بين حين وآخر تشن الطائرات الإسرائيلية، وخصوصا الطائرات المُسيرة، غارات على مواقع حزب الله اللبناني في سوريا. لكن في الأسابيع الأخيرة شملت هذه الغارات مواقع الحزب الشيعي في جنوب بيروت وكذلك في العراق. وقد توعد حزب الله بالرد على هذه الغارات لكن رده الفعلي كان محدودا جدا إذ انه لم يطلق غير بضعة صواريخ مضادة للدبابات على القوات الإسرائيلية المتواجدة على الحدود. السؤال هو: هل يستطيع حزب الله المجازفة بتصعيد المواجهة وإدخال لبنان بنزاع كبير مع إسرائيل؟ وهل لديه فعلا الإمكانية في مواجهة إسرائيل ؟
إن النزاع بين إسرائيل وحزب الله هو في حقيقته صراع إيراني إسرائيلي وسببه الرئيسي يرتبط بالأوضاع في سوريا. لقد استغلت إيران الحرب الأهلية في سوريا وأنشأت شبكات عسكرية إستراتيجية على الأراضي السورية تضم بينها ميليشيات حزب الله. أما ردة الفعل الإسرائيلية على ذلك فهو قيامها بالمئات من الضربات الجوية التي دمرت فيها قسما من المواقع الإيرانية ومن ضمنها مواقع حزب الله، بما في ذلك مخازن للأسلحة الحساسة، وقوافل العتاد والأسلحة وغيرها التي كانت في طريقها إلى الحزب الشيعي. وبسبب هذه الضربات، قررت إيران تحويل جهودها العسكرية إلى المناطق الشمالية من سوريا ولبنان والعراق. وفي لبنان، وسعت إيران أنشطتها باستخدام ميليشيات حزب الله لنشر صواريخ متوسطة وبعيدة المدى لاستخدامها ضد إسرائيل.
لقد دعا سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني، روسيا التي لها علاقات قوية مع إيران وإسرائيل للتدخل لتجنب التصعيد بين حزب الله (وممولته إيران) و إسرائيل. بالطبع روسيا لا تُريد أن تحدث مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل لأن ذلك سيهدد مصالحها في سورية. روسيا لديها علاقات إستراتيجية مع إيران، إذ أن الوجود العسكري والميليشياوي لإيران في سوريا يخدم مصالحها في مواجهة الوجود العسكري الأمريكي، فـ روسيا تريد البقاء في سوريا وشواطئها التي تُسيطر عليها والتي هي مدخل لها للبحر المتوسط، لهذا فأن تدخلها لن يكون إلا جزئيا جدا ولن يتجاوز موقفها ودورها أكثر من الطلب من إيران بمنع حزب الله من القيام بأي عمل ضد إسرائيل من هضبة الجولان.
إنها معضلة كبيرة يواجهها الحزب الشيعي، فهو لا يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي ويتجاهل الهجمات، كما أنه لا يستطيع أن يقوم بهجوم كبير يمكن أن يتحول إلى حرب مع إسرائيل. أسباب تردده ليست فقط متعلقة في الوضع الداخلي المعقد في لبنان، حيث يواجه معارضة لسياسته من قبل معظم شرائح المجتمع، بل أيضا في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتعرض لها إيران الممولة لنشاطه والتي ترسم سياسته وتتخذ قراراته ليقوم بتنفيذها. ففي الشهور الأخيرة الماضية انخفض التمويل وانخفضت المساعدات المختلفة بشكل كبير هذا الذي اجبر الحزب الشيعي على إطلاق حملة تبرعات عامة له.
فإيران ليست من الدول العظمى وإمكانياتها المالية محدودة ومعروفة. وبسبب عقوبات الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية فقد انخفضت صادراتها وانخفضت ميزانيتها واستثماراتها. وحسب المصادر الحكومية الإيرانية فأن الميزانية التشغيلية العامة للسنة المالية 2021 هي بحدود 40 مليار دولار فقط (41 مليار في سنة 2020). السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يستطيع النظام الإيراني إدارة الدولة وبرنامجه النووي وتسليح ودفع رواتب ميليشياته في العراق وسوريا ولبنان واليمن (الذي يقدر عددها على الأقل بـ 150 ألف عنصر) ويدفع مصاريف حرب الحوثيين في اليمن ويحقيق طموحات التوسعية في الشرق الأوسط العربي بميزانية صغيرة جدًا هي أقل من نصف ميزانية جارته العراق (ميزانية العراق 103 مليار دولار لسنة 2021) في وقت يحتاج فيه على الأقل إلى 180 مليار دولار لسد حاجاته ودعم ميليشياتها وتنفيذ سياسته الداخلية والخارجية ؟
إن سنة 2021 هي فعلا سنة سيئة لحزب الله وباقي الميليشيات التابعة لإيران في الشرق الأوسط وربما ستكون هذه السنة هي سنة النهاية أو البداية لنهاية كل هذه الميليشيات. فإن ممولتهم، إيران المخنوقة، تخوض حاليا مفاوضات مصيرية مع الولايات المتحدة ولن تحصل على نجاحات فيها بدون مقابل والذي سيكون وبدون أي شك مصير هذه الميليشيات. في ظل هذه الظروف الخانقة ماليا، ماذا سيفعل حزب الله ؟
في محاولة لتعويض النقص في خزينته، حاول في الأسابيع الماضية، وحسب ما ورد في الصحافة العالمية، تهريب كميات كبيرة جدا من المخدرات حيث تم ضبط كميات كبيرة منها. فقد تمكنت جمارك السعودية من إحباط محاولة إدخال كمية بلغت أكثر من 5.3 ملايين حبة من مخدرات الكبتاغون مخفية في فاكهة الرمان. وأعلنت النيجر إتلاف 17 طنا من الحشيش قادمة من لبنان، كانت في طريقها إلى ليبيا حين ضبطتها الشهر الماضي، قبل أن ينجح المهربون في ﻧﻘﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ ﺷﺎﺣﻨﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻋﺒﺮ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺃﻏﺎﺩﻳﺰ، ﻭﺗﺒﻠﻎ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﺸﺤﻨﺔ ﺣﻮﺍﻟﻲ 37 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺩﻭﻻﺭ. وتوافق ذلك مع إعلان اليونان ضبط أكثر من 4 أطنان من الحشيش المخدر مخبأة في شحنة آلات صنع الحلويات “الكب كيك” قادمة من لبنان إلى سلوفاكيا، وقيمتها حوالي 33 مليون يورو.
إن سياسة تضييق الخناق الذي تمارسه الولايات المتحدة والدول الغربية وكذلك معظم الدول العربية على حزب الله أصبحت ما يشبه بالاتفاق الجماعي الغير رسمي، اتفاق بالتعاون على الإسراع في تقصير عمره.