روح الشك في رواية زوجة رجل آخر
رند علي / العراق / بغداد
يقال إن الشك هو الصديق الحميم للأرواح الضعيفة. وهذا ما يتجلى بوضوح في شخصية إيفان أندرييفيتش بطل رواية (زوجة رجل آخر) لكاتب روسيا العظيم فيودور ديستويفسكي والصادرة حديثاً عن دار وتر بترجمة
حوراء إحسان .
وتعد هذه الرواية من أعمال دوستويفسكي ذائعة الصيت والشهرة حيث حققت انتشارًا كبيرًا جدًا حول العالم، فعلى الرغم من قدم هذه الرواية التي سطع نورها للمرة الأولى في منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنها لم تفقد رونقها وشهرتها حتى يومنا هذا ، وتناقش موضوعي الشك والغيرة وكيف يدفعان الإنسان للتصرف بطريقة غير منطقية ، فمنذ الصفحات الأولى للرواية تظهر لنا بوضوع شخصية ( إيفان) الضعيفة المهزوزة ، فهو مقتنع تماماً بأن زوجته تخونه فيتعقبها ويراقبها لساعات طويلة ليتأكد من خيانتها ، وسيطرة فكرة الخيانة علي تفكيره تدفعه الى التصرف بتصرفات تؤدي به إلى الوقوع في مشاكل كثيرة وتضعه في مواقف محرجة وتصرفات غير منطقية منها إصراره على إنكار إن هذه المرأة التي يتعقبها زوجته، ففي الفصل الأول من الرواية يحاول إيفان اقناع الرجل الغريب الذي يلتقيه في الشارع ويقول له إنه يبحث عن سيدة ويريد أن يعرف إلى أين ذهبت، دون الإفصاح عن هوية تلك المرأة، الشيء الذي يؤدي بالشاب الغريب أن يقوم بردود فعل تنم عن انزعاج من إيفان وطريقته في الحديث والتصرف فيقول له (لا بد أن امرأة تخونك). وهنا يندفع إيفان الى إنكار ان تكون هذه المرأة زوجته بل هي زوجة رجل آخر تخونه مع احد عشاقها وأنه هنا لكي يعطيها درسًا أخلاقيًا ويبين لها مدى دناءة وبذاءة سلوكها، وقال أيضًا بأنه لا يفعل ذلك من أجل نفسه، إنما من أجل زوجها الذي يقف هناك ليس بالمكان البعيد، فوق جسر فوزنيسينسكي.
ولايغيب هنا الأسلوب الفلسفي الذي يستخدمه دوستويفسكي في أغلب رواياته ، هذه النزعة الفلسفية الفريدة للإبحار في خبايا النفس البشرية؛ لمعرفة تفاصيلها ودوافعها ، وهذا ما ميزه وجعله على قمة هرم الأدب العالمي.
( والمشكلة معي هي أنني أبالغ في فهمي للأشياء)
إما في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان ( زوج تحت السرير ) فشكوك إيفان تدفعه للمرة الثانية إلى خوض مغامرة خطيرة غير محسوبة أدت إلى وقوعه في مشكلة كبيرة عندما ذهب الى عنوان مكتوب في رسالة غرامية سقطت على رأسه في الأوبرا فظن إنه موعد بين زوجته التي كانت في نفس الحفلة وبين احد عشاقها وهنا يندفع بأتجاه العنوان المكتوب في الورقة ليجد نفسه تحت سرير امرأة متزوجة من رجل آخر !
وهنايعبر دوستويفسكي عن الغيرة في نهاية روايته صراحة من خلال الجمل: “علينا أن نتعرف بأن الغيرة عاطفة جامحة، بل لنقل أكثر من ذلك: إنها كارثة حقيقية! ”
كان فيودور دوستويفسكي فيلسوفًا وروائيًا روسيًا، جسَّدت أعماله الصراع النفسي الذي عانى منه المجتمع الروسي خلال حُقبةٍ مضطربة سياسيًا واجتماعيًا في القرن التاسع عشر. وقد تم تصنيفه من قبل عُلماء النفس كأحد أكثر الكتاب تأثيرًا في عالم الأدب؛ لِمَا تميَّزت به أعماله من حِدَّة.