مقالات

على هامش اليوم العالمي لحقوق الإنسان

#الشبكة_مباشر_اسطنبول_حسن الخليفة عثمان

في الاجتماع رقم (317) للجمعية العامة للأمم المتحدة، في الرابع من ديسمبر (1950) أعلنت القرار ( A/RES/423V) بدعوة جميع أعضاء الدول، والمنظَّمات المعنيّة، للاحتفال بيوم حقوق الإنسان (Human Rights Day) في 10 ديسمبر/كانون الأول، من كل عام.
ذلك اليوم الذي تبنّت فيه الجمعيةُ العامةُ للأمم المتحدة الإعلانَ العالمي لحقوق الإنسان عام (1948) وهو أعظم إنجاز حضاري توافق عليه العالمُ في العصر الحديث.
والذي جاء نصُ المادة الأولى فيه:
“يولد جميعُ الناسِ أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وُهِبوا العقلَ والوجدانَ وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.”
والمادة الثانية:
“لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّعِ بجميعِ الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته.”
ونص المادة الثالثة:
“لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه.”
جاءت هذه المواد الثلاثة في الثلاثين مادة التي تضمّنها الإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان، بعد خروج العالم من حربين عالميتين خلال ثلاثة عقود من (1914) إلى (1945) سقط فيها أكثر من سبعين مليون قتيل، وعشرات الملايين من الجرحى، وكان جنونُ الغضب هو الذي يحكم العالمَ خلالها، فلم يكن غريبًا أن يُستعمل السلاح النووي، ويكون الفناءُ للبشر مطلبًا، و “ويلٌ للمغلوب” منهجًا، وتتفجر للبشرية مشكلاتٌ خطيرةٌ، لازالت تعاني منها حتى اليوم، وكانت المرأةُ أشدَ المتضررين من ذلك.
في ديسمبر (1955)، في مدينة مونتجمري التابعة لولاية ألاباما، وتنفيذًا لقوانين الفصل العنصري التام بين البيض والسود، التي سنّها جيم كرو عام(1865) بعد الحرب الأهلية بأمريكا، وعدم السماح للسود باستخدام المقاعد أو الحمامات المُخصّصة للبيض، رفضت روزا باركس تنفيذ أمر سائق حافلةٍ بترك مقعدها لرجل أبيض؛ فاعتقلتها الشرطةُ، ثم أُدينت بالسلوك غير المنضبط، وتغريمها 14 دولار.
اشتعل غضبُ السودِ في الولاية بسبب هذا القرار، وقاد مارتن لوثر كينج الاحتجاج، وحملة مقاطعة لشركة هذه الحافلات استمرت (381) يومًا، وتسبّبت في خسائر جسيمة للشركة.
في نوفمبر (1956)، أبطلت المحكمة العليا في الولايات المتحدة قوانين الفصل العنصري في الحافلات.
في عام (1963)، وفي حشود بلغت 250 ألفًا أمام نُصُب لينكولن التذكاري، ألقى مارتن لوثر كينج خُطبته الشهيرة المُلهِمة: “لدي حلم” ” I have a dream ” قال فيها: “..لدي حلمٌ بأن يومًا من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعبٍ لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم..”
في عام (1964) تم إلغاء جميع قوانين الفصل العنصري في الأماكن العامة.
كفاحٌ شريفٌ طويلٌ شاقٌ، كان جوهره اليقين، ومطلبه الحرية، ومنهجه السلمية، وغايته الحق، الذي دفع أصحابُه ثمنَ انتزاعه كاملًا، ولم يكن فصلُ روزا باركس من وظيفتها، واغتيال النّبيل: مارتن لوثر كنج، سنة (1968)، وسجن نيلسون مانديلا 27 سنة، إلا محطةٌ فيه من محطاتِ النّبلاء، الذين لولا كفاحُهم النّظيفُ، ما ظفرت الولايات المتحدة الأمريكية بالرئيس النّبيل: باراك أوباما، وما أصبحت النّبيلة: ميشيل أوباما، سيدةَ أمريكا الأولى، وما وصل المناضل: نيلسون مانديلا، بنضاله إلى حكم جنوب أفريقيا، وإلهامه للعالم بحكمته ونُبله.
إن فوز مارتن لوثر كينج بجائزة نوبل للسلام (1964) وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، وفوز نيلسون مانديلا بالجائزة (1993)، وتكريم روزا باركس، بالوسام الرئاسي للحُرّية عام (1996)، وبالوسام الذهبي للكونجرس الأمريكي أعلى تكريم مدني في البلاد عام (1999)، لم يكن كلُ ذلك إلا شهادةُ انتصارِ الذين كافحوا بشرفٍ ونُبلٍ من أجل الحُرِّية، في صراعٍ هو سُنّة من سُننِ الحياة، لا يسعُ المرءَ فيه إلا أن يُحدد بشرفٍ وحكمةٍ موضعَه فيه.
إن الدساتير الحضارية، والقوانين العادلة، والمواثيق الإنسانية، لا ترفع للإنسان شأنا ولا تُغني عنه شيئًا إذا كانت في مجتمعاتٍ تتأسّسُ حضارتُها على الكِبرِ، والعُنصريةِ، والحقدِ، والكراهيةِ، وتتحوّل فيها مصطلحات “القيم الدينية” و”القيم الإنسانية” إلى مغالطاتٍ يختبئ خلفها الذين جعلوا بينهم وبين العدلِ، وكرامةِ الإنسانِ، وحُرِّيته، حجابًا مستورًا.
لقد أصبح بلالُ الحبشي العبدُ الأسودُ، سيدًا يتباهى به الفاروقُ عمرُ بن الخطاب ويقول: بلال سيدنا، في حضارةٍ تتأسّس على أنّ الناسَ جميعًا سواسيةٌ كأسنان المشط، لا فضل لأحدهم على الآخر، إلا بالتقوى والعمل الصالح، ومحاسن الأخلاق، التي كان رجلُ الدين المسيحي المناضل: مارتن لوثر كينج، يحلم بأن يعيش أولاده في مجتمعٍ يكون الحكمُ عليهم بها، وليس بلون بشرتهم.
في خُطبته الشهيرة التي سُمّيت: بداية جديدة (A New Beginning) وألقاها في جامعة القاهرة، في 4 يونيو (2009)  استدل الرئيس الأمريكي النّبيل: باراك أوباما، بآيةٍ من إنجيل متى تقول: “هنيئًا لصانعي السلام لأنّهم أبناء الله يُدعونَ”، وبآيةٍ قرآنيةٍ جامعةٍ لفلسفة الإسلامِ، وحضارته، تقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].
والشّاهدُ في هذا المقال، أنّ المشكلةَ في حقيقتها، مشكلةٌ ثقافيةٌ، وأنّ حلّها يبدأ بإصلاح الفِكرِ، والصّحةِ الفِكرية، والتي عرّفناها في بحثنا بأنها سلامةُ الأفكارِ والمعتقدات، للأفراد والمجتمعات، من الانحرافاتِ عن الطريقِ المستقيمِ، الذي يُحقّقُ السعادةَ، والغايةَ من الحياةِ.

حسن الخليفة عثمان

كاتب، وباحث، ومستشار، ومؤسس مشروع نبلاء والمشرف العام عليه.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى