لاتوجد احصائية دقيقة عن نسبة البشر الذين يمارسون هواية النزهة، ولكن على الأغلب الأعم ان النسبة الأكبر منهم لايتوانون عند توفر اي فرصة لديهم الى ممارسة تلك الهواية التي تتوفر فيها كل مقومات المتعة الرياضية والفكرية ، فما اروع من مشاهدة المناظر الطبيعية والأماكن الأثرية والأنهر والمحيطات ، او المشاركة في مشاهدة اعمال فنية بمختلف صنوفها في الرسم والمسرح والشعر.
وبالرغم من اختلاف تلك المناظر ولكن منها لايدخل الانسان في صناعته مثل الجبال والسهول والغابات والمحيطات والسحاب والليل والنهار ، تلك المشاهدات تبقى في ذاكرة الانسان ويستعيدها احيانا في احلامه عند النوم لما لها من تأثير في ذاكرته ومايتوفر فيها من راحة وانسجام . اما تلك المشاهدات التي يدخل في صناعتها فهي كل المدخلات والخبرات والمهارات التي وظفها العقل البشري في داخله ثم حولها بيديه الى منتجات صناعية وفنية وثقافية ، وفي الحالتين فأن متعة النزهة النفسية تتحقق مادامت تتعامل مع الأحاسيس والمشاعر والعواطف والسلوكيات والتصرفات الإيجابية ، فما احوج النفس البشرية في ظل الاختناقات التي يعيشها الفرد حاليا الا فسحة من الأمل والراحة.
اما النزاهة لاتبتعد في مفهومها كثيرا عن النزهة ، فهي ان يفعل الشخص مايريده ولكن بأتباع صيغ واشكال رسمية دون الحاجة للمراقبة ، وبهذا يكون جديرا بالثقة ويساعد على تعزيز البيئة الإيجابية المقبولة من قبل الجميع وخاصة في أماكن العمل ، كما تعمل النزاهة على زرع صفة الأحترام وبناء الشخصية وتقدير الواجبات والمسؤوليات.
ولعل مايثير الاستغراب والتعجب ان بلدنا بلد الحضارات السومرية والأكدية والأشورية العريقة في تاريخها ، يمارس شعبها كل انواع النزهة الوارد ذكرها فلا يتخلى افرادها وعوائلها ومنذ مئات السنين على خلق اجواء النزهة العائلية والفردية والجماعية ، بل ان ممارسة النزهة الأجتماعية والعائلية باتت سمة من السمات والظواهر المحبوبة والمقبولة لابناء المجتمع ، واصبحت تقليدا يتصفون به لطبيعة افراد المجتمع وحبهم للقاءات ومايجمعهم من محبة وود والفة اجتماعية منذ قديم الزمان.
الاستغراب والتعجب ليس في النزهة بل في النزاهة التي عرفها شعبنا كمؤسسات وهيئات ولجان رسمية منذ هطول امطار الديمقراطية وطوفانها الذي حل بالبلاد والعباد منذ اكثر من عشرين عاما، فهل كان البلد قبل ذلك غارق في ملاحم اللانزاهة وكل سلوكيات العاملين والمسؤولين متشحة بصفات الفساد وممارسة تداولات الأموال الحرام ، والكل ساكت ولايستطيع التنفس لأن سيوف السلطة على الرقاب ، وما ان حلت الديمقراطية استبيحت المليارات وماعلى على المسؤولين سوى ممارسة هواية الفساد بمختلف اشكالها وصفاتها مما اقتضى وجود اجهزة للنزاهة والرقابة والتي رغم وجودها فانها تمارس هواية النزهة على الشعب المغدورة حقوقه ، فصفقات فساد تمر ويتم تغطيتها وتناسيها ، وصفقات اخرى يجري القبض عليها وتركها تسافر لاسباب لايعلمها الا الراسخون من عمالقة الفساد.
مهنة النزاهة لايمكن لها ان تكون نزهة لكونها ترتبط موضوعيا بنصوص قانونية وضوابط وسياقات واجراءات ولجان استشارية ، وفوق هذا وذلك وجود توقيتات زمنية ملزمة لابد من توظيفها عند حصول الخروقات الفسادية ، فما جدوى ان يتم كمش احد الفاسدين بعد ان يستمتع بانواع المساكن والقصور والأرصدة المليارية في الخارج ، في الوقت الذي يموت فيه مئات من الشعب المحروم نتيجة للجوع والمرض وهو محروم من ابسط حقوقه ، ثم بعد هذا وذاك يتم تحرير وتمرير الفاسدين وترحيلهم للخارج باغطية كاذبة وتصريحات هزيلة لاتدل سوى على تغطية كاملة لهم من قبل من هم افسد منهم.
اللهم ارفع حرف الألف من النزاهة لتتحول الى نزهة يتمتع بها الشعب ويتسلط على الفاسدين ويقضي على جيوبهم العامرة بالحرام.