(حفلة الاموات)
الألم والحزن القاسي يعتصر قلبي ويمزق روحي وانا احمل نعش حبيبتي أليكساندرا مع رفاقي.. وبعد انتهاء مراسيم الدفن عدت محطما مترعا بالحسرة والكآبة إلى المنزل ، وفي طريقي لصعود سلم الدار القديم، بدأت اشعر بالدوار وضربات قلبي تتسارع ، تلمست مقبض الباب وفتحت باب الغرفة وانا الهث ك المحموم والعرق يتصبب من جبيني ، وعندما وصلت الى فراشي سقطت مغشيًا عليَّ ….
فجأة استيقظت وانا على سريري وسط مقبرة الاموات، مرت لحظات وانا لا اعي مايحدث، شعرت برهبة تطرق أفاق روحي بوجلٍ… وتمتمت مذعورا : أين أنا؟ ما هذا المكان!
ما الذي يحدث لي؟
ولما انا في مقبرة المدينه؟
وبدأت ارى الضباب يلف ارجاء المكان و اسمع صفير الريح القاسية وعواء الذئاب، وفحيح الافاعي يضج بها المكان وهمهمات غير مفهومة تملأ الارجاء … وبدأ الدخان يتصاعد إلى السماء وجيوش الديدان الكثيرة تخرج من التراب.. وبدأت القبور تهتز وعظام الاموات تخرج من تحت التراب رويدا رويدا، ثم تُنسجُ هيكل متكامل، تسيل على العظام مياه سوداء وهي تصطف صفا واحدا، وانا متسمر في نفس مكاني في وسط المقبرة، وارتعدت فرائصي من الفزع وانا اراقب هذا المنظر المخيف جدا، هناك حيث قبر حبيبتي.. صعقت وانا اشاهد عظامها تخرج من القبر وتشكل هيكل عظمي … هيكل أليكساندرا امامي وقد مدت يدها نحوي وقالت لي بنبرة مخيفة : تعال لنرقص.
اقشعر بدني وانتفض قلبي بعنف، وصرخت مذعورا: ماذا؟! كيف ارقص معكِ وأنتِ ميتة؟ .. قالت :اصمت ايها الابله، لاتتعب نفسك بالسؤال والا جعلت المقبرة تشرب من دمائك.. هيا.. امشي معي وهلم بنا إلى حفلة الاموات وسط المقبرة.
سرت معها والخوف يعتريني والقشعريرة تسري في جسدي، وماهي الا خطوات حتى بدأت الارض تهتز تحت قدمي… وتعالت تراتيل الحفلة الصاخبة ولمحت العازفين باشكال مروعة ينفخون بعظام الاموات.. والهياكل العظمية ترقص مع بعضها.. والأشباح تتوافد من بعيد وهي تملأ ارجاء المقبرة بالضحك والسخرية والصخب… وأخذوا بايدي بعضهم البعض وشكلوا حلقة دائرية تتوسطها نار مستعرة وهم يتمايلون ويرقصون حولها في طقوس غريبة … امسكت حبيبتي بيدي عندها احسست بالطمأنينة وتحولت مشاعر الخوف إلى مشاعر مبهمة لا اعرف كنهها ، ورقصت معها وانا اضرب بقوة على الارض بقدمي دون اي كلل.. وفجأة سمعت قهقهات شريرة من الاعلى رفعت بصري الى السماء ورأيت الساحرات السبع بقبعاتهن الطويلة وجلبابهن الاسود وهنّ يركبنّ المكنسة السحرية.. بدأت مكانس الساحرات بالرقص والغناء بصوت صاخب مزعج وعالي جدا. حتى فقدت الاحساس بالزمان والمكان واصبح جسدي خفيف وكأنني اطير وانا ارقص مع الاموات.. لمحت احد الهياكل العظمية يوزع اقداح النبيذ وهو يغني : هلمّ لنشرب نخب الحب نخب السكون..
وكان الجميع يشربون النبيذ ، وقد ثملوا وبدأوا بالتساقط على الأرض شيئا فشيئا والنبيذ يخرج من عظامهم ويسيح على الارض ..
_اليكس كفاكِ شُربًا ارجوكي.
_لماذا لا اشرب النبيذ يا جورج ما دمت انا من اثمل؟؟!
شربت حتى سقطت على الارض وعادت عظامها مبعثرة .. وبزغت الشمس وانجلى الضباب واتحدت العظام وعادت إلى مكانها في القبور تحت الارض، واختفت الأشباح والساحرات، لا أحد في المقبرة سوى ضوء الصباح وشواهد القبور وبقايا من زجاج الاقداح المتطاير… صرخت روحي بمقدار كل ذرة ألم أشعر بها، اركض وحدي في المقبرة واصرخ واصرخ… حتى سقطت من شدة التعب وانا أرى اخي جون يمسح على راسي ويقول : اهدا يا أخي لقد أحضرت لك الطبيب.
واخيرا استيقظت وانا منهك القوى وكأنني كنت في عالم آخر وملابسي مبللة بفعل الحمى وانتبهت الى انني لازلت ارتدي ملابس العمل منذ اليوم السابق ، درت بعيني في ارجاء الغرفة فأذا باخي مع الطبيب وهو يمسك بقدح مزج به الدواء مع قليل من الماء ويقول : لقد افاق من غيبوبته، لنعطه الدواء،.
ماذا اتناول؟ هل كان كل الذي رايته من حفلة الاموات التي شفيت بها مجرد هذيان منام طويل من فعل المرض…
اذن دعني اشرب النبيذ بدل الدواء ايها الطبيب.. ارجوك لنشرب معا… انه المهدئ الحقيقي كي تهدأ روحي وتسكن نفسي…
بلقيس خيري شاكر البرزنجي
محافظة ديالى