إعدام مع وقف التنفيذ
في الأفق أقفاص للحمام
تتسع كل صباح
بعض سنتيمترات
وتضيق ثانية
حين ينطفئ
ضوء الشمس…
فالليل شرطي آداب
يلوح في أحداقه
سيف عنترة العبسي
كلما أرخى الظلام
بجدائله على كتفي
السديم العقيم
مخيما على فكرة بيضاء
أنثوية الملامح
تسللت من أبواب اللغة
عند الغروب
لتتمدد على الأريكة
قبالة شاطئ مجهول…
الشارع مصقلة للياسمين
المتناثر هنا و هناك..
و عند باب المدينة
هنالك حارسان طاعنان
في الغباء
يتناوبان على مصادرة
رخص السعادة
لنساء يتنقلن من حلم إلى أخر
دون إستئذان…
يترنحن في طرق ضبابية بلا بوصلة
في رحلة بين الشك و اليقين
و بين الهوية و اللاهوية
و بين الشعور و اللاشعور…
في كل زقاق شارة حمراء
تكبح خطى لحظات فرح سريعة
في عنفوان من الشغف
متفائلة بالبحث عن معنى لعاطفتها
أو عن عاطفة للمعنى …
تغلق الساحات
وتقفل الأبواب أمام
وجه أسئلة جامحة
سريعة الغضب
تمشي في مسيرة التعاطف
مع الحمام المعلق في الأقفاص
باحثة في غبار الطريق
عن أجوبة لخطاها…
في كل وطن عربي
هنالك حدائق مترامية الذكورة
كثيفة الظلام والإظلام
حتى تحليق العصافير
فوق أغصان الأشجار
لا يضرم فيها النهار..!
في الجانب المنحدر
من كل حديقة
هنالك بئر مهجورة
مليئة بالصدى
أصوات مبحوحة تتبادل الشكوى
والصراخ منذ الأزل
ولا صدى للصدى..
تشرب من البئر
شجيرات قصيرة
القامة في حاجة غامضة
إلى الإرتفاع
فلا تزداد إلا عطشا…
و ثمة خلف السياج مباشرة
صفصافة منفية
وارفة اللاشيء
مرصعة بالطيور الجريحة
معتكفة على ظلها
تميل إلى الجانب الآخر من الحياة
كلما أثقلوا كاهلها بالخيبات
كي لا تجازف بأوراقها بين الحصى
و العشب المبعثر كنبض قلبها..
يشدها السراب
إلى الطرف الآخر الخفي اللامرئي
من الكون
إلى أحلام الصباحات الأولى
و السنابل المشرئبة للمدى
حيث تومض صفاتها الأولى
في مزارع الضوء الطليق
و يتلألأ ماء وجودها
على سطح البحيرات المقدسة..
في كل بيت عربي
هنالك سريران متجاوران
أحدهما
ذو صرير منتظم
يشبه صرير فراش
“بروكرست ” الحديدي…
و الآخر متهم
بلا ذنب
حكم عليه بالإعدام
مع وقف التنفيذ
أفرغوا ذاكرته من الصور
قطعوا علاقته بالأشياء
زجوا به في معركة عبثية
مع الضجر
و رموه أشلاء في زنزانة منفردة
جدرانها مرايا مزدوجة للوهم…
اتهموه زورا
لأنه أطال متعة التأمل فيما تبقى من أفق
وهو يسند خياله على جدار مهترئ
و لأنه أطال متعة إنتظار هنيهة النشوة
خلف زجاج مغطى باالصقيع
دون أن يتفطن لصوت سقوط الثمار البعيد…
****
تحت القباب العربية المشتعلة
تحرق ورود و تقتل وعود
كلما علا صوت التصفيق
من برلمان
يخلط الدين بالسياسة…
تجلد نساء و تقطع نهود
كلما لبست الحقيقة
فستانا ضيقا شفافا
يكشف عورتهم…
و كلما نفي الربيع
عن وطن عربي
تتوجع أنثى الحجر
لأن عشبا أصفر
نبت بين مفاصلها
في غفلة من أمرها…
خريف تلو خريف
وهي تتآكل
تحت هبوب الريح المتعالية
و ترضع صغارها
حليب إنتفائهم…
صارت تغطي عانتها
بالأقحوان
خشية من تحرش ذاك النهر
المعربد
المغتر بإرتفاع قامته
المعتد بطول إمتداده
و تحسبا من غدر غيم بربري
أو غزو مطر كاذب رمادي
يسلب أنوثتها الإخضرار.. !!!
دنياس عليلة / تونس