مقالات

جعجعة و لا طحين!!

#الشبكة_مباشر_عمان_الكاتب سماك العبوشي

انتشرت هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي وفي قنوات اليوتيوب مقاطع كثيرة تتساءل إن كانت إيران قد تخلت عن حزب الله اللبناني في الآونة الأخيرة لاسيما في أعقاب تفجيرات أجهزة التنبيه (البيجر) والاتصالات اللاسلكية في لبنان، واشتداد المواجهة بين حزب الله وبين الكيان الصهيوني!!، ولعل ما دفع المتسائلين لطرح تلك التساؤلات الكبيرة والخطيرة يكمن في طول فترة انتظارنا (والتي امتدت لثلاثة أشهر) لمعرفة طبيعة رد إيران على استشهاد المجاهد إسماعيل هنية على أراضيها والذي تم بتاريخ 31 تموز / يوليو 2024، ذلك الرد الذي وصفه قادة إيران بأنه سيكون قويا ومزلزلا يتناسب ومكانة الشهيد هنية رحمه الله أولا، وأنه رد اعتبار لهم لانتهاك إسرائيل لسيادة إيران ثانيا، وتعديا على ضيوفها في عقر دارهم وبحمايتهم ثالثا!!

أقول …

إن كانت إيران قد تخلت فعليا عن دعم حزب الله اللبناني، فذاك شأنها وقد يندرج ضمن مصالحها القومية وحساباتها الدولية، لاسيما وأننا ندرك تمام الإدراك بأن إيران قد استثمرت جيدا ظروفا معينة في المنطقة العربية لبست خلالها عباءة (المقاومة الإسلامية) في ظل غياب دور عربي وتقاعس أنظمته عن أداء دورها القومي والتاريخي والشرعي المتمثل في الذود عن مقدساتنا السليبة أولا، والدفاع عن أبناء العروبة ثانيا!!، ولطالما خرج الاعلام العربي، لاسيما الخليجي منه، بتصريحات تصف فيه النظام الإيراني بانه مراء ولا يسعى حقيقة لتحرير القدس الشريف، وانما لتحقيق أجنداته الخاصة!!

وأضيف مسترسلا: فإن كان النظام الإيراني بهذه الصفات والسلوكيات (ولا أستبعد ذاك أبدا)، فإنني لا ألقي اللوم على إيران وسعيها الحثيث لتحقيق طموحاتها ومشاريعها القومية في منطقتنا العربية، بل العتب كل العتب يقع على أنظمتنا العربية التي بعدم اكتراثها لما يحيق بها من عواصف ونكبات فإنها قد تركت المشهد العربي والإقليمي خاليا من أي دور مؤثر لها رغم ما تمتلكه من مقومات اقتصادية وسياسية وبشرية، فسمحت بذلك لإيران وأتاحت لها كي تقوم بسد هذا الفراغ العربي وملئه بالشكل الذي نراه اليوم!!

وأتساءل بحرقة وغصة كبيرتين:

إذا كان لإيران مشروع في المنطقة (وهذا لا يعيبها)، وإذا كانت إسرائيل هي الأخرى لها مشروع في منطقتنا (وهذا لا يعيبها هي الأخرى)، فما مشروعنا العربي الذي يتصدى لهذين المشروعين المتقاطعين في منطقتنا العربية، والذي يحمي مصالح أمتنا، ويحافظ على كرامة شعبنا العربي، ويحقق سيادة وطننا العربي الكبير التائه والقابع ضمن قفص سايكس بيكو اللعين منذ قرن من الزمان!!؟

واسترسل بهذا الخصوص فأقول:

كلنا بات يدرك يقينا، في ظل سبات أنظمتنا العربية وتقاعسها وتخاذلها، بأن إيران لم تدخر وسعا ولم تترك فرصة الا وانتهزتها لتركب كل المراكب المتاحة أمامها من أجل تحقيق مشروعها، والوصول الى النفوذ والهيمنة على دول إقليمها، وبالتالي الظهور بمظهر اللاعب المؤثر في الساحة العربية والإقليمية وحتى الدولية منها، هذا علاوة على تأمين وسائل حماية نفسها من تطلعات دول جوارها وأطماع الغرب فيها، وذلك من خلال عدة سبل وأدوات سخرتها لتنفيذ مشروعها، وأدرج أهمها على سبيل المثال لا الحصر بالنقاط التالية:

أولا … أن إيران، كغيرها من الدول المتطلعة للبروز إقليميا ودوليا، تمتلك مشروعا توسّعياً تحت مبدأ “تصدير الثورة”، وتحت غطاء “نصرة المُستضعفين”، ومن سِمات مشروعها أنه إقليمي، فكان من الطبيعي جدا أن يهدف الى التأثير بالشأن العربي والإسلامي، ولما كان الطيف الأكبر من شعبنا العربي يعادي الاحتلال الإسرائيلي ويؤيّد المقاومة، فكان لزاما على إيران والحالة هذه أن تُظهر نفسها كمشروع للأمة الإسلامية جمعاء (وليس لطائفة بعينها فحسب)، فكان السبيل أمامها لتحقيق ما تصبو اليه يتمثل بالتقرب من حماس ودعمها، وذلك لأن حماس مقاومة “سُنيّة”، ولا يوجد لدى حماس مؤشّرات ولا توجّهات مذهبية للتقارب مع “الشيعة”!!.

ثانيا … لا يخفى على كل صاحب لُبّ وبصيرة وإدراك بأن لكلا الطرفين في منطقتنا العربية، الإسرائيلي والإيراني على حد سواء، مشروع توسعي استحواذي، ومن هذه الحقيقة فقد برزت حالة من الصراع و التنافس بينهما، فكان لزاما على إيران تبني استراتيجية من مُفرداتها إعاقة صعودَ أيّ دولة مؤثرة ضمن المنطقة العربية، كي لا تتفوّق عليها في الإقليم وتحد من تطلعاتها، فكان ذاك دافعا قويا لإيران للتقرب من حماس والجهاد ودعمهما لضمان خلخلة الأرض تحت أقدام الكيان الإسرائيلي، ولتعطيل تحقيق أحلام الأخير التوسعية وللهيمنة بالتالي على المنطقة!!

ولكن … وفي المقابل، فقد استغلت إسرائيل تدخّلات إيران تلك وإعلانها المستمر ورفع شعارات دعمها لحركات المقاومة الفلسطينية مما جعلت من إيران (فزّاعة) تهزها بين الحين والأخر لتزرع الرعب في أنظمة الخليج العربية ولتحرف الأمة عن صراعها الحقيقي والمصيري مع الاحتلال الإسرائيلي، مما دفع بعض الأنظمة العربية عموما والخليجية خاصة ( لاسيما في ظل غياب المشروع الاستراتيجي القومي العربي) الى تخطّي ما كان مُحرّما بالسابق، وتسارع للتطبيع مع دولة الاحتلال بحجة وذريعة حمايتها من النفوذ والاطماع الإيرانية !!

ثالثا … وهناك جانب أخر جدير بتسليط الضوء عليه ولا يقل أهمية عن الفقرتين الواردتين أعلاه، ففي ظلّ الضغوط الإقليمية والغربية والأمريكية على إيران؛ لاسيما بما يخص مساعيها الحثيثة لتنفيذ ملفها النووي علاوة على قضايا أخرى، فإن إيران قد أجادت لعب دورها في طرح شعار وحدة ساحات المقاومة، فأظهرت بذلك نفسها كمن يملك مفاتيح حل لبعض الأزمات، فلا تُحلّ إلّا بها ومن خلالها من جانب، ومن جانب آخر لنقل الصراع خارج أراضيها لتحمي وتقي نفسها من الضربات، فكان أن جعلت من (سوريا واليمن) وغيرها من دول المنطقة واجهة أمامية وجدار صد لها، وذلك لتشتيت التركيز عليها وعلى مضيها قدما بتحقيق أهدافها من جانب، ولتكون لاعبا مركزيا مؤثرا في المنطقة لا يمكن تجاهله أو إهماله في أي صراع أو تسوية في المنطقة العربية مستقبلا من جانب أخر!!

خلاصة وزبدة ما أقوله، تتمثل برسائل لمن يعنيه الأمر من أبناء جلدتنا:

الرسالة الأولى: طيلة عام تقريبا من العدوان الإسرائيلي المستمر والمتواصل على غزة العزة، فإننا للأسف الشديد لم نر الا اجتماعا يتيما واحدا وُصِفَ بـ (الطارئ!!!) لقمة عربية نادت إليه المملكة العربية السعودية وخرجت تلك القمة بقرارات هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع بعد مرور 35 يوما من بدء العدوان على غزة العزة، ولم ترتق تلك القرارات الى مستوى الجرائم الوحشية والإبادة الجماعية التي طالت وتطول أبناء غزة، كعدم استخدام أنظمتنا العربية لورقة النفط العربي بوجه دول الاستكبار العالمي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية المساندة لدولة الاحتلال، وعدم تلويح الأنظمة العربية المطبعة منها وتهديدها بإنهاء التطبيع مع إسرائيل، وطرد سفرائها، والأنكى من هذا وذاك ما رأيناه وسمعناه من مواقف مشينة لأنظمة عربية بعينها تمثلت بوقوفها علانية بالضد من نصرة أبناء غزة غير آبهة للمشاعر القومية والإسلامية وحتى الإنسانية، فيما قامت ومازالت تقوم بإمداد إسرائيل بكل مقومات الحياة اليومية من مأكل ومشرب وحاجات إنسانية من خلال إقامتها جسرا بريا كسرا للحصار البحري الذي فرضه الاخوة اليمنيون في البحر الأحمر!!

