أخبار العائلة العربية في المهجرمقالات

ذاكرة الحركيين في المناهج الدراسية الفرنسية

#الشبكة_مباشر_بروكسل_الدبلوماسي و الإعلامي حسان البلعاوي

نظم ” بيت الأبحاث الإنسانية ” والذي تراسه الباحثة اللبنانية الصديقة جيهان صفير ، و التابع لجامعة ” بروكسيل الحرة ” ندوه علمية بعنوان ” ذاكرة الحركيين ” تستند الى اعمال الباحثة الفرنسية اود سينول وهي صاحية العديد من الأبحاث والكتب عن القضية الفلسطينية وحاصة في موضوع بناء الدولة والسلطات المحلية .

والمقصود بالحركيين هم قرابة 150 الف جزائري خدموا في الجيش الفرنسي ابان احتلال فرنسا للجزائر ـ والذين تعتبرهم الجزائر خونة انحازوا لجيش الاحتلال الفرنسي ضد ثورة التحرير في بلادهم من 1954 الى 1962.

وبعد استقلال الجزائر،استقبلت فرنسا جزء كبير منهم ووضعتهم في معسكرات شبه منعزلة عن المجتمع الفرنسي وذلك في أماكن متعددة خارج المدن الفرنسية ، وقد بلغ عددهم وأسرهم حاليا في فرنسا نحو نصف مليون شخص ويشكل هؤلاء الحركيون ، وبعد 60 عاما من استقال الجزائر مسالة خلافية بين فرنسا والجزائر .

عملت الباحثة على تحليل الذاكرة المعقدة الناتجة عن حرب الجزائر ، وبشكل خاص ذاكرة الحركيين من خلال دراسة كيفية تناول المناهج الدراسة الفرنسية موضوع الحرب الجزائرية بشكل عام وملف الحركيين بشكل خاص ، حيث تشير من خلال الدراسة التي أجرتها على المناهج الدراسية الفرنسية والتي بينت ان المرة الأولى التي ذكر فيها للحركيين في المناهج الدراسية الفرنسية كان في عام 2018 ، في الوقت الذي تم فيه تناول موضوع ” حرب الجزائر” ( وهو المصطلح الرسمي الفرنسي لتناول احتلال الجزائر لفرنسا طول 132 عاما بدلا مصطلح ” احداث الجزائر ” والذي كان سائدا ) للمرة الأولى في المناهج الدراسية عام 2012.

وأضافت انه بالعودة الى نفس المناهج وجدت فرع دراسي كامل بعنوان ” علاقة المجتمع بماضية ” والذي يتناول مسالتين فقط من هذا الماضي، الأولى تتناول اعمال الإبادة التي تعرض لها اليهود في اوروبا ابان الحرب العالمية والثانية تتعلق بقضية الجزائر .

وتستعرض المتحدثة ما تسميه ” تسيس ” المدرسة العامة في فرنسا والتي بدأت في مرحلة سنوات الثمانين في القرن الماضي، وهي الفترة التي اعتلى فيها اليسار الاشتراكي سدة الحكم في فرنسا ، والذي عمل تدريجيا على طرح مسالة الذاكرة وما تحدثه من مراجعان مؤلمة للماضي وذلك من اجل الوصول الى مصالحة مع هذا الماضي بكل ما فيه من تعقيدات تطال الحاضر .

وقد بلغ هذا التسيس للمدرسة الفرنسية، أوجه عندما صادق البرلمان الفرنسي في فبراير 2005 ، بأغلبية يمينة ، قانونا يقضي بأن تمتدح المناهج الدراسية الفرنسية “الدور الإيجابي للوجود الفرنسي في ما وراء البحار”، أي الاستعمار في البلدان والمناطق التي أخضعت للاحتلال في القرنين الماضيين.

وقد اثار هذا القانون جدلا وساعا في كافة الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية في فرنسا والتي طالبت بإلغاء هذا القانون، كما اثار هذا القانون انتقادات واسعة في بلدان المغرب العربي على صعيد الحكومات والنخب الثقافية والإعلامية وبخاصة في الجزائر والتي ربطت حكومتها التوقيع على معاهدة صداقة مع باريس بالتراجع عن ذلك القانون الذي وُصف بكونه يُشرَع الاحتلال والاستعمار ويُبرَر جرائمهما، وقد اسماه الرئيس الجزائري الراحل عبدالعزيز بوتفليقة ب ” قانون العار ” .

وقد عمل الرئيس الفرنسي الراحل آنذاك جاك شيراك على التخفيف من حدة الجدل بالإعلان أن “التاريخ لا يُكتب بسنَ القوانين وإنما تعود تلك المهمة للمؤرخين”. ثم شكل شيراك لجنة لتحديد دور البرلمان في مجالات الذاكرة والتاريخ، إلا أن تلك الرسالة لم تقلل من الضجة التي اثارها هذا القانون على مستوى بلدان المغرب العربي، ولاحقا حسم المجلس الدستوري الفرنسي بأن تنظيم كتب التاريخ المدرسية يخرج عن دائرة الاختصاصات التشريعية للبرلمان، وإنما هو تنظيمًا إداريًا. وعلى هذا الأساس، تم إلغاء التعديل المتنازع عليه بالقانون.

وطبقا للباحثة اود سينول ، فانه منذ مطلع التسعينات تشكلت في فرنسا جمعيات من أبناء واحفاد الحركيين الجزائريين تطالب الدولة الفرنسية ليس فقط تقديم التعويض المادي عن الذى الذي لحق بإبائهم واجدادهم بسبب ولائهم لفرنسا ومساعدتهم لها ابان احتلالها للجزائر ، بل أيضا إيجاد نصب تذكارية ومتحف ، تعبير فيه الدولة الفرنسية عن امتنانها لإبائهم واجدادهم وقد لاقت هذه الدعوات صدى لدى العديد من الأوساط الرسمية الفرنسية بما في ذلك رؤساء جمهوريات وبرلمانين والذي تم التعبير عنه في قانون فبراير 2005 والذي اثار موجة غضب واسعة لدى بلدان المغرب العربي حيث جاء في احد مواده “تُعبّر الأمة عن عرفانها للنساء والرجال الذين شاركوا في المهمة التي أنجزتها فرنسا في مقاطعاتها السابقة بالجزائر، المغرب، تونس والهند الصينية وفي كلّ البلدان التي كانت تحت السيادة الفرنسية، وتعترف (الأمة الفرنسية) بالآلام التي كابدها والتضحيات التي بذلها المرحلون الأعضاء السابقون في التشكيلات الإضافية والمدمجون، المفقودون والضحايا المدنيون والعسكريون خلال الأحداث المتعلقة بمسار استقلال هذه المقاطعات والأقاليم السابقة، وتعرب لهم ولعائلاتهم بصورة علنية عن عرفناها”.

وأقدم ثلاثة رؤساء فرنسين من اليمين واليسار على مبادرات رمزية تعيد ” الاعتبار ” للحركين منها استحداث يوم وطني في فرنسا في 25 أيلول من عام 2018 لتكريم الحركيين في فرنسا حيث أعلنت الدولة عن تدابير لصالحهم منها تخصيص أربعين مليون يورو على أربع سنوات لمساعدة الحركيين من الجيل الثاني الذين لا يزالون يواجهون صعوبات اجتماعية في الاندماج.

وزادت هذه المبادرات الرسمية الفرنسية من عمق الخلاف مع الجزائر والتي ترى ان هولاءالحركييونهم ببساطة ليس الا خونة خدموا مصلحة المستعمر الفرنسي ضد مصلحة وطنهم .

هذا وذكرت الباحثة ان الدولة الفرنسية وفي اطار سعيها لحلق حوار بين ذاكرات متعددة نشأت من ” حرب الجزائر ” ، وهي ذاكرات متناقضة ومتصادمة ، فقد فتحت المجال للوكالة الوطنية للمقاتلين القدماء وبالتعاون مع وزارة الجيوشبان يتاح للتلاميذ في المدار س الفرنسية الاستماع لأربع روايات في القضية الجزائرية الرواية الأولى لأشخاص قاتلوا في الجيش الفرنسي الذي كان محتلا ، الرواية الثانية لمن يطلق عليهم ” أصحاب الاقدام السوداء ” ( وهم المستوطنين الفرنسين والأوروبيين والذي احضرتهم فرنسا ليسكنوا في الجزائر والذين كانت تستخدمه فرنسا في تضيقهم على الشعب الجزائري ) ، الرواية الثالثة للحركيين والرواية الأخيرة لمناضلين من جبهة التحرير الوطني الجزائرية والتي حاربت الاستعمار الفرنسي.

وتتطرق الباحثة الى المعطيات الجديدة الناشئة عن القضية الجزائرية والتي ما زالت مفتوحة على مصراعيها حتى وبعد 60 عاما من انجاز الاستقلال الوطني الجزائري ، هو انشاء ” الجمعية الوطنية لذو الاقدام السوداء المعادين للاستعمار ” وهم من احفاد المستوطنين الفرنسين والأوروبيين الذي ساهموا في استعمار الجزائر ، والذين يريدون احداث قطيعة مع تراث اجدادهم ويرفضون الاستعمار وهم من جيل تربى على قيم ترفض الاستعمار .

والجديد الثاني هو انخراط العديد من احفاد الحركيين في الحركات الاجتماعية في فرنسا المعادية العنصرية مع الفرنسين الرافضين للعنصرية ومعاداة الأجانب ومع احفاد المهاجرين القادمين من المغرب العربي ، بما فيهم الجزائريين ، والذي قدموا فرنسا ابتداء من سنوات الخمسين ، والذي تولد دينامكيات جديدة في علاقات بين اجداد ينتمون لنفس الوطن ، بعض النظر عن تاريخ الأجداد المتناقض ، وقد نتج عن هذه المعادلات الجديدة حالات تصاهر عديدة وزيارة العديد من احفاد الحركين لوطنهم الام الجزائر واستقراهم به .
كما ان هناك مجموعات من احفاد الحركيين من يريدون احداث قطيعة مع ماضي اجدادهم ويرفضون ان يتم تعريفهم بحركيين او حتى كفرنسيين بل كمسلمين والبعض منهم لا يتردد بالانتماء للحركات الإسلامية الأصولية والتي تنتشر في الاحياء الفرنسية المهمشة في ضواحي باريس والمدن الكبرى .

الجديد الثالث ومع صعود اليمين المتطرف في فرنسا والذي حقق نتائج غير مسبوقة في الانتخابات الرئاسة الفرنسية ( مايو 2022 ) حين حصدت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين ( وهي ابنة مؤسس الجبهة القومية الفرنسية ، أي اليمين المتطرف ، جان ماري لوبين والذي كان هو نفسة ضابط في صفوف الجيش الفرنسي المحتل للجزائر ) نسبة 42 بالمائة في الجولة الثانية في الانتخابات في

مواجهة ايمانويل ماكرون ، فقد عادت ظاهرة تمجيد ” الجزائر فرنسية ” والني تأخذ اسم Nostalgeria أي الحنين للجزائر الفرنسية ومحاولة إعادة الاعتبار لظاهرة OAS أي منظمة الجيش السري والتي تشكلت من ضباط من الجيش الفرنسي في الجزائر والذي رفضوا قرار الجنرال شارل ديغول بفتح الحوار مع جهة التحرير الوطني الجزائرية تمهيدا لخروج فرنسا من عش الدبابير الجزائري بل حتى حاولوا قتله .

ما طرحته الباحثة الفرنسية المجدة في ندوتها يظهر ان الملف الجزائري ما زال شائكا ان لم يكن مشتعلا، وما يتفرع منه من العديد من القضايا والتحديات الرئيسية في فرنسا ، ان تعلق الامر باللغة العربية ، بالنظرة للدين الإسلامي ، بالعنصرية ، والعديد من المسائل الأخرى ومنها القضية الفلسطينية والتي تستحق العودة لها ، في مقال اخر من خلال المقاربة مع القضية الجزائرية كما وردت في هذه الندوة القيمة .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى