الــمــوضـــــوع:سفرة مدرسية
الــمـــدرســــــة:مدرسة العفة الابتدائية في الشطرة
المكان المقصود:ناحية گرمة بني سعيد
مـكــان الحادثـة:جسر سوق الشيوخ العائم
كتب عن هذه الحادثة الكثيرون وآخر من كتب عنها هو الاستاذ غسان شلاش وهو باحث ومؤرشف للكثير من تاريخ الشطرة الحافل بالمآثر على المستوى السياسي والادبي والثقافي والفني،، ولكثرة الطلبات الموجهة لي من بعض الاخوان وبالأخص الذين هم في خارج العراق للكتابة عن هذه الحادثة وها انا استجيب لطلباتهم بمناسبة الذكرى الرابعة والخمسون لهذه الحادثة الأليمة ولكن بعد ان استميح الاستاذ غسان عذرا لعلي اوفق بجمع المعلومات المتعلقة بالحادثة مع علمي بأني لا ارتقي الى مستواه بالكتابة والبحث..
قبل ان نخوض بتفاصيل الحادثة دعونا نذهب سوية الى ناحية گرمة بني سعيد ونقلب صفحات تأريخها لنقف على اهم العوامل التي جعلتها محط رحال المتعبين وكيف كانت بساتينها منتزعا لهموم الناس وآلامهم انذاك..
گرمة بني سعيد تقع جنوب شرق سوق الشيوخ بحدود من سبعة الى تسعة كيلومترات وعندها ينشطر الفرات الى ثلاث قنوات وهي القناة الرئيسية المعروفة بـــ (الحفار) والقناة التي تتفرع من ايمن الفرات تعرف بـــ ( ام نخله )والقناة الثالثة من ايسر الفرات تعرف بـــ (بني سعيد ) وهذه القناة اثناء مرورها في اراضي ال جويبر يتغير اسمها الى ( المزلگ )وتلتقي الاخيرة مع قناة الحفار بالقرب من جسر ناحية الطار الرئيسي وبالتالي تلتقي هذه القنوات الثلاث مع قريناتها من القنوات الفراتية الجنوبية الاخرى في بحيرة الحمار التي يستحم فيها الفرات ليتخلص من كل ماعلق به من شوائب وهو يتهيأ لعناق معشوقته دجلة في القرنه..وهناك وبعد العناق يخرج للوجود ابنهما شط العرب والذي يبلغ طوله من ملتقى الابوين حتى مصبه في الخليج مائة وعشرة كيلومتر..
وبما ان المياه وغزارتها تسببت في وجود اهوار شكلت طوقا عند نهايات الاراضي الممتدة هناك فأن تلك الاراضي كانت زاخرة بزراعة محصول الشلب صيفا وبالحنطة والشعير شتاء،، يضاف الى ذلك بساتين النخيل وما تخللها من اشجار الحمضيات والسدر والواح البرسيم ،، وبالنظر لخصوبة الارض فانها استقطبت الكثيرين من الذين يبحثون عن كسب الرزق، الأمر الذي جعلهم يلتصقون بها الى حد العبادة باعتبارها مصدر عيشهم الوحيد..
التجمع السكاني والازدهار الاقتصادي في ذلك المكان جعل الحكومة العثمانية ومن الناحية الادارية ان تؤسس ناحية بأسم (ناحية گرمة بني سعيد) اشتق اسمها من عشيرة بني سعيد التي كانت ولاتزال صاحبة الثقل السكاني والحضور الاجتماعي في ذلك المكان،،وقد ذكرهذه الناحية القنصل الروسي في البصرة الكسندر اداموف في كتابه الموسوم(ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها)عندما ذكر التقسيمات الادارية للولاية ولواء المنتفج وقضاء سوق الشيوخ وما يتبعه من النواحي وذلك في عام 1901م..
عند دخول البريطانيين للعراق ووصولهم الى سوق الشيوخ بتاريخ 6/تموز/1915 كانت مشكلة الاراضي والري من اهم المشاكل التي واجهها معاون الحاكم السياسي البريطاني دكسون في ضواحي سوق الشيوخ وعشائرها وبقيت مشكلة الري قائمة حتى حتى عام 1926 حيث تم انشاء سد الحفار بجهود ابناء المنطقة ومساعدة الدولة وبامكاناتها المتاحة آنذاك، هذا السد اعطى ثماره بشكل مبكر حيث تم زراعة الكثير من الاراضي بفضل وصول المياه اليها، وبهذا زادت مساحة الارض المزروعة مما زاد المنطقة اخضرارا وازدهارا واصبحت موضع استقطاب الكثير من العوائل التي تمتهن الزراعة وفلاحة الارض..
الا ان السد المذكور لم يصمد امام طغيان الفرات وبالأخص في موسم ارتفاع مناسيب المياه وقد انهار هذا السد اكثر من مرة ولكن بفضل السواعد التي لاتكل يتم سد الانهيارات والثغرات والبثوق التي تحدث فيه..
واستمرت الحال حتى عام 1956 حيث حطت شركة كات اللبنانية رحالها في سوق الشيوخ واتخذت من المكان المشيد عليه المركز الثقافي حاليا مقرا لها،،وهذه الشركة اخذت على عاتقها انشاء النواظم والسدود على الانهر وبطريقة حديثة ووفق مواصفات هندسية عالية وقد تم تنظيم قنوات الحفار وام نخله وبني سعيد والعكيكة وكرمة حسن ونتيجة الاتقان والاخلاص والجدية لازالت هذه النواظم تعمل بطريقة ميكانيكية ويدوية الى اليوم..
وللأمانة التاريخية أن أستقدام هذه الشركة جاء بفضل المطالبات التي تقدم بها الاستاذ المرحوم عبد الغني الدلي وزير الزراعه عام 1954 وكذلك العمود الصحفي الذي كان يكتبه الأستاذ المرحوم حمدي الحمدي في جريدة البطحاء بعنوان ( صوت سوق الشيوخ ) حيث تطرق في هذا العمود وفي أكثر من مرة الى مشكلة الأراضي و الري بالاضافة الى طلبات تقدم بها البعض من شيوخ العشائر بهذا الخصوص..
تنظيم القنوات الثلاث في گرمة بني سعيد وبهذه الطريقة الحديثة ساهم في جعل المكان أكثر حيوية وأزدهار وزاده بهجة وجعل فيه متعة كبيرة للذاهبين الى هناك , يضاف الى ذلك حركة المشاحيف والسفن الصغيرة ذات المحركات والتي تعرف عند العامة ( المواطير ) والمختلفة صعودا ونزولا بين البصرة وسوق الشيوخ وهي تنقل البضائع , وكذلك مرسى هذه السفن الموجود في گرمة بني سعيد وحركة الناس فيه وأغاني ودبكات العاملين في ذلك المرسى ومايرافقها من حركات يؤديها البعض في مقدمتها مايعرف عند البصريين بـ ( المنكار ) والمعروف عندنا بـ(طگة الاصبع ) مصحوبة بضرب خلفية أحد القدمين على الأرض وبشكل متناسق مع المطق باللسان , بالأضافة الى مايسمعه الذاهب الى هناك من أصوات غنائية وبأطوار مختلفة يطلق لها أصحابها العنان في الأبوذية والبستات من أمثال حبيب آل عوج وفرهود آل سلمان ومله شنين الزيادي وجبار الناشي وأخرين وهم يشنفون الأسماع من خلال ترجمتهم لاوجاع الناس وألامها , هذا بالأضافة الى سوق الگرمة الذي يعج بأنواع الطيور من الوز والبط وفصيلة الخضيري التي أكثر ماتكون في فصل الشتاء حيث تحط رحالها في اهوار المنطقة بعد قطعها مسافات طويلة بحثا عن الدفىء وكذلك سوق الأسماك بأنواعها وهذا ما يجعل الزائر الى گرمة بني سعيد لايعود الى عائلته الا وهو محمل بالكثير ممايحتاجه وينطبق عليه المثل القائل (زيارة وتجارة )..
كل هذه العوامل جعلت من گرمة بني سعيد مركز لأستقطاب الزائرين والسواح والسفرات المدرسية وكل من تناهى الى مسامعه الحديث عن ذلك المكان فأنه سرعان ما تتوق نفسه لمشاهدته والأستمتاع بمناظره الخلابة..
وهذا مادفع الست ليلى صالح الچلبي مديرة مدرسة العفة الأبتدائية في الشطرة بأن تستحصل الموافقات الأصولية للذهاب بسفرة مدرسية الى ناحية گرمة بني سعيد..
وينقل لي السيد طه السيد حسين ابو رغيف وهو أحد وجهاء مدينة سوق الشيوخ ومن شخصياتها المعروفة يقول :- أن والد الست ليلى أو والد أحدى زميلاتها كان موظفا في ناحية الگرمة في أحدى السنوات وهو الذي نقل لعائلته ماشاهده في ذلك المكان ولربما كانت لديه صور فوتوغرافية تدعم صحة ما نقله مما جعل الهيئة التعليمية في تلك المدرسة تختاره دون غيره من الأمكنه..
مدرسة العفة الأبتدائية للبنات تأسست 14 تموز 1959 والست ليلى مديرة لهذه المدرسة منذ6 /1/1960 ولغاية وقوع الحادثة المؤلمة..
وافقت مديرية معارف الناصرية على السفرة في كتابها المرقم 321 في 15/12/1962
تم الأتفاق مع السائق ( حامد آل مكي الحاج علي ) وهو صاحب سيارة فالفو خشبي وحسب الموعد المحدد له حضر في تمام الساعة السادسة صباحا من يوم الجمعة الموافق 28/12/1962 وتوقف عند باب المدرسة وكانت أول الحاضرين الفراشة (ترفة ) وهي تحمل ابنتها (جمهورية ) والفراش الملقب ( علي فوحه ) ومعهم المرحومة السيدة زكية ربة بيت من أقرباء المديرة بعدها حضر جميع المدعويين للسفرة من الطالبات ومن معهن من أخوانهن وأخواتهن والمعلمات سرية أحمد الشيخ شمخي وشكرية رسول وضوية الشيرباچي وسعاد عبد الرزاق الصيدلي وخيرية المصلاوية وساجدة من بغداد ولبيبة الجبوري وضوية عامر العتابي وبلقيس جليل هويدي وخيرية نعمو ورئيسه حسين وهدية رمان وشقيقتها خالدية الخياطة , صعد الجميع الى السيارة وأخر من صعدت هي المديرة الست ليلى صالح الچلبي ومعها بعض قريباتها..
أنطلقت السيارة في الساعة السابعة وعشر دقائق من صباح اليوم المذكور مارة بقصر الحاج خيون آل عبيد المطل على نهر الغراف من جهة اليمين ثم منطقة الحاوي وقرية اسليم عبر الطريق الترابي الضيق المؤدي الى الناصرية والمحاذي لنهر الغراف مرورا بناحية سويج الدچة ( الغراف حاليا ).. في الطريق تعرضت السيارة الى عطل لم يتمكن السائق حامد من أصلاحه فترجل الجميع منها الى ان جاءت سيارة اخرى ومن نفس النوع وعلى حد قول الأستاذ غسان شلاش كانت مخصصة لنقل الخضار وتم الأتفاق مع سائقها لمواصلة السفرة..
سائق السيارة الثانية المدعو (خضير ناهض) وهو من مواليد الشطرة لعام 1927 وأحد قدماء السواقين ويحمل أجازة السوق المرقمة 36 والممنوحة له في عام 1957 والسيارة سويدية الصنع وهي من أملاك السيد ( هادي ضايف ) موديل 1959 وكانت قد باتت ليلتها الأخيرة في عجد الگص قرب بيت آل ضايف في الشطرة وفي فجر اليوم المشؤوم كان أول من قام بتشغيلها هو مساعد السائق (السكن ) كاظم خليل.. وهذا يتناقض مع المعلومة التي أوردها الأستاذ عبد الكريم سلمان العرفج حيث يقول أثناء مقابلتي للسائق في السجن أستعلمت منه انه كان قد عاد للتو من سفرة بعيدة وكان في غاية الأجهاد والتعب الا أنه لم يصمد أمام الطمع في الأجرة والتي تقاسمها معه السائق الأول على حد قوله..هذا النوع من السيارات كان الأكثر رواجا في الشارع العراقي في ذلك الوقت بسبب قدرتها على مواصلة السير في المسافات البعيدة وتحملها وعورة الطرق الغير معبدة وكذلك أحتوائها على مقاعد متقابلة مما يسهل عملية حديث الركاب مع بعضهم وجها لوجه..
بعد أن تم الأتفاق مع صاحب السيارة الثانية صعد الجميع ورزموا أمتعتهم وأفرشتهم والبعض من المعلمات أنشغلن بقراءة مامكتوب على الأطار الداخلي للزجاجة الأمامية للسيارة من عبارات الحكمة والوعظ شعرا ونثرا خاصة بعد أن عرفن من السائق أنها بخط الفنان صباح السهل وكان من جملتها ( لاتخف دركا ولا تخشى ) و ( السياقة فن وذوق وأخلاق ) و ( عين الحاسد تبلى بالعمى ) أنطلقت السيارة بأتجاه الناصرية وأثناء وصولها الى الناصرية توقفت في باب مستشفى الجمهوري (الحبوبي حاليا ) وذلك لأصابة المعلمة ( بلقيس جليل الهويدي ) بوعكة صحية مما أضطرها للبقاء في بيت عمتها السيدة ( نعيمة) زوجة السيد (مكي التتنچي ) في الناصرية بعد أن تلقت العلاج اللازم في المستشفى المذكور واعتذرت من زميلاتها عن مواصلة السفر تاركة أخواتها في السيارة وهن كل من عهود وميسون وميثاق اللواتي غرقن في الحادث..
واصلت السيارة المسير بعد ان عبرت من صوب الجزيرة الى صوب الشامية من خلال جسر 14 تموز (النصر حاليا) والذي شيدته شركة يوغسلافية عام 1959 واتجهت من هناك الى سوق الشيوخ مرورا بمخفر الخضر ( ناحية الفضلية حاليا) حتى وصلت الى سوق الشيوخ بحدود التاسعة والربع صباحا ومن خلال نوافذها الزجاجية تناهت الى مسامع المارة في شوارع المدينة الزغاريد والأناشيد والردات التي ترددها الطالبات والتي أكثر ماتكون موجهه للدريول ( السائق ) تارة تحثه على الأسراع وتارة على التأني حفاظا على الأرواح..
الست ليلى تجلس في صدر السيارة وبالتاكيد بين فترة واخرى تحين منها التفاتة للوراء تراقب من خلالها حركات البعض ولربما تبتسم حين التفاتتها لتزرع الامل في نفوس من معها بانهم سيصلون المكان المقصود وهي لاتعلم أن الاقدار تنتظرها لتعانق روحها أرواح من معها من الضحايا تحت ماء الفرات..
سوق الشيوخ من المدن المثانية وذلك لوقوعها قريبا من نهايات نهر الفرات والذي تختلط مياهه مع مياه الاهوار في اكثر الاحيان , وبما ان محلات المدينة الرئيسية الاربع وهي النجادة والحويزة والبغادة والحضر تقع في جانب الفرات الايمن الا ان هناك محلة خامسة تقع في الجانب الايسر وهي محلة الصابئة المندائيين الذين يتخذون من ضفاف الانهار سكنا لهم من اجل ممارسة طقوسهم الدينية التي لاتنسجم الا مع المياه الجارية باعتبارها اكثر طهارة من المياه الراكدة حسب ماتنص عليه عقيدتهم الدينية وتعاليمهم وتشريعاتهم..ومن اجل التواصل بين سكان الجانبين وتبادل المنافع وربط القرى القريبة بالمدينة وتسهيل الوصول الى قلب السوق لابد من وجود جسر يربط بين جانبي النهر , وبعد مطالبات الاهالي بادرت الحكومة بانشاء جسر حيث تم احضار مجموعة (مشاحيف كبيرة ) وتم ربطها الى بعضها بطريقة محكمة عن طريق الحبال الحديدية وكذلك تم ربطها الى جانبي النهر بواسطة اوتاد حديدية ( قوازيق ) ثم تم وضع الالواح الخشبية على المشاحيف بطريقة فنية،، وبالنظر لركاكة الجسروانهياره امام الاحمال الثقيلة وحرصا منها على ارواح الناس فقد اوعزت الحكومة المحلية الى الجهات ذات العلاقة بان تقوم بوضع قطعة ارشادية تحذر من عبور السيارات ذات الاحمال الثقيلة الا بعد افراغها وانزال الركاب منها وبالفعل تم كتابة قطعتين وتم وضعهما على طرفي الجسر .. ومن الجدير بالذكر ان معاونية شرطة القضاء جعلت مفارز من شرطتها تراقب حركة الملاحين داخل النهر وعينت مفرزة خاصة لحراسة الجسر تمنع اقتراب البلامة منه وكانت تعاقب المخالفين حيث تحتجز مشاحيفهم وتربطها الى جانب المشاحيف الرئيسية لتعزز بها قوة الجسر كما عينت الحكومة المحلية احد موظفي دائرة الري في سوق الشيوخ المدعو (عبد مشعل ) وهو احد اخواننا المندائيين ليقوم بمهمة فصل دوبتين تم وضعهما في وسط الجسر وفي منطقة وسط النهر بأعتبارها اعمق نقطة مياه من الساعة الثامنة صباحا ولمدة ساعة لتتمكن السفن الصغيرة والمشاحيف الكبيرة القادمة من البصرة من المرور الى المرسى المقابل لمحلت الصابئة من جهة السوق والمعروف بـ (الشريعة) وتتكرر عملية تقطيع الجسر في الساعة الرابعه عصرا ولمدة ساعة ايضا..
وصلت سيارة الشطرة الى الجسر بحدود التاسعة والنصف وكانت قد سبقتها سيارتان بحوالي ساعة لسفرات مدرسية قاصدة لنفس المكان.. السائق لم يعر أي اهتمام للقطعة الارشادية الموجودة عند راس الجسر ولم يفكر بعواقب تهوره فراح عابرا بحمولته حتى اذا بلغ منتصف الجسر غطست المشاحيف من تحت السيارة وحدثت المأساة ..
خلال لقائي بالاخ جواد حمادي الدلي وهو احد المشاركين في عملية الانقاذ يقول :-كنت اقرأ مع زملائي في المكتبة العامة وذلك في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح ذلك اليوم حيث سمعنا أصوات صخب وضجيج فسرعان ماخرجنا مسرعين وعند وصولنا الى الجسر شاهدنا السيارة الغاطسة في النهر والتي لم يخرج منها الا السقف ( القمارة ) وذلك بسبب أنخفاض منسوب المياه في الفرات الأمر الذي ساعد على انقاذ بعض الغريقات..
يقول تناخينا وكل واحد منا يشد عزم الأخر فقفز الكثيرون منا الى النهر أتذكر منهم خلدون داوود أكرم وصبري السميحي وهو الذي انقذ أكثر عدد من الغريقات لكونه رياضي وسباح ماهر وكان يمسك بسقف السيارة ويدخل احدى رجليه من النافذة فتمسك بها الغريقة ثم يسحبها الى الخارج، ومنهم ايضا راضي جبار وغني قاسم حسن الطنبوري وحسين جهاد المصور والمعلم حسين السلطاني من النجف وسيد محمد سعيد الطلقاني وصبحي رشيد القهواتي ورزاق موسى وعبد الأله البلداوي وجاسم جبر وحسين حطحوط وكاظم الدبي..
ويذكر جواد حمادي الدلي :-ان هناك جسر جديد قيد الانشاء قريب من الجسر الذي حدثت في هذه المأساة وكان كل من سعدون شناوه وسيد يونس السيد عبد البناء يقومان بصبغ الجسر الجديد أثناء وقوع الحادث فتركوا عملهم وتوجهو صوب الحادثة وراحو يسبحون في النهر يشاركون في الانقاذ , ومن المفارقات ان سعدون شناوه وجد ان الفراش الغريق هو خاله شقيق والدته وكان الفراش يرتدي معطفا (قبوط) من النوع الانكليزي مما جعل عملية اخراجه من الماء عسيرة جدا الا بعد ان جردناه من القبوط على حد قول جواد الدلي.. ويقول جواد حمادي الدلي ايضا كنا نستقبل اللواتي يتم انقاذهن لنأخذهن الى البيوت القريبة من مكان الحادث والبعض نقوم بنقلهن الى الحمام لسخونة ارضيته وحرارة الماء الموجود فيه لغرض استعادة نشاطهن ويقول ان سبب موت بعض الناجيات هي برودة الارض في المستشفى وعدم وجود وسائل تدفئة خاصة وان الاجواء كانت باردة جدا .
يقول الدلي ايضا :- ان احدى المعلمات من بغداد خرجت من السيارة ولم تسمح لاي احد ان يساعدها بل كانت سباحة ماهرة فراحت تسبح الى ان وصلت الجرف..
ويذكر الدلي ايضا :- ان احدى الناجيات من الطالبات اخذتها والدته الى بيتهم ودثرتها مع مجموعة من زميلاتها واشعلت المدفئة قريبا منهن وحينما جاء اخوها من الشطرة واسمه رفيق وكانت له علاقة مع بيت الدلي يقول طرق الباب وهو يولول ويبكي بعد ان ذهب الى المستشفى فلم يجد اخته ثم ذهب الى مكان الحادث ولم يجدها ايضا يقول قالت له والدتي ادخل الى البيت وستجد مجموعة من البنات مدثرات لعلك تجدها معهن فلما دخل وتفحص الوجوه وجد اخته على قيد الحياة فكانت فرحته لاتوصف..
وعندما سألت الدلي عن سبب وقوع السيارة في النهر قال :- أن الموظف في دائرة الري والمكلف بمراقبة الجسر وفتح الدوب لمرور السفن والمشاحيف المدعو عبد مشعل المندائي عندما شاهد السيارة تعبر الجسر وهي محملة وقد وصلت الى الدوب الثلاث الموجودة في الوسط والتي هي اكثر مرونة من غيرها بسبب فتحها مرتين في اليوم يقول فصاح على السائق بكلمة السر التي اعتاد السائقون على المنادات بها مع بعضهم واعتاد عامة الناس عليها عندما يريدون ايقاف سيارة وهي (هوب .هوب هوب ) مما ادى بالسائق ان يضغط على كابح الفرامل ( البريك ) بقوة الامر الذي جعل الدوبة تغطس وتنفصل عن اخواتها فكانت المأساة..
ويقول الدلي ان قوة الحادث وخطورة الموقف لم تمنع احدهم حيث راح يجمع ماطفى على سطح الماء من فواكه ومواد اخرى..
عند سماعهم بالحادث هرع سكان المدينة وبالاخص المحلات السكنية القريبة من مكان الحادث وتعالت الاصوات بشحذ الهمم وتوزعت اصوات النساء بين مزغردة تشحذ همم الرجال وبين مولولة تندب الحض العاثر للضحايا.. وكان ذلك اليوم في سوق الشيوخ يوم بؤس وشقاء وارتفعت اصوات المآذن وحركة سيارات الاسعاف التي تنقل الأحياء والأموات الى المستشفى ذات السعة القليلة والامكانية المحدودة..وبما ان الحادث وقع في يوم الجمعة فان المستشفى لايوجد فيه سوى مضمد الخفر وأحد موظفي الخدمة الا ان الموظفين الصحيين التحقوا حال سماعهم بالحادث.. ثم التحق الطبيب وهناك طبيب كان قد اتى زائر لبيت اهله فتطوع للعمل مشاركا في عملية الاسعاف..
وهناك اثنان من المعلمين تبرعوا في بادىء الامر وقامو باجراء الاسعافات الاولية من خلال تنظيف انوف وافواه الناجيات من الغرق.. البيوت فتحت ابوابها والاهالي احضروا الملابس واشعلوا مواقد النار والمدافىء في البيوت مما ساعد على انتعاش حالة بعض الناجيات.. وصلت الوجبة الاولى من الغريقات الى المستشفى وعددهن ثمانية اثنان منهن فارقن الحياة والباقيات في حالة خطرة ثم وصلت الوجبة الثانية عن طريق سيارة الاسعاف وهي تحمل خليط من الموتى والاحياء وكان البرد القارص قد فعل فعلته في الغريقات حيث تحولت اجسادهن الى اجساد زرقاء..تم انتشال 42 جثة من الغرقى وانقاذ ثلاثة وثلاثون منهم وقد ساهم في عملية الانتشال والانقاذ الغيارى من طلاب المدارس والمعلمون والعمال والفلاحون والملاحون والصيادون وقسم كبير من الذين كانو قريبين من مكان الحادث..اصيب سكان المدينة بهلع شديد وهرعت العوائل الى المستشفى والى مكان الحادث..المحلات اغلقت ابوابها.. استنفرت السلطة جميع اجهزتها في القضاء.. تم الاتصال بالشطرة عن طريق دائرة البرق والبريد في القضاء.. جاء وفد من اطباء الناصرية.. وصلت مجموعة من اهالي الشطرة فامتزجت اصوات القادمات من هناك مع اصوات من كن باستقبالهن من نساء سوق الشيوخ واستمرت الحال الى مابعد الظهر حيث تم نقل الجثامين الى مستشفى الناصرية العام ومن هناك الى الشطرة حيث جرت عملية التشييع الجماعي.. باتت سوق الشيوخ ليلتها كئيبة حزينة والدواوين ليس فيها حديث سوى مايتناقله الحاضرون من اخبار لتلك الفاجعة المؤلمة..
الاستاذ عبد الكريم سلمان العرفج وهو ابن سوق الشيوخ وابن واحدة من العوائل النجدية المعروفة والساكنة في محلة النجادة ولايزال بيتهم القديم قائما الى اليوم منذ بنائه الاول.. كان خطاطا بارعا وصحفيا معروفا وكان يعمل خطاط في صحيفة العهد الجديد التي كان رئيس تحريرها زكي احمد ورئيس تحريرها المسؤول خالد الدرة وبما ان العناوين البارزة في الصحف انذاك كانت تعتمد الخط اليدوي فقد عمل الاستاذ العرفج خطاطا في اكثر من صحيفة.. يقول العرفج :-عندما تناهى الى مسامعنا خبر الحادث المؤلم قررت التوجه من العاصمة بغداد الى سوق الشيوخ باعتباري ابن المدينة وكمندوب لصحيفة العهد الجديد فانطلقت متوجها الى الناصرية عن طريق الكوت في الساعة السابعة صباحا من يوم الاحد الموافق 30/12/1962 وفي الطريق تعرضنا لحادث مروري نجونا منه باعجوبة مما ادى الى تاخري عن الوصول الى سوق الشيوخ حتى العاشرة ليلا وقررت حينها بان ابات ليلتي واتوجه الى مكان الحادث صباحا وفعلا توجهت صباح يوم الاثنين الموافق 31/12/1962 الى مكان الحادث والتقيت بالكثيرين هناك ودونت المعلومات ذات الصلة بالحادثة والتقيت المشاركين في عملية الانقاذ كما التقيت سائق السيارة في السجن والتقيت بقائم مقام سوق الشيوخ عبد الرزاق الاسود ومدير شرطة القضاء ومدير معارف الناصرية عبد المحسن توحله والتقطت الكثير من الصور وكنت اود ان التقي متصرف اللواء فوزي جميل صائب لكن لم تتاح لي الفرصة في حينها .
صدر العدد 622 من جريدة العهد الجديد يوم السبت الموافق 5/1/1963وهو يحمل في صفحته الرابعة عنوانا بارزا عن هذه الفاجعة الآليمة (حادثة جسر سوق الشيوخ) وفي الصفحة مجموعة صور للغريقات من بينهن الست ليلى صالح الچلبي مديرة المدرسة والست رجاء ابراهيم الچلبي وعامرة علي الشماع وفوزية جودي وليلى حسين يوسف ومن الناجيات كوار عبد الله الداوودي ومن اسماء المشاركين في الانقاذ ماذكرته الجريدة اعلاه 1- خلدون داوود اكرم 2- اكرم باقي 3- علوان يوسف 4- رزاق موسى 5- محمد اسماعيل 6- صبحي رشيد , 7- خلف عبد 8- جبار مجبل 9- حسين السلطان ,10- جواد حمادي 11- فاضل علي 12- شاكر خلف 13- عبد الاله البلداوي 14- جاسم جبر 15-غني قاسم ,16- حسين حطحوط 17 – ناصر حسين 18 – مزهر شمخي19- كاظم الدبي 20- عودة جايد 21- كاظم حسن 22– جعفر عبد 23- راضي جبار 24- حميد