ما قيمة الوطن .. الذي يتآمر عليه ابناؤه ويقتله سجانه .. وسط بيئة سياسية اجتماعية متريفة .. طاردة للحب والجمال ، ميالة للسوء والابتذال .
ياله من مواطن .. لا يخشى من الظهور امام الكاميرا .. وهو بحالة مزرية ، يمزق ملابسه ، يبكي ويندب حظه .. لانه ولد في العراق .. ومن حوله مدنا تبنى على قدم وساق .
هذا المواطن .. امسى متذمرا معيطا ، مشتما ، مرتبكا ، يلعن اسياده ، ويسب اسلافه ، ويبصق على طفولته وخيباته .
المسؤولون .. يسمعون ، ولا يستحون ، ومن السب والشتم والنقد لا يتعضون ، ومن الظلم لا يخشون .. في غيهم ساهون ، وبالحكم لاهون .
يا سادتي .. لقد افتقدنا عذرية المفردات .. واستهلكتنا العبارات ، فلم يعد البطل بطلا ، ولا الجبان جبانا ، لم يعد الصدق صدقا ، والكذب كذبا ، ولا الاخلاص اخلاصا ، والخيانة خيانة .
لم يعد في قوس الوطن من منزع … لم يعد الدستور دستورا كي يشفع ، ولم يعد القضاء قضاء كي ينفع ، ولم يعد الفساد عيبا وحراما كي يركع .
نحتاج الى حب عظيم يتخطى مفاهيم البشر .. نحناج الى وطن اثير ، يتسع الى نبضات قلوبنا كي نصغي ونسمع ، قبل ان نرقد ونهجع ، نحتاج الى عقد انساني ، يحيل نفوسنا الحائرة ، الى ارادة جبارة ثائرة .
نحتاج الى ( أنسنة ) المجتمع من الوريد الى الوريد .. انسنة نفوسنا ، وتهديب سلوكنا ، كي تعود انسانيتنا .. بعد ان فقدنا سماحة ديننا .. وألفة طوائفنا .. وسعة مذاهبنا .. وهيبة عشائرنا . وقيمة تنوعنا .
نحتاج الى عودة الروح في دواخلنا .
سادتي .. هذا الوطن يقتلني .. وهو في موت معلن ، اراه يمضي في ازقة خفية .. بعد ان فقد مستقبله والهوية ، فتكالبت عليه الهويات .. وما هو آت .. آت .
هذا العراق .. سندمره قبل ان يدمرنا .. وهو يعيش ليوم الموت .. فلا حصانة عنده ولا صوت .
من منا وضع نفسه امام صرخة طفل يولد ، باحثا عن وطن النور ، بعد ان غادر رحم العتمة والشعور .. يبحث عن وطن غير الرحم .. وطن يتسع للجميع ، بعد طرد من يشتريه .. ويبيع .
نحتاج الى بطل قومي يبني لنا دولة مؤسسات .. نحتاج الى قائد “مغناطيسي” يجذب اليه كل انواع السلاح ، من الدبابة الى المسدسات ..ففي بلادي صار كل شيء منفلت و مستباح .. وليس وحده السلاح .
نحتاج الى سياسي .. يحاسبه ضميره و يخجل من نفسه .. مثل عبد المحسن السعدون .. الذي انتحر ، لطرد الشبهات عنه في بلد مجنون .. نحتاج الى رجل ” مبدأ ” يغار على وطنه ، ويضعه في مأمن .. مثل جعفر ابو التمن .
في عراق اليوم .. المسؤول منفلت .. والمواطن منفلت .. والرئيس منفلت والسياسي منفلت .. و رجل الدين منفلت ، والمعلم منفلت والتلميذ منفلت ، والطبيب منفلت ، والمريض منفلت ، والتاجر منفلت ، وصاحب المولدة منفلت ، حتى
“الديكة” تعاني من الانفلات .. بعد ان اختلط عليها وقت الصياح .. وهي في عز الصباح .
الزمن .. هو الارض التي تدور ، وغاليلو الايطالي فقد حياته ، لأصراره على دورة الارض حول الشمس بعلم لا يبور .
في العراق ” العظيم”
.. ما عادت دورة الارض تشغلنا ..
ولا شروق الشمس يغرينا .. ولا غروبها يأوينا .. وليس منا من يصرخ .. بأن البلاد تدور عكس دورة الارض .. وستلعننا وتؤذينا .
هذا الزمن .. غاب عنه الحب ، والاحباب ، لا قيس يشتاق ليلاه .. ولا عنترة يثأر لعبلة .. في بلد تعب من الموت من اقصاه الى اقصاه .
اخيرا .. لم بسلم منهم لا البشر و لا الحجر .. فاطلقوا الرصاص على تمثال السياب .. على شعره ، وعراقه وصوته الوثاب .
لقد سال دم الوطن هذه المرة ، من فم السياب .. هذا الشاعر النحيف بجسده ، المكتنز بعراقيته واصالته .. وهو القائل :
الشمس اجمل في بلادي
من سواها
والظلام حتى الظلام ،
هناك اجمل ..
انتهى ..&
كاظم المقدادي