تسبب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 في تدمير الدولة ، والبنية التحتية من ماء وكهرباء ومؤسسات صحية وتعليمية وطرق وخدمات . كما تسبب في التشويش الفكري لعدد من المواطنين ، احتاج الى سنوات عديدة لعودة الوعي لدى اكثرهم . كما تسبب في اضطرابات إقليمية شملت أغلب الدول العربية لم تنته لحد الان .
ونتيجة للمقاومة الباسلة تجاه المحتل الامريكي وللكلفة الباهضة لبقاءه في العراق . تقرر الانسحاب الجزئي منه. وتقاسم نفوذه مع حكم الملالي في إيران ، العدو اللدود للعراق وشعبه .
فتسبب ذلك في اقامة شبكة من الميليشيات التابعة للحرس الثوري ، خصوصا بعد تسهيل دخول تنظيم الدولة الارهابي لبعض المدن المهمة في العراق ، مما سمح لها بالهيمنة على مؤسسات الدولة تحت غطاء محاربة الارهاب ، وهي تتشاطر مع امريكا بهذه الذريعة ايضا”.
ان انتشار الميليشيات الموالية للنظام الايراني ، والعصابات المنظمة المدعومة من الاحزاب السياسية والدولة العميقة ، جعلها كالاخطبوط ، بعد سيطرتها على المؤسسات الامنية ، واستحواذها على اقتصاد الدولة ، حتى اصبح العراق من اوائل الدول الفاشلة .
كل ذلك امام انظار مبعوثة الامم المتحدة والسفارة الامريكية ، دون ان يحركا ساكنا .
وقد طورت إيران مع الولايات المتحدة ، استراتيجية تخادم مشترك في العراق للسيطرة على موارده واخضاع شعبه لسياسات ممنهجة طويلة الأمد .
حتى بات معروفا للقاصي والداني عدم تعيين اي رئيس وزراء عراقي دون توافق امريكي ايراني عليه .
ان هذا التدخل المريب وغير السوي في ادارة العملية السياسية في العراق ، قد تسبب في تكريس المحاصصة ، وما تبعها من فساد وفوضى امنية عرضت العراق وشعبه الى مخاطر عديدة .
كما انتشرت الامية والبطالة والمخدرات ، ووصل الفقر الى معدلات قياسية في بلد يعد من اغنى دول العالم بموارده الطبيعية .
ورغم الاختلافات الامريكية الايرانية التي تتصاعد باستمرار ، وخصوصا فيما يتعلق بالاتفاق النووي . او تقاطعهما في بعض الاحيان ، فان ذلك لم يؤثر على تعاونهما المستمر لبسط نفوذهما في العراق .
لايمكن للولايات المتحدة الأمريكية
التخلي عن العراق ، حيث يعد من المصادر المهمة لامدادات الطاقة الى امريكا والعالم الغربي .
كما انه يتمتع بموقع استراتيجي لاغنى عنه ، وبقاء القواعد الامريكية فيه يمثل مجالا حيويا لها في المنطقة .
اضافة الى ان العراق قد اصبح ساحة مهمة للمنافسة بين الصين وأمريكا .
اما بالنسبة لايران فلديها اطماع قديمة ، تتجدد كلما سنحت الفرصة لها لاحتلال العراق ، او على الاقل الهيمنة عليه .
اضافة لاهميته الجيوسياسية لكونه امتدادا بريا للوصول الى سوريا ولبنان ولعب دورا اقليميا مهما لها في اية تسويات سياسية في المنطقة .
كما يوفر العراق مزايا اقتصادية عديدة ، حيث يعتبر سوقا كبيرا للمنتجات الايرانية ، اضافة الى تهريب العملة . وهذا الجانب له ابعادا سياسية وعسكرية ايضا ، حيث عن طريق العراق استطاعت ايران التهرب من كثير من العقوبات عليها ، والتحكم باقتصاده لتمويل الميليشيات التابعة لها في العراق وسوريا ولبنان .
وقد ادارت ايران عن طريق الحرس الثوري شبكة من الميليشيات ، تستطيع بواسطتها فرض اجندتها السياسية في العراق ، وتحقيق مشروعها في تصدير الثورة والتمدد في المنطقة وتهديد دولها .
ان تبادل المصالح الامريكية الايرانية في العراق يمثل احتلالا مزدوجا . وهو استعمار اقتصادي شبه عسكري تحت غطاء محاربة الارهاب من جهة ، اوحماية المقدسات من جهة اخرى .
والشعب العراقي بكل اطيافه يدفع ثمن هذا الاحتلال المزدوج ، ولايمكن الفكاك منه الا بتغيير موازين القوى في المنطقة ، او بانتفاضة عارمة جديدة ضد الاحزاب الحاكمة التي تسهل باستمرار التدخلات الاجنبية لضمان بقائها في السلطة ، والسطو على موارد وقوت الشعب المغلوب على امره .
وعندئذ فقط يمكن وقف التدخلات الاجنبية بشؤونه الداخلية ، وتحقيق الاستقلال الناجز للعراق كدولة مسقلة ذات سيادة تليق بشعبه العريق .
ادهم ابراهيم