ضاقت الحياة بأعين من يقطن في بلادنا الشرق الأوسط العظيم والجميل بخيراته الطبيعية وإطلالة موقعه الجغرافي وجمالات مناخاته المتنوعة ، ذلك الشرق الجميل المترامي الأطراف بربوعه و جمال طرقاته في عبق أصالته وروح تاريخه الحضاري ذلك الشرق التي تحتدم به الصراعات الدينية والعرقية منذ قرن من الزمان وأكثر ، تلك الحروب التي طحنت الشعوب وشردت الملايين من الناس في شتى أصقاع الأرض، فهناك من ترك جامعته في بغداد وهناك من ترك بيته في لبنان وآخر ترك أولاده في سوريا ، ليهاجر تحت عنوان بطاقة ” لاجئ ” بحثاً عن البيئة الحاضنة الآمنة ، وهناك من ذهب للاستثمار في أسبانيا وايطاليا وغيرها لأن التنمية في بلادنا معطلة، وهناك من أعلن عن ترك دينه وملته للتضارب الفكري الذي يعيشه بين أبناء جنسه في الوطن الواحد ، أغلب هؤلاء حققوا طموحاتهم وأهدافهم في الغرب البعيد ، لأن المهاجرين العرب وغير العرب لا يعترفون بالانتماءات داخل بلاد المهجر وهناك ولاء .. لمصلحة الإنسان فقط و لاشيء غير الإنسان والحنين إلى الأوطان .
وكلما سألنا شباب اليوم .. كيف ترون مستقبلكم ؟ قالوا : نريد أن نهاجر إلى الغرب البعيد ، يختارون البعيد لأن في عقولهم هروب من الواقع المرير لمشاهد الدمار وفقدان الأحباب ، يهربون من واقع الدمار والتشرذم الفكري داخل المجتمعات العربية والفقيرة ، وذلك الاستنزاف الإنساني.
وليس بجديد فبعد الحرب العالمية الأولى كانت هناك هجرات لكثير من العرب أضاءوا مشاعل العلم والثقافة طريقاً إلى الغرب، فساهموا في البناء وشيدوا المجتمعات مع الإنسان الغربي فأستحق المهاجر العربي المواطنة الغربية والأجنبية عن جدارة ومن هؤلاء من وصل إلى رئاسات على مستوى السلطات السياسية .
لقد شدّني المشهد المهيب .. قواطر المهاجرين عبر البحار و زحام الناس على الحدود البرية ونومهم بالعراء ذلك كله ليبدؤوا من جديد في بلد آمن ليعودوا إلى الحياة هاربين بسبب النزاعات القبلية والمجاعات والأوبئة لأن في عالمنا العقول الواعدة طيور مهاجرة .
في تلك الدولة الأوروبية والأمريكية البعيدة ينسج الإنسان العربي وغير العربي من العالم الثالث أحلامه الوردية ومستقبله العظيم ، ويطمح للوصول إلى هناك ليكون عنصراً فاعلاً بل وتكون تلك الدول الضامنة لمستقبل أبنائه داعمة له في تربيتهم وتوفير سبل الحياة لهم ، مما يجعل فكرة حفظ ولاء الإنسان للوطن الذي يحتضنه وأبناؤه ” لا للعرق ولا للدين “.
في عالمنا العربي نحتاج إلى نهضة فكرية إنسانية لمعرفة قيمة الإنسان لتتحقق مصلحة الوطن، وكيفية الحفاظ على الهوية الإنسانية التراثية والمقدرات الدينية على اختلافها واحترام الآخر المختلف ، ونشر تلك الثقافة بالمحبة والحوارات والملتقيات والابتعاد عن العنصرية المجتمعية .
يرى الشباب العربي أن في الهجرة من الشرق الأوسط إلى الغرب ملاذاً آمناً ومجتمعاً ضامناً لحياته ومستقبله ، لذلك وأن سألت أحد الشباب اليافعين عن مستقبله وