،بل كانت التقارير الإعلامية متسمة بالهدوء والموضوعية والشفافية الصريحة بدون تعتيم .
10- الضمير: عندما انقطعت الكهرباء في المحال التجارية أعاد الناس ما بأيديهم من حاجات إلى الرفوف قبل أن ينصرفوا من المحل الى خارجه.
هذا ما تدعو له الشرائع السماوية وليس البدع والدس الذي شوه المحتوى الحقيقي لتلك الشرائع،فالاديان لم تختزل العبادات وحدها هي المنجي من العذاب،بل ان التاكيد على الجوانب العملية والاصلاح اهم من ذلك،والدليل في قوله تعالى:
1-الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ. آل عمران-17.
2-وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ.المنافقون-10.
ونحن في صدد بناء الانسان،نستشهد بدولة رواندا تلك الدولة الافريقية التي عاشت عقود من الزمن في حروب وصراعات قبلية انهكتها تماما،ولكن عندما احتكموا الى العقل والمنطق وتوفرت قيادة حكيمة قادت تلك الدولة ونهضت بها من بين الركام،وخلال فترة وجيزة حوالي عقد ونصف من الزمن، فتقدمت في مجالات الحياة كافة، ومن نتائج التطور العلمي والتكنولوجي اطلقت قمر اصطناعي للابحاث العلمية،وكانت البداية في التطور بناء الانسان ،لانه هو اداة التطور والتقدم،وتم التركيز على التعليم وسيادة القانون والنظام بحكمة ومعرفة ودبلوماسية،وقوله تعالى في هذا المجال:
1-يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ.البقرة-269.
من المفارقات ان الدول العربية تنفق على ابناءها ويحصل الكثير منهم على الشهادات العليا لكن لايحصل على عمل في بلده ولا الدول الاخرى،واذا تم تعينه سيكون في غير مجال اختصاصه، لذا لا يمكن ان يبدع،وحتى في مجال اختصاصه سيكون مسئوله الاعلى امي ثقافيا وعلميا،لذا يهاجر للعمل في الدول المتطورة وتحتضنه لانه طاقة جاهزة لا تخسر عليه شيء،وعندما يعود شخص فاشل من الخارج مزور شهادة ولا يمكن له العمل في الخارج يتم تعينه لانه اداة للتدمير لا التعمير، وفق مبدأ الطيور على اشكالها تقع،وهذا يعني الدول العربية تصدر العقول وتستورد العجول،والله المستعان.
وفقنا الله وإياكم لخدمة العباد وتطور البلاد واسعاد الاحفاد، ونسال الله الرحمة للوالدين والاجداد، ويكفينا شر الحاقدين والحساد.