قد يثير العنوان بعض الارتباك لكون القطاع العام هو أصلا مؤمم بطبيعته وجذوره عميقة في اسس اي بلد وطني ، ولأن عملية التأميم هي ارجاع الحقوق والملكيات العامة الى الأمة والشعب بعد ان كانت الحقوق مسلوبة ، اي انها محسوبة ظاهريا لحساب الدولة ولكنها بالحقيقة مستغلة من قبل فئات وشركات وتيارات وتحالفات داخلية وخارجية.
من اولى ركائز السيادة الوطنية هي ان تكون النخبة الحاكمة مسيطرة بالكامل على جميع موارد وثروات البلد داخل ارضها ، وهذا هو الاستقلال الحقيقي عن الأخرين الذي يعكس عدم قدرة الفئات والتيارات الخارجية من السيطرة على الموارد الوطنية ، مع الأخذ بالأعتبار ان تكون هذه النخبة مسيطرة على موارد وثروات البلد لخدمة شعبها وليس لخدمة جيوبها وجيوب احزابها والتكتلات التي تمثلها ، اي ان تكون الموارد الوطنية لخدمة فئات الشعب لكي يرتقي ويتطور ويفتخر به الأخرين.
عمليات التأمين ليست بجديدة فهناك احداث تأميم عديدة شهدتها منطقتنا بغض النظر عما وصلت اليه تلك الأحداث نتيجة لأضطرابات وردود افعال ، وبغض النظر عن النتائج التي تحققت ، وبغض النظر عن ردود افعال القوى الخارجية التي تضررت من ضرب مصالحها في اكتناز ثروات الشعوب ، ولكي يبقى التأميم هو انجاز كبير ووسام تفتخر به الشعوب وتتذكره الأجيال ، فليس من السهل ان تعود الحقوق الى شعبها بدلا من ان تبقى بايادي الفساد واقتناص المال الحرام .
بالمختصر مايكون ضمن سلطة الشركات والتحالفات والتكتلات المتنفذة ومن يقودها من اشخاص بدون ويدار من قبلهم ، فهو يسمى بالقطاع الخاص ، وهو يختلف بطبيعته واسسه عن القطاع العام الذي يدار من قبل سياسة الدولة التي تحكم ، فعلى سبيل المثال فأن تأميم قناة السويس التي تربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر ، جاء بعد ان تمادت الجهة الاجنبية التي كانت تدير القناة في سيطرتها على القناة ومكاسبها نظرا للموقع الجغرافي الستراتيجي والمتميز للقناة الذي يختص مسافات عديدة للسفن ويسهل عمليات التجارة. هذا الأنجاز ليس بسهل فقد تحولت القناة بموجب قرار التأميم من قناة موقعها مصري وتدار من قبل دولة خارجية ،،الى قناة مصرية كلا وتفصيلا ولا احد يتمكن من التدخل في ادارتها، والاهم الاهم ان كافة مردوداتها المالية من أجور وامتيازات تدخل بالكامل الى الخزانة المصرية لكي ينتفع منه الشعب ، وبهذا فأن قرار التأميم جاء كاسحا لكي يحول المردودات من القطاع الخاص الأجنبي الى القطاع العام المصري.
ولكن ولكوننا بلدا متميزا في حضارته قديما ، وفي فساده حديثا ، فاننا نختلف جذريا عن مفاهيم القطاع العام والقطاع الخاص ، ومن ابسط الأمثلة لو تم الاطلاع على الهيكل التنظيمي للدوائر والوزارات التي هي اصلا تمثل القطاع العام ، فاننا نجد ان توزيع تلك المؤسسات عموما على المسؤولين يجري وفقا لمعايير القطاع الخاص ، فلكل مؤسسة مردوداتها ومنافعها وماتجنيه من مكتسبات ،،
فالمسؤول المتنفذ الواصل بايديه وموقعه في التحالف والتكتل لايمكن ان يحصل الا على مؤسسة ذات تأثير ايجابي على جيوب المنتفعين منها،،مما ينعكس سلبا على المواطنين ،لذلك نجد ان هناك مؤسسات يحسب المواطن الف حساب قبل ان يراجعها في ابسط الأمور اذ عليه ان يسدد ويوزع وينسق العلاقات الرشوانية ابتداءا من دخوله للمؤسسة وهو في الأستعلامات الى ان يبدأ رحلته بين توقيع فلان وتوقيع علان وتحضير المستمسكات وتأيدها واحضار الشهود والبصمات ،،وبهذا تحولت بعض المؤسسات من كونها ضمن القطاع العام شكليا ، الى مؤسسة قطاع خاص تقدم الخدمات العامة،،ولهذا تجد مقدار الملل والكأبة التي يرتعش منها المواطن نتيجة لمعاناته مع مندوبي القطاع الخاص ضمن مؤسسات القطاع العام.فما احوجنا الى تأميم القطاع العام .