محطة لتوريد المخدرات
العراق، الذي كان نظيفا من المخدرات، قبل احتلاله، جعلته إيران مستهلكا للمخدرات، ومحطة لتصدير هذا السم الأبيض إلى دول الجوار، وخطورتها طالت حتى النساء العراقيات.
كانت قوانين المخدرات، في العراق، تنصّ على الحكم بالإعدام، حتما، على المتاجرين بها وبالسجن المؤبد على متعاطيها. وخففت هذه الأحكام، بعد الاحتلال. وأوضح قاضي التحقيق المتخصص بدعاوى المخدرات علي حسن كامل، في تصريح صحافي سابق، أن العقوبات، المقرّة للمتورطين بجريمة المخدرات، مختلفة بحسب الفعل المنسوب إلى المتهم سواء كان تعاطيا أم متاجرة.
ويصل الجزاء بالنسبة للمتعاطي إلى السجن لمدة 15 سنة وقد يتراجع إلى الحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، بحسب ما معروض والظروف المحيطة، أما إذا كان التعاطي في المعركة وأثناء مواجهة العدو فإن عقوبة المدان، هنا، السجن المؤبد، و(قد) تصل العقوبة إلى الإعدام بالنسبة لمن يتاجر بالمخدرات.
وأصدر القضاء العراقي قبل سنوات تقريرا دوريا أشار فيه إلى “تزايد خطير” في ظاهرة تعاطي المخدرات لاسيما النوع، الذي يطلق عليه اسم الكريستال، وبخاصة في صفوف الشبان والشابات بالأحياء الفقيرة في ضاحية الرصافة ببغداد.
وأشارت إفادات المتعاطين، التي استخلصت من تحقيق القضاء العراقي مع عيّنة منهم بلغت 100 متعاط، إلى أن أهم أسباب تعاطي المخدرات هي رفقاء السوء والاندماج مع الأصدقاء، الذين يتعاطون المخدرات بنسبة 41.66 بالمئة.
وإذا أردنا أن نتحدث بلغة الأرقام، فإن التقرير المذكور، يورد أن الذكور أكثر تعاطيا للمخدرات بنسبة 89.79 بالمئة، بواقع 6672 موقوفا في مراكز الاحتجاز. أما الإناث فتبلغ نسبتهم 10.2 بالمئة، بواقع 134موقوفة، وأن الفئات العمرية الأكثر تعاطيا للمخدرات هي فئة الشباب، وتحديدا الفئة العمرية من 29 إلى 39 سنة بنسبة 40.95 بالمئة، تليها الفئة العمرية من 18 – 29 سنة بنسبة 35.23 بالمئة.
وهذه الأرقام وردت، أيضا، في تصريح لعضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، الذي اعتبر أن المخدرات أصبحت ظاهرة تهدد الأسرة والمجتمع في العراق وذلك لآثارها الخطيرة، التي بدأت تستهدف فئة الشباب من الجنسين.
ويوضح التقرير أن هناك تجارا يسعون لنقل تجربة صناعة مادة الكريستال واستحداث مصانع لهذا الشأن بعضها قيد الإنشاء في العراق، وأن عدد قضايا المخدرات في عموم العراق شهد (ويشهد الآن) تزايدا مستمرا ينبغي الوقوف عليه وإيجاد جميع الجهات ذات العلاقة المعالجات اللازمة له، فقد بلغت المعدلات في الرصافة وحدها نحو 50 قضية خلال اليوم الواحد.
ومعروف أن شحنات الكريستال تدخل إلى العراق، ليس من الأرجنتين البعيدة عن العراق، كما زعم رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي،في وقتها وإنما من إيران بوساطة تجار متخصصين بتهريب المخدرات، وتساعد هؤلاء التجار، في إدخال الكريستال، سهولة نقلها وضعف الإجراءات الرقابية في المنافذ الحدودية، وهناك موادّ أخرى لها سوق في المدن العراقية منها الحشيش والهيروين، لكن نسب تعاطي الأخيرين قليلة جدا مقارنة بالكريستال، لأنها موجودة في بلدان بعيدة ويصعب نقلها إلى العراق.
وشهد العراق، بعد الاحتلال، تفجير الميليشيات الإيرانية محالّ بيع الخمور، بنحو لافت، لتسهيل انتشار تجارة المخدرات. وهو أمر يعرفه العراقيون جميعا. ولكن اختراق العراق عن طريق المخدرات، بدأ عقب نهاية الحرب الإيرانية العراقية ونشطت المجموعات الإيرانية في التسلل والتهريب بقياده خلايا الأحزاب النائمة، خلال سنوات الحصار، لكن مؤسسات الدولة كانت لها بالمرصاد، فضلا عن الحصانة الاجتماعية.
ومن أراد أن يطلع على خارطة السموم البيضاء، كما تذكر دراسات المنظمات الدولية، فعليه أن يفتش عنها في الأحزاب الدينية، التي خصصت أجهزة تابعة لها لإدارة ترويج المخدرات من الألف إلى الياء، دورة كاملة من عمليات منتظمة وفق آلية عمل ما بين قوة القدس (الحرس الثوري) وأحزاب إيران وبعض مؤسسات الحكومة (التجهيز، الإعداد، منافذ التهريب) ثم دور مافيات الأحزاب وميليشياتها للقيام بمهام (الترويج، والتوزيع.. إلخ).
وسبق أن أكدت المنظمات الإنسانية وجود معلومات موثقة عن دخول المخدرات إلى المدارس، مبيّنة أن التعاطي بدأ بين بعض الطلبة في المراحل المتوسطة والإعدادية، وأن العراق بدأ يتحول من بلد مرور إلى مرتع للتعاطي ومقر لتجارة المخدرات. ولفتت إلى أن هناك رؤوسا كبيرة في الدولة تساند شبكات التجارة هذه، كما أن هناك مخابرات دولية تعمل على ترويجها بالعراق.
وسبق ان
كتب إليّ الناشط الحقوقي العراقي الدكتور مهدي الحبيب، المقيم في باريس، أن تحطيم المجتمع العراقي أخلاقيّا أول أهداف نظام ولاية الفقيه، وترويج المخدرات داخل المجتمع العراقي وتغذية إيران لها، عبر المنابر التابعة لها، والتي تروّج الخرافات والأكاذيب والأساطير، هدفه الأول استهداف المرأة والأطفال بهذه المخدرات، لأن نجاح المجتمع وتقدّمه يقوم على أساس تفعيل الوظيفة الاجتماعية للمرأة بتربية الأطفال وحماية الأسرة بغياب الرجل في العمل لإعاشة الأسرة، فإذا سقطت المرأة في فخ المخدرات سهل تخريب الأسرة بالكامل، كما يسهل استعمالها ضحية في الدعارة الجديدة، وهي المتعة، أما استهداف الأطفال واستغلال مراهقتهم وحرمانهم الجنسي فالغرض منه القضاء على مستقبل المجتمع العراقي الذي يبنيه الشباب.
وهكذا حوّلت أحزاب ولاية الفقيه العراق إلى مركز رئيسي ليس للترويج في داخل العراق فقط، بل إلى مملكة للمخدرات تصدر سمومها إلى الخليج العربي وإلى بلاد الشام.
د. باهرة الشيخلي
كاتبة عراقية