بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل أرغب بالمشاركة بقصة واقعية لطفلة في موقع الشبكة
بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل أضع بين أيديكم قصة فاطمة” الطفلة -الرجل”
حلقة 1
موت الأب فجيعة،ولكنها مصيبة عندما تكون فاطمة طفلة لم تمح أميتها، وليس لها تكوين أو تأهيل، لا تتوفر على مورد رزق، وهي أكبر الأخوات!
هاذم اللذات يطرق باب أسرة فاطمة،ليأخذ تاج البيت ورأسه،ويترك زوجة لاحول لها ولا قوة مع كومة من الأفواه ، أكبرهم فاطمة!
من أنت يا فاطمة؟ لم الجميع يشير إليك؟ ما سرك؟
فاطمة ذات الخامسة عشرة…سنها هذا لا يتلاءم مع مظهرها،فمن رآها خالها ابنة العاشرة.قصيرة القامة ،مسلوبة القوام،ضعيفة الجسد،تظن أنها لا تسمع ،ولا تفهم!!!
يجتمع أفراد العائلة والجيران أيام العزاء،والكل يتوجه إلى فاطمة كمسؤولة عن جميع الخدمات،فلا كلام إلا معها،ولا استشارة إلا معها،عجيب أمر الخامسة عشرة هذه؟الأم من جانبها تنادي على فاطمة ولا تطلب أي واجب إلا منها…فاطمة فاطمة،فاطمة،بنت مسؤولة،فاطمة هي ابنة الفقيد الذي كان يطلعها على كل أسراره وأعماله…وانت يا فاطمة ،ما رأيك في كل ذلك؟ أين أنت من الماضي والحاضر؟ هل فعلا قبلت بالدور المنوط بك؟ هل أنت مستعدة وقادرة عليه؟؟؟
” والله لا أعرف ما أفعله، لقد مرت سنة بعد وفاة الوالد،ولم يتبق لدينا أية نقود…لقد صرفت كل ما ترك لي عمي بعدما أخذ المال الآخر…وقد جنى الزيتون،وعصره،ولم نتوصل إلا ببعض لترات من الزيت وبعض حبوب الزيتون..سألته عن السبب وكيف كان أبي يأتي بالكثير،ويبيع الآخر ونحتفظ بالباقي طيلة السنة.فأخبرني أن والدي رحمه الله لم يترك رجلا بعده،فلو كنت رجلا لاستطعت أن أرعى حقي وحق أمي وإخوتي.وختم كلامه بأنه يقترح علي شراء المزرعة وكل الحقول…”
لم أجد شخصا أستشيره ،لأن أمي تريد المال فقط،ولا تفكر في كيفية الحصول عليه ولا مآل بيع كل حقوقنا لعمي.في الأخير وأمام العجز الكامل استجبت لعمي الذي قاضاني مبلغا زهيدا مقابل كل ما ترك والدي.
عشنا بخير لبضعة أشهر ثم بدأ المال ينضب،فاقترحت الحاجة السالكة على أمي أن أشتغل معها في بيتها الكبير الذي تملكه في المدينة وهكذا ترسل شهريا لأمي أجرتي!
كانت أول تجربة للخروج من القرية في اتجاه المدينة بالنسبة لفاطمة،بحيث أنها لم تغادر الدوار إلا للسوق الأسبوعي الذي يعقد بالقرية رفقة والدها المرحوم.
اغتسلت فاطمة ولبست أجمل لباسها وجمعت بعض الملابس،وتوجهت بدموع منسابة وقلب منكسر ، لتودع أمها وأخواتها .حضنتها أمها قائلة:” عليك نتكل ،فأنت رجلنا،أنت رجل الدار،اذهبي في رضاي،فقد حملك والدك رحمه الله مسؤوليتنا،لاحول ولاقوة لنا إلا بك أنت…فلا تقنطي وفكري دائما في امك وإخوتك،قالت خالتك الحاجة أنها ستجعلك في مقام ابنتها،وتعزك،وتدخلك المدرسة وسوف تعلمك الخياطة كذلك. ”
مسكينة فاطمة، إنها الأب والمعيل وهي القاصر ،والطفلة البريئة ،مازالت تحن لللعب.!
رحلة طويلة،تعب ،عطش وجوع،ومع ذلك لاتنبس فاطمة ببنت شفة. وفي محطة طرقية تتوقف الحافلة فينزل الجميع للإستراحة.ويا لمفاجأة فاطمة عندما طلبت منها الحاجة ان تصعد للحافلة وحدها وتنتظر بها،لأن الجميع سيتأخر .تبقى الحاجة رفقة بناتها وتتألم فاطمة لرأيتهن يتناولن طعام الغذاء،والجميع يأكل ووحدها تراقب عبر نافذة الحافلة ودموعها تنهار حارقة جفونها.ماذا تفعل؟ هذه هي الخالة التي سوف تعتني بها!. ولكن الله عادل لايحب الظلم ،سائق الحافلة يلاحظ وجود الفتاة وحدها فيقدم لها الطعام.
كانت أسوء أيام فاطمة التي قضتها ببيت الحاجة! عمل طول اليوم ،أكل قليل،تعنيف،شتم،وقذف وضرب،وأجرة زهيدة! في أحد الأيام ،بعدما عانت فاطمة كثيرا بسبب جروح في يديها ورجليها ،قررت الفرار.
وجاء اليوم الموعود،حين ذهبت الحاجة لزيارة عائلية رفقة ابنتها،اغتنمت فاطمة الفرصة الذهبية،وفرت من البيت لا تعرف أين تتجه،ولا عند من تلجأ .المهم قررت وضع نهاية لحياة بئيسة،ظالمة،أفليس أرض الله واسعة؟؟؟وصلت عن غير قصد،للمحطة الطرقية،وجلست مع المسافرين ،يذهب البعض،ويأتي الآخر…ويظلم الحال،وفاطمة في مكانها.يؤذن المؤذن لصلاة العشاء،وفاطمة،مازالت بالمحطة،جالسة في نفس المكان.الجوع،والبرد ،و…تقترب منها فتاة لطالما راقبت فاطمة منذ وصولها للمحطة ،فتقدم لها خبزا وماء. وهنا تكون بداية حياة جديدة لفاطمة -قطة المنزل-تقودها فتاة المحطة زينب.
من هي زينب ؟ طبعا لم تكن المحطة أما او أبا لها،وربما أحكي لكم قصتها في أحد الأيام.
يهمنا أن زينب تملك غرفة في أحد أحياء المدينة العتيقة ،ومعها ستعيش فاطمة.
استيقظت فاطمة صباحا،لتجد نفسها وحيدة بين أربع جدران ،نادت على زينب،وكررت نداءها…خرجت للحي تسأل عن زينب،والشبان يضحكون ويستهزؤون بها:” عن أية زينب تسألين؟ ومتى قضت زينب ليلتها بالبيت؟؟؟ عودي ادراجك فسوف تأتي في الظهر كعادتها لتنام…ها.ها.ها” لم تفهم فاطمة شيئا،”كيف، هي من رافقتني لبيتها وعرضت علي العيش معها…أين تذهب،ماذا يقولون؟ لا أفهم،إنهم لا يحبونها…”
وبالفعل عادت زينب وقت الظهر،وكلها رغبة في النوم ،ولكن فاطمة أوقفتها وسألتها،عن سبب عدم نومها بالبيت.وطلبت منها أن تشرح لها وضعها بالتحديد…
مر شهر وفاطمة تستفيد من السكن لدى زينب ،إلى أن وجدت عملا بإحدى الشركات . بدات فاطمة تتواصل مع أمها وتبعث إليها كل شهر حوالة مالية ،وتحسن حالها،وحال أسرتها،التي تمكنت أخيرا من زيارتها والتواصل مع إخوتها .
وسط زحمة العمل والإنشغال بأسرتها وتدبير أمورهم،تنسى فاطمة ذكرى عيد مولدها! اليوم فاطمة تكمل الثامنة عشرة سنة. بوردة حمراء يتقدم إليها محمود” كل عام وأنت أجمل يا فاطمة سنة سعيدة” تفاجأ فاطمة، وتعلو الحمرة وجنتيها،وتقول لمحمود رئيسها في العمل:” شكرا،لم انتبه” .في فترة الإستراحة،يخبرها بأنه يعزمها للإحتفال بعيد ميلادها.
فاطمة،لا تحتفل،فاطمة،لا تخرج مع الرجال،فاطمة كان والدها يقول لها:” انت رجل”
ماذا تحيب ومحمود هذا،ليس أي شخص! إنه الرئيس! سلطته كبيرة،الكل يخاف منه!!! هل تعترض فيكون جزاؤها الطرد ؟
وسط أجواء الموسيقى الرومانسية ،يأخذ محمود يد فاطمة ليراقصها ويغازلهابكلام لم تسمعه سابقا ،ولمسات لا تفهم كنهها،ولكن تشعر بشيء جميل لا تعرف له إسما ! ماذا تفعل ،هل تستمر ،وتستمتع بلحظتها ،أم تفر ،وتتراجع ؟ أمامها،الجميع يرقص،ماذا سيقول عنها محمود إن هي لاذت بالفرار:”بدوية متخلفة،لا تفهم …” إذن” سوف أعيش هذه اللحظة،وأتعرف على المدينة وسكانها”.
نعم ،تعرفت على المدينة،وربطتها بمحمود علاقة حب ومواعدة بالزواج،مما جعلها تترك بيتها لتعيش مع محمود في بيته في انتظار ذهابه لخطبتها من أمها وأسرتها بالقرية.وتمر الأيام،ويجد محمود في كل مرة أعذارا لعدم الذهاب لخطبتها،فيكون التأجيل تلو تأجيل آخر…
وفي أحد الأيام تخبر فاطمة محمود وهي جد خائفة ، بأنها حامل!
أسبوع أسود لم تذق فيه فاطمة طعم الراحة ، أحمد لزم الصمت بعدما أفرغ كل شحناته هجوما بالسب والقذف والضرب الذي انهال به على فاطمة.واليوم صار أبكما لا ينبس ببنت شفة!
“ما العمل، كيف أتصرف ،ولكن هذا الجنين ابنه،لماذا صار ينكره الان ؟ ألم يعدني بمرافقتي لبيت أمي وخطبتي منها؟ إذن ،فهمت الآن لذلك كان يؤجل في كل مرة…لا يريدني زوجة! وماذا كان يريد؟ يعرف أننا لست للبيع والشراء،ويعرف أنني عفيفة،فلماذا ينهرني ويطردني الآن؟؟؟”
“محمود، أرجوك،أتوسل إليك كلمني ،ماذا فعلت؟ ألم تعد تحبني؟ ألا تريد أن تتزوجني؟ ما قصتك؟ أنا حامل،ماذا أفعل بهذا الطفل،غدا ينتفخ بطني وتعلم أمي وإخوتي،وأهل القرية ينبذونني،، محمود،محمود،بالله عليك لا تظلمني”
وتتعلق به راجية متوسلة ،فيفتح باب البيت ويلقي بها في الخارج ،ثم يرمي لها ملابسها…
مرة أخرى تجد نفسها وحيدة،ولكن هذه المرة،الوحدة والعار ،وطفل ينمو داخل أحشائها ،لا تعرف كيف وصل ولا كيف سيغادر.
بعد تفكير عميق،تقرر عدم العودة للقرية،فربما يغير محمود رأيه،لذلك ستذهب عند زينب،وتستمر في عملها .
زينب،صاحبة القلب الكبير والغرفة الواحدة،دائما هنا فاتحة أبوابها لللاجئات دون حساب.زينب من يراها بمظهرها وتسكعها ،وقضائها الليل بأكمله في المحطة ،وبين الزقاق، يظنها فقدت مشاعرها،لا تعرف الحب والعطف،اليوم وهي تستمع لحديث فاطمة،تتغير ملامح وجهها،وتعلوها الصفرة،فتجري نحو فاطمة لتحضنها،باكية بأعلى صوتها:”لا تحزني،ولا تتألمي،حافظي على طفلك،لا تكرري خطئي،لا تكرري أخطائي،لا تكرري أخطائي…”زينب أجهضت كل جنين يحط برحمها!هكذا كانت تأمرها السيدة التي تتولى أمرها!
“ندمت يا فاطمة،ولن يفيدني الندم،كنت صغيرة وليست لدي أية خبرة،لا أب ولا أم،ولا أسرة. يوم رأيتك في المحطة، رجعت بي لسنوات خلت،ورأيت فيك زينب الفتاة الطاهرة التي لم تمسسها بعد أيادي خفافيش الظلام المدنسة،لذلك اردتك بعيدة عن هذا المكان،لأنه لا يصلح لك،ولن يوصلك إلى الأمان…”
تمر الأيام والشهور،والطفل ينمو،وبطن فاطمة يكبر،ويصبح مرئيا رغم محاولاتها لإخفائه. تستمر في التواصل مع محمود هاتفيا عله يعترف بابنه،ولكنه يمتنع ….
فاطمة ستضيع وسط الغيوم، ولكن شمس الحق ستنجلي…
تابعوني في الحلقة المقبلة ، لنرى كيف ينتصر القدر لفاطمة.