تكنولوجيا المعلومات بين سمو المبادئ ومشروعية الغايات
#الشبكة_مباشر_أسطنبول_ حسن الخليفة عثمان مؤسّس مشروع نبلاء
تكنولوجيا المعلومات بين سمو المبادئ ومشروعية الغايات
في الثالث عشر والرابع عشر من شهر مارس/ آذار الجاري، أقامت المنظمة الأوروبية العربية للتبادل الثقافي البلجيكية، وشبكة سفراء علامة الجودة والتميّز البريطانية، مؤتمرًا دوليًا عبر تقنية الشبكة العنكبوتية (الانترنت) باستخدام التطبيق المعروف باسم (ZOOM)، تحت عنوان: “دور تكنولوجيا المعلومات في التنمية المستدامة في قارة أفريقيا” برئاسة السيد الدكتور: عصام البدري، وبمشاركة نُخبة من المثقّفين، والمتخصّصين، كان في صدارتهم وزير الاتصالات والتحول الرقمي بجمهورية السودان، وبعض مساعديه بالوزارة.
وقد قدمتُ بالمؤتمر مشاركة اجتهدتُ أن أجمع فيها أصالةَ المرجعية،وزَفْرةَ المثقّفِ المكلوم، ومنهجيّةَ الباحثِ، وبلاغةَ الإيجازِ؛ فقد وضعتُ بالتحيّة المحاورَ الخمسةَ للقرآن الكريم، الذي أنزله اللهُ مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه، وهي: “الله الواحد، الكون، القصص، البعث والجزاء، التربية والتشريع” فقلتُ: “تحيةً طيبةً مباركةً من عند اللهِ الواحدِ، خالقِ الكونِ الدّال على قُدرتِه، والذي نبّأنا بقصص القرآن من أخبار رحلة الإنسان بين السعادة والعصيان، ووضع بالتربية والتشريع ما يحفظ بالأرض مقوماتَ البقاءِ واستدامةَ النماء، وجعل البعثَ والجزاءَ ميعادً للذين أحسنوا إعمارَ الأرض وتسخيرَ مقدراتها بالجزاء الأوفى”
ثم ولجتُ بذكر بداية الخَلْقِ من لدن آدم وحواء _عليهما السلام_ ورغد عيشهما بالجنّة المشروط بطاعة الله، ومقومات هذا الرغد، ثم فقْدِه بالمعصية والهبوط إلى الأرض، والحياة عليها بما فيها من شقاء وعدوان بين البشر، وبدايةِ عصور الحضارة، بدءاً من عصر الصيد إلى عصر المعلومات والمعرفة.وأوجزتُ وصفًا لقارة أفريقيا مناسبًا للولوج إلى أحد الجراحات الدامية بها، الناشئة عما يستوطن القارةَ من تخلّفٍ وفقر رغم غزارة ثرواتها، ثم حدّدتُ المشكلة في ضوء حادثة فاجعة متكررة، تحدث بالصحراوات الأفريقية، كان أحدثُها زمنًا وأشدُّها ألمًاموتَ عائلةٍ سودانيةٍ كاملة بالعطش في صحراء الكُفْرة بليبيا، بعد أن ضلت طريقها في سفرها البري بين السودان وليبيا، وعُثِر على جثث ثمانية أفراد منها.
وقد تزامن الوصولُ إلى جثث الموتى عطشا بالصحراء، مع هبوط مسبار ناسا (بيرسيفيرانس) على كوكب المريخ وارساله الصور والمعلومات إلى كوكب الأرض، وقد وقفتُ طويلا مع المشهدين بقلبٍ قدّر الله له يومًا أن يَعمُر القرآنُ جنباته وأن يكون له الأثرُ في حياته، وبضميرٍ أزعم أنه لازال ينبض بالحياة، وعقلٍ يؤمن بأن إلى ربه الرُّجعى، وبانتماء إلى حضارة تُقرّر أنّ قتلَ نفسٍ بشرية واحدةٍ ظلمًا مثلُ قتلِ النّاس جميعًا، وتُقرّر أنَالشرائع السماويةجاءتلحفظ النفس الانسانية بحُرّية ضميرها، وجسدها، وعقلها، ونسلها، وممتلكاتها، وأن كل ما في الأرض مُسخّرٌ لحفظ هذه المقاصد الخمسة.
وفي ضوء ما افترضته من سبب للمشكلة يتجلّى في غياب سمو المبادئ عن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في القارة وعدم الانضباط الكامل بتحقيق مشروعية الغايات؛ طرحتُ السؤال عن المبادئ والغايات في استخدام تكنولوجيا المعلومات بالقارة، وصِغتُ المشكلة بعبارةٍ اجتهدتُ أن تستوفي شروطَها العِلميّة، وذكرتُ أهميّةَ الموضوع،وحدّدتُ النتائجَالمرجوّةَ من طرحه، ووضعتُ الحلَ بالتوصيات بمقترحاتٍ عمليةٍ ممكنةٍ، وتصوّرٍ اجتهدتُ أن يتصف بالشمول في الرؤية، والعمق في التنفيذ، والبساطة في الطرح.
وقد اتخذتُ من قِيمة الرحمةِ باعثًا،وجعلتُ أصالةَ المرجعيّةِ منطلقًا، والقيامَ بفرض الكفاية في الأمر هدفًا، والإسهامَ في حفظِ حياةِ البشرِ غايةً.
النص الكامل للمشاركة، بين يدي القارئ الكريم:
معالي السيد رئيس المؤتمر الدكتور: عصام البدري، معالي السيد وزير الاتصالات والتحول الرقمي بجمهورية السودان، السيدات والسادة المشاركون، كلٌ بعظيم منزلته ورفيع لقبه، السيداتوالسادة المتابعون للمؤتمر، تحيةً طيبةً مباركةً من عند اللهِ الواحدِ، خالقِ الكونِ الدالِ على قُدرتِه، والذي نبّأنا بقصص القرآن من أخبارِ رحلة الإنسان بين السعادة والعصيان، ووضع بالتربية والتشريع ما يحفظ بالأرض مقوماتَ البقاء واستدامةَ النّماء، وجعل البعثَ والجزاءَ ميعادً لمكافأة الذين أحسنوا إعمارَ الأرضِ وتسخيرَ مقدّراتها بالجزاء الأوفى.
وبعـــد،
فمنذ أن خلق اللهُ الإنسانَ، بيّن له أنّ مقوماتَ الحياةِ التي تُمتّعه برغدِ العيشِ، هي الغذاءُ، والكساءُ، والماءُ، والهواءُ، وأنّ شقاءَه بالأرض يكون بالجوعِ، والفقرِ، والعطشِ، وتلوثِ الهواء. وجَمَعَ كلَ ذلك في نصيحته لآدم عليه السلام، بقوله عز وجل:
{ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا۟ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ.}
وبعد عصيانِ آدمَ، وهبوطِه وحواءَ من الجنّةِ إلى الأرضِ، بدأت حياةُ البشرِ وانتشارُهم عليها، وبحثُهم -بما يحملون من عداوةٍ لبعضهم- عن مصادرِ الغذاء، والكساء، والماء، واعتدال الهواء، وبدأت على الأرضِ عصورُ الحضارةِ وتقنياتِها، كما وصفها ستيفن آر كوفي، فمن تقنيةِ القوسِ والسهمِ في عصرِ الصيدِ، ومعداتِ المزرعةِ في عصرِ الزراعةِ، والمصنعِ في عصرِ الصناعةِ، إلى الإنسانِ في عصرِ المعلوماتِ والمعرفةِ الذي نعيش فيه، في عالمٍ تمّ تقسيمُه إلى قاراتٍ ستٍ، تُعد قارةُ أفريقيا ثانيَ أكبرِ قاراتِه مساحةً، ويبلغ عددُ سكانِها ما يُقارِبُ سدسَ سكانِ العالم، وبها من الثروات والموارد ما جعلها موضعًا للاستعمار قرونًا عديدة، وجعل سكانَها ضحايا للاحتلالِ المباشرِ، أو للصراعاتِ والحروبِ العالميةِ الكبرى، فأصبحت القارةُ الغنيّةُ بالثرواتِ الطائلةِ والمواردِ العظيمةِ مركزًا للفقرِ، والجوعِ، والعطشِ، والتخلّفِ.
وبينما بلغ الإنسانُ الغربيُّ بتكنولوجيا المعلوماتِ في القرنِ الحادي والعشرينَ التواصلَ مع كوكبِ المريخِ على بُعدِ مئات الملايين من الكيلو مترات، ونقْلَ المعلوماتِ والصورِ في نفس الوقت مع كوكب الأرض، والبحثَ عن المياه والحياةِ على سطحِ المريخِ، كان أخوه الإنسانُ الأفريقيُّ يموت عطشًا بصحراء ليبيا، ولا يمكنه الاتصالُ بذويه على بُعد مئات الكيلو مترات بين دولتين إفريقيتين عربيّتين غنيّتين بالنّفط والثروات الطبيعية.
وفي ضوء ذلك؛ فإنّ مشاركتي بهذا المؤتمرِ المُهّمِ تسلط الضوءَ على ذلك الخللِ، والبونِ الشاسعِ بين استخدامِ تكنولوجيا المعلوماتِ في قاراتِ العالمِ الأُخرى، واستخدامِها في قارةِ أفريقيا، وأثرِها على حفظِ حياةِ الإنسانِ، وعلى التنميةِ المستدامةِ وما تفرضه من تلبيةِ حاجاتِ الحاضرِ وحفظِ حقوقِ المستقبلِ.
ومن خلالِ ما تفترضه المشاركةُ من سببٍ لهذا الخللِ، تطرحُ السؤالَ عن مبادئِ استخدامِ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وغاياتها؛ بُغيةَ الوصولِ إلى حل المشكلةِ المحدّدِ طرحُها بمشاركتنا.
المُشكِلة:
وجودُ مساحاتٍ شاسعةٍ من الأراضي الأفريقيةِ العربيةِ خارجةٍ عن تغطيةِ خدماتِ تكنولوجيا الاتصالات.
أهميّة الموضوع:
موتُ العديدِ من البشرِ الذين يَضلون الطريقَ في أسفارِهم البرّيّةِ الضرورية، ولا تتوفرُ لهم شبكةُ الاتصالات، ولا الماء، وذلك في ظل ما حدث من إغلاقٍ، وتعطّلٍ لحركةِ الطيران بسبب جائحة كورونا، وكذلك غياب محاولات التنمية في هذه المساحات الشاسعة لذات السبب.
الهدفُ من الموضوعِ:
حشد الدعم المحلي، والإقليمي، والدولي، والمؤسسات التنموية، وتحفيزُهم على دعم الجهات المختصة لحل المشكلة.
النتائج المرجوّة:
أولًا: تسليطُ الضوءِ على إحدى المشكلاتِ الخطيرةِ بقارة أفريقيا، وأهميةِ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حَلِّها.
ثانيًا: التعاونُ والتكاملُ في النّظر إلى التنمية المستدامة للصحراوات الأفريقية بين الجهات المحلية المختصة، والجهات الإقليمية، والمؤسسات التنموية، والمجتمع الدولي.
ثالثًا: توفيرُ معداتِ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمعدات اللوجستية والبرامج التدريبية لعمليات الإنقاذ بالصحراوات الأفريقية.
رابعًا: إعدادُ ميثاقٍ أفريقيٍ لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يتضمن المبادئ، والغاياتِ، والمعاييرَ الكافيةَ لتقييم مستوى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بدول أفريقيا، وتقويمه.
خامسًا: انعقادُ المؤتمرِ المذكورِ وصفُه بالتوصيات.
التوصيات:
أولًا: أن يكون عامُ 2022م عامَ تنميةِ السودان، وأن ينعقدَ مؤتمرُ الإعلانِ عنه تحت شعار: السودانُ بوابةُ تنميّةِ أفريقيا، وأن يتولى الرعايةَ كلٌ من: مجلس التعاون الخليجي، ومصر، وتركيا، والأمم المتحدة، وأن يكون من مخرجات المؤتمر اتفاقيةُ شراكةٍ تنمويةٍ استراتيجيةٍ بين جمهورية السودان والأطراف المذكورة، في ضوء خطةٍ تنمويةٍ مفصّلةٍ، بأهدافٍ وبرامجَ زمنيةٍ محددةٍ، ومحفّزاتٍ جاذبة، تحقّق مصلحةَ الجميعِ وتحترم سيادةَ السودانِ واستقلالَ قرارِه.
ثانيًا: دعمُ وزارة الاتصالات والتحوّل الرقمي السودانية، بما يلزم لتغطية الأراضي الصحراوية والحدودية بشبكة الاتصالات المناسبة والممكنة.
ثالثًا: أن يكونَ التحوّلُ الرقميُّ الكاملُ والشاملُ للخدمات بالحكومات وكافة المجالات وفق معايير الجودة العالمية، من أهم معايير الشفافيةِ والنّزاهةِ وحقوقِ الإنسانِ في قارةِ أفريقيا.
رابعًا: دعمُ الاستعانة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في توفير المسح الأمني الأسبوعي بطائرات الهليكوبتر لكافة الأراضي الصحراوية.
خامسًا: دعمُ القواتِ المسلحةِ السودانيّةِ بما يلزم من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والإمكانات اللوجستية؛ للتوسّع في نشر نقاطٍ أمنيّةٍ مجهزةٍ بكافةِ الخدمات اللازمةِ بالمناطق الصحراوية.
وختامًا الشكرُ لكلِ من يدعم النهوضَ بقارةِ أفريقيا وتنميتها، أو دَفَعَ العقوبات الضارةَ بشعوبها، أو أسهم بنشر السلام بين ربوعها، والشكر للقائمين على أهدافِ التنميّةِ المستدامةِ السبعةَ عشر بالأمم المتحدة، وجزيلُ الشكرِ للمنظَّمةِ الأوروبية العربية للتبادل الثقافي البلجيكية، التي نظّمت المؤتمر، ولرئيسها السيد الدكتور: عصام البدري.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حسن الخليفة عثمان
مؤسّس مشروع نبلاء والمشرف عليه