الرسالة الثانية: لقد عانت حركة حماس وما زالت تُعاني من تضييق غربي وعربي تتزعّمه دول الثورة المضادة (الإمارات، والسعودية، ومصر)، في وقت تزداد هذه الدول الثلاث تقاربا مع إسرائيل وتترسخ علاقاتها بها، فإن تقارب حماس وايران صارت ضرورة حتمية للأولى لضمان استمرارية مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي، لأن إيران تقدّمُ إسنادا عسكريا لا يجرؤ غيرها عليه، كما وأن إيران بدورها تَتباهى به إعلاميا لأنه يخدم أهدافها، وأن هذا الدعم الإيراني مستمر لحماس والجهاد الإسلامي ما لم تتوصل إيران لصفقة مع الغرب تحفظُ مصالحها القومية، وتُحقّقُ بعض طُموحاتها وآمالها التوسّعية في المنطقة!!.

الرسالة الثالثة: وردا على انتقادات (عربية!!) غير مسؤولة وعبثية موجهة لحماس والجهاد وحزب الله اللبناني والانصار اليمني لترحيبها وثنائها والاطراء على موقف إيران المساند والداعم لها، فأقول لمن ينتقد المقاومة الفلسطينية:

ماذا تتوقع غير هذا الموقف من هذه الفصائل المقاومة!!؟

أتتوقع من حركات المقاومة الفلسطينية والإسلامية غير أن تثني وتبجل وتمجد ما تتلقاه من دعم إيراني لها، بغض النظر عن حقيقة واهداف ذلك الدعم المقدم وأنه ليس خالصا لوجه الله تعالى!!

وهل تلقت حركات المقاومة الفلسطينية والإسلامية دعما حقيقيا من الأنظمة العربية كي تحافظ على ديمومة قتالها وتصديها للعدو الإسرائيلي المدعوم أمريكيا وغربيا، وبالتالي تستطيع أن تستغني عن تلقي تلك المساعدات والدعم الإيراني!!؟

الرسالة الرابعة: ولمن راهن طويلا على موقف إيران المساند لحلفائه في منطقتنا العربية، وظنه ووهمه الكبيرين أنها لن تتخلى عنهم، فعليه مراجعة الأحداث والتصريحات بعد الهجمات الإسرائيلية غير المسبوقة على بيروت، والتي استهدفت البنى التحتية لحزب الله اللبناني، حيث انتظر الكثيرون من أصحاب النوايا الطيبة أن تسارع إيران أن يكون لها رد فعل أكثر حزماً وحسماً، إلاّ أن هذا الرد لم يأت بعد، على الرغم من التصريحات والتأكيدات الإيرانية المستمرة بأن حزب الله هو “خطها الأحمر”!!

ولعل في تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأخيرة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ما يفسر حقيقة نوايا إيران وأنها تركب جميع المراكب كما بينا آنفا لتنفيذ خططها ومشاريعها، وأنها تسعى لحماية أمنها ومصالحها أولا وقبل كل شيء، وللتأكيد على صحة ما ندعيه، نستشهد بما ورد على لسانه (بحسب موقع بلومبيرغ وتسجيل صوتي لاجتماع مع صحفيين أمريكيين) إلى أن إيران ستُفكر في التخلي عن أسلحتها “إذا ما تخلت إسرائيل عن أسلحتها”!!، ويتناقض هذا التصريح بشكل كبير مع موقف إيران قبل أقل من شهرين، حين تمّ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، إذ تعهدت إيران حينها بردّ قاسٍ ضد إسرائيل!!.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فلقد كان التحول نحو لهجة أكثر تصالحية في نيويورك جلياً للغاية، لدرجة أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي شعر بأنه مضطر إلى نفي التقارير التي تفيد بأن طهران “مستعدة لخفض التصعيد” مع إسرائيل (قبل استكمال تحرير القدس!!)، هذا كما ودافع وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف – والذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس – عن تصريحات بزشكيان على وسائل التواصل الاجتماعي، وحاول تبرير تصريحات الرئيس الإيراني الأخيرة حيث أشار إلى أن الرئيس أدان “الجرائم الإسرائيلية”، وصوّر إيران على أنها “بطلة السلام” الداعية لنزع السلاح النووي في المنطقة، متهماً إسرائيل بترويج “رواية خطيرة وكاذبة” حول نوايا إيران، ومؤكداً أن إيران – على عكس مزاعم إسرائيل – لا تسعى إلى الحرب!!.

قال تعالى في محكم آياته في سورة البقرة:

“وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)”.

ولا نامت أعين الجبناء!!

سماك العبوشي

بغداد في 27/ أيلول / 2024

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى