أخبار العائلة العربية في المهجرمقالات

الأبعاد الصوفية في الديانة اليزيدية

#الشبكة_مباشر_باريس_المحامية علياء بايزيد إسماعيل

التصوف بابسط ملامحها هي ظاهرة انسانية دينية ذات طابع روحاني عام عابر للمعتقدات , يجمع التراث الانساني في خطاب روحاني صوفي موحد لا تحده لا زمان ولا مكان , لا دين ولا جنس , يسعى لاكتشاف حقيقة الوجود من خلال التامل وصفاء القلب والتخلي عن رغبات الجسد للوصول الى معرفة الله . “ فالله هو كل شيء , وكل شيء هو الله , وجوده يسري في كل شيء .” كما وصفه الفيلسوف سبينوزا في كتابه علم الاخلاق

حيث يعيش المتصوف حالة الخشونة من التقشف والزهد وينفصل عن العالم الخارجي في خلوة روحانية للتفكر في حقيقة الموجودات في حالة من العشق الالهي لاستحضار صورة الله والتقرب والتوحد معه ورفع الحجب وكشف المستور عبر حالة الاشراقة والفيض الالهي .

فليس التصوف وقفا لدين دون دين اخر , ولا لامة دون امة اخرى , انما هي نتاج حركة تسامي في الروح الانسانية ,من خلال تجربة شخصية يمر بها كل متصوف . فالغاية واحدة عند جميع المتصوفين لكنها تختلف في تاويل كل متصوف لتجاربه من حيث تجاربه العقائدية . وهي بذلك ليست تجربة عامة مشتركة , بل هي نسبية , اختلفت طرق ادائها , بينما اتفقت في اهدافها من حيث انها جميعها تسعى الى التقرب الى الله .

في كتابها ” الابعاد الصوفية في الاسلام وتاريخ التصوف ” تلقي المستشرقة
الالمانية انا ماري شمل الضوء على خفايا النفس المليئة بالاسرارالباحثة دوما عن الحقيقة , وتفسرالسبب الذي خرج فيه الصوفيون الحقيقيون عن الاوطان وساحوا في البلاد واجاعوا الاكباد واعروا الاجساد ولم ياخذوا من الدنيا الا مايجوز تركه من سترعورة او سد جوعة

والتصوف هي طريقة وفكرة ظهرت في الفلسفة البوذية والهندوسية واليونانية القديمة , لاعلاقة لها لا بالاسلام ولا باي دين او مذهب بل هي سابقة عن الاسلام بمراحل تاريخية عديدة . نادت بفكرة ” الفناء في الله ” اي النيرفانا او الخلاص و ” وحدة الوجود ” و” الاتحاد والحلول ” و”تناسخ الارواح ” و ” لبس الخرقة الصوفية المقدسة ” , ومنها انتقلت الفكرة الى الديانات الفارسية القديمة وانتشرت في خراسان , ومن ثم الى الديانات الابراهيمية , في فكرة ” الكابالا ” اليهودية , و”الرهبنة ” النصرانية و” التصوف والدروشة ” الاسلامية و”الفقراء ” عند اليزيدية .

والفقراء هم المتصوفة لابسي” خرقة الشيخ عدي ” والتي هي ابرز رمز صوفي , طبقة من الكهنة او النساك العابدين الزاهدين العازفين عن الدنيا ونعيمها يبتغون كسب الاخرة , وفي رقبتهم ” المفتول ” المقدس ويلبسون ” الكلك ” المقدس على روؤسهم . ويتم تسليمهم الخرقة من قبل البابا شيخ في مراسيم وطقوس دينية خاصة , وهي علامة التفويض والتسليم بين الشيخ والمريد . ولا تسلم الخرقة للفقيرولا تلبس الا بعد ظهورعدة كرامات لصاحب الخرقة .
فلبس خرقة التصوف تعتبر اهم مرحلة فاصلة في حياة الفقيرالمتصوف اذ تعنيدخوله حياة التقشف والزهد والتخلي عن الحياة الطبيعية .

والفقراء يمكن ان يكونوا من اي طبقة دينية . فعند شيوخ القاتانيين , في عائلة الشيخو بكر وعند شيوخ الادانيين في عائلة الشيخ حسن , وعند البير في عائلة اومر خالا , وفي المريد في الكواجك والفقراء وهي وراثية في هذه العوائل . ولايوجد فقراء في شيوخ الشمسانيين لانه وبحسب قول ” قره فرقان ” ان الخرقة الاولى سلمت الى ملك فخر الدين الا انه لم يقبلها لكنه استلم الخرقة ووزعها على بقية العوائل لكنه حرم نفسه وعائلته منها .
والخرقة في الديانة اليزيدية هي خرقة الشيخ ابو بكر والتي تعد خرقته اول خرقة كما ورد في قول ” ز سبه يكيت عه دويا ” . حيث يحظى لابسي الخرقة بخصوصية دينية واحترام وتقدير كبيرين لانهم ينهجون المنهج الصوفي في تعبدهم وزهدهم وتقشفهم وتفرغهم للعبادة وصوم اربعينية الصيف واربعينية الشتاء .

واول المتصوفة واشهرهم هوالشيخ عدي بن مسافر 471ـ 557 ه / 1078ـ 1161 م , شخصية كانت ولاتزال تثير الكثير من الجدل واهتمام المؤرخي والباحثين . ورغم تباين الاراء حوله الا انه يمثل رمزا مقدسا في الديانة اليزيدية . وهو قطب من اقطاب الصوفية المشهورين ولهذا اطلق عليه لقب ” تاج العارفين “و ” ابو الفضائل ” والذي كاد ان ينال النبوة بالمجاهدة لتعبده وتقواه , صاحب العديد من الكرامات والمعجزات التي فاقت كل التصورات والتي بدات مع ولادته . ومن اهم كراماته انه فجرماء زمزم في لالش بعصاه بحضور الشيخين المتصوفين احمد الرفاعي وعبد القادر الكيلاني , حتى ذكره الشعراني في الطبقات الكبرى والحنبلي في قلائد الجواهر والنبهاني في جامع كرامات الاولياء.

ولو استقرئنا التاريخ جيدا وما احاط تلك المرحلة التي وصل فيها الشيخ عدي بن مسافرالى منطقة لالش من احداث وظروف اجتماعية وسياسية , لادركنا اسباب التفاف الناس حوله بهذا الكم الهائل , فمن ناحية كان هناك انتشار للفلسفات الشرقية القديمة من بوذية وهندوسية وفارسية في تلك المناطق , وانتشار الاديان المجوسية الفارسية القديمة كالزرادشتية والمانوية والمثرائية من ناحية اخرى . اضافة الى ان الخلافة او الدولة العباسية كانت تمر بفترة تحولات سياسية متقلبة وضعف الدولة وتفككها الى دويلات في الاندلس وسقوط بغداد ودخول هولاكو وظهور حكم المماليك والدولة الاخشيدية في مصر والمرابطية والفاطمية في شمال افريقيا والسلجوقية والامارة العقيلية والراوندوزية والديلمية في العراق والحمدانية في حلب والقرامطة في البحرين والبصرة والبويهيون في بلاد فارس . هذه الاوضاع مهدت الى تسهيل رحلة الشيخ عدي بن مسافر في المنطقة واستقراره فيها , اضافة الى رغبة الناس الى التوحد برابط مشترك يجمعهم ويدعوهم الى العيش المشترك بسلام بدل الملاحقات والغزوات والتناحر الدائم .

فالشيخ عدي بن مسافر قاد ثورة روحية صوفية جمع فيها كل المعتقدات والفلسفات الدينية في طريقة صوفية واحدة جامعة مشتركة فيها التسامح والتسامي والتزهد والتعبد . فكثراتباعه ومريديه وامنوا به وعظموه الى حد الغلو به . ووصل الغلو به الى مقام” الالوهية ” والتي هي من احدى ركائز التصوف في الحلول والاتحاد الى جانب وحدة الوجود ,
والحلول عند المتصوفة هو حلول جزء من ذات الله في بعض مخلوقاته . والحلول يكون اما ” حلول خاص ” وهو ان يحل الله في الناسوت في بعض مخلوقاته ممن اصطفاهم كالسيد المسيح والحاكم بامر الله الفاطمي والشيخ عدي بن مسافر . او ” حلول عام ” وهو قول المتصوفة من ان . جزء من ذات الله تحل في جميع مخلوقاته
والاتحاد كما يقول السيوطي في الحاوي للفتاوي ان لفظة الاتحاد اشارة من المتصوفة الى حقيقة التوحيد والاتحاد هو المبالغة في التوحيد , وقول البسطامي ” سبحاني ما اعظم شاني ” قصد به تسليم امره بالكامل الى الله وترك ارادته دون ارادة الله والتعبيرعن شدة محبة الله والفناء في ارادة الله . والذي عبر عنه الحلاج بمقولته ” انا من اهوى , ومن اهوى انا ” و ابن العربي ” مافي الجبة الا الله ” وقوله في فصوص الحكم ” ماعبدوا الاقوام الله الافي صورة الاجسام ” ما هو الا دليل على فكرةالحلول والاتحاد مع الله
وعندما قال الحلاج ” انا الحق ” قيل عنه انه كفر بادعاء الالوهية لنفسه , ولكنه كان في الواقع ينفي نفسه واثبات الله وما هو الا من صنع الله ويدعو الناس لرؤية صنع الخالق .

والحلول تعني ان الله حل في بعض خلقه وامتزج بهم بحيث تلاشت الذات الانسانية في الذات الالهية فصارت متحدتين واصبح المخلوق يوحى اليه من الله الخالق من السماء .

اي اتحاد الناسوت باللاهوت وهي فكرة صوفية قديمة وموجودة عند النصارى عندما حل الله في جسد السيد المسيح , وعند الدروز والحلول في الحاكم بامر الله , وعند بعض غلاة الشيعة والحلول في الامام علي بن ابي طالب وفي الائمة في الامام جعفر الصادق , وفي اليزيدية في الشيخ عدي بن مسافر ” .
وفكرة الحلول تتجسد في الديانة اليزيدية في شخصية الشيخ عدي بن مسافر فقد ورد في قول ( به دشا ) اي الرب
به دشا من ئه يكه مه عبودا
به دشا من ره بي صه مدا
ره بي موسا وعيسا ومحمد
ره بي شيخي من ئاديا
“و في قول شيخادي ميرا ” شيخادي بخو به دشايه .
” وفي قول كانيا مارا ” شيخادي و سلتان ئيزي وتاوسي مه له ك ئيكن .. معنا زي نه كن
” وفي قول ايمان ورد ” ئه م كيمن وخودي وشيخادي ته ما مه

وفي القول ” شيخادي به دشايه شيخو بكر مولايه “. فالله كما ورد في مصحف ره ش خلق الدرة من سره ومنها خلقت الملائكة السبعة وفي اليوم السابع جعل الله طاووس ملك رئيسا للملائكة وبالنزعة الحلولية الصوفية تجسد نور الله في الشيخ عدي باعتباره روح طاووس ملك .

وهذا يفند زعم البعض من انه كان مسلما من اهل السنة والجماعة. حيث نسبت اليه العديد من
الابيات والاقوال زورا بقصد النيل من مكانته . فالشيخ عدي لم يكن مسلما ولم يدع يوما لاية افكار وتعاليم اسلامية , ولم يكن يصوم رمضان بل كان يصوم اربعينيتي الصيف والشتاء , ولم يصلي صلاة المسلمين بل كان يدعو الله في كل شروق وغروب للشمس ولم يكن يؤمن باي وسيط بين الانسان وبين الله ولم يؤمن بالانبياء . لان ماياتي به الانبياء اما ان يكون معقولا او غير معقول , فان كان معقولا كفانا العقل عنه وان لم يكن معقولا فهوغير مقبول ولهذا لاحاجة لنا للرسل ولا النبياء .
وان صح القول بانه كان مسلما كما يدعي البعض فما السبب في قيام الحملات الاسلامية بشن الهجوم بين الحين والحين على مرقده في لالش ونبش قبره ان لم يكن ينادي بافكار واراء صوفية . كحال بقية المتصوفين الذين تم تعذيبهم والتنكيل بهم لارائهم التي هي في الاساس ضدالاسلام

“وفكرة الحلول لم تتجسد في الشيخ عدي فقط بل تعداه الى بقية الاولياء والخواص ” الخاسين كالشيخ حسن ” مليشخسن ” والشيخ شمس الدين “مليشيشمس ” والشيخ فخر الدين ومحمد رشان اوبير ره ش حيران والشيخ شرفدين والشيخ مند والشيخ ابو بكر والشيخ ناصر الدين والشيخ سجاد الدين واخرون هؤلاء كانوا متصوفة عابدين ناسكي حلت فيهم روح الملائكة يحققون المراد وتطلب شفاعتهم بالدعاء بحسب الادب الشفاهي الديني :

يوم الاحد خلق الله الملك عزرائيل وهو ملك شمس الدين وسره من سر السيد المسيح
يوم الاثنين خلق الله الملك دردائيل وهو ملك فخر الدين اله القمر
يوم الثلاثاء خلق الله الملك ميخائيل وهو ملك امادين
يوم الاربعاء خلق الله الملك اسرافيل وهو طاووس ملك
يوم الخميس خلق الله الملك زرزائيل وهو ملك سجادين
يوم الجمعة خلق الله شمخائيل وهو ملك ناسردين
يوم السبت خلق الله الملك نورائيل وهو سلطان ئيزيد

يضاف الى ذلك انه والى يومنا هذا في حالة الدعاء لشخص ما بالخير كالنجاح او التوفيق او الدعاء عليه بالسوء والابتلاء فانها تطلب من الله او من طاووس ملك او السلطان ئيزيد اوالشيخ عدي او الشيخ شمس او الشيخ مند او الشيخو بكر او الشي ناسردين او الشيخ سجادين او شيخ فخرادين وهناك خاتونا فخرا يطلب الدعاء منها للنساء في حالات الولادة وعسرها , وكذلك الحال في حالات الوفاة فان عبارات العزاء التي تقال لعائلة المتوفي ” ره حمه شيخادي لي بيت ” وكذلك هناك عبارات وادعية متداولة مثل ” رزق ال كفا شيشمسا ” او” شيشمس مه فري ميا ” كل هذه الاسماء انما هي تجليات الهية او فيض الهي ويبقى اسم الله هو الذي يجمع كل هؤلاء على صفات الله .

وقد رفع الشيخ عدي سقف المعرفة الالهية بفكرة التجلي الصوفية . حيث يقول عن التجلي ” ان
الله يتجلى في جميع مخلوقاته , وماهذا العالم الا مجرد صور ومظاهر للتجليات الالهية . فان نظرت الى الماء رايت انعكاسا لك وهو دليل على عظمة الخالق الذي خلقك ونفخ فيك من روحه .وخلق كل بني ادم على صورته” فهناك عالم ظاهري وعالم باطني والتجليات ماهي الا رموز تساعد على امكانية الرؤية الكونية من خلال المجاز . وكذلك فكرة الوجود والعدم فليس هناك مفهوم للعدم لان كل الموجودات كامنة في الممكن والكامن في عبارة ” كن فيكون ” من خلال النفخة او الروح الالهية

وقد صاحب الشيخ عدي اشهرمتصوفة عصره كالدباس والكيلاني والرفاعي والسهروردي وعقيل المنبجي الذي البسه خرقة التصوف

.

واضافة الى هؤلاء فان الاقوال الدينية او مايعرف بالادب الشفاهي الديني فيه العديد من الاقوال الخاصة باشهر الصوفيين مثل قول الحلاج الذي اختص بنص ديني كامل , ورابعة العدوية شهيدة العشق الالهي والتي اشتهرت بعبادتها بالحب الالهي للوصول الى رضا الله المحبوب حتى دون رؤيته و التي افرد لها ايضا نص ديني كامل ولها مزار في لالش حيث يقاد فيه الزيت كل يوم اربعاء وجمعة , وكذلك كل من الجنيد وقضيب البان ومعروف الكرخي وابراهيم بن ادهم او ملحمة مير ابراهيم ادم التي تدور احداثها في خراسان ولالش وصراعه مع الظلم والاستبداد , وحسن البصري وشمس الدين تبريزي او شمسي توريزي الذين لهم اقوال دينية خاصة في الادب الشفاهي الديني وليست سبقات او ابيات معدودة في قول ما , فان دل هذاعلى شيء فانما هو برهان ودليل قوي على تاثير الافكار الصوفية وبقوة على الديانة اليزيدية .

وهناك ايضا طقس السما اوالسماع الصوفي الذي هو طقس ديني مهم تقام في معبد لالش حيث يقوم رجال الدين بالدوران حول النار المقدسة على وقع صوت الدف والشبابة وترتيل النصوص والاقوال الدينية من قبل القوالين . وهي مشابهة لحلقات الذكر الدرويشية المولوية التي اسسها جلال الدين الرومي حيث ترتبط الموسيقى الدينية بالمناسبات ومواسم الاعياد الدينية وحتى في حالة دفن الموتى والتعازي مع ترتيل القوالون للاناشيد الدينية , وهي ماخوذة من الطرق الصوفية
نخلص من كل مما تقدم ان هناك مشتركات بين الديانة اليزيدية وبين التصوف كما مع بقيةالاديان الاخرى من ان الله واحد حي حقيقي وكل الطرق تؤدي الى الله رغم اختلاف سالكيه.
وكل انسان يحمل جزء من روح الله الذي خلق الانسان ونفخ فيه من روحه.

.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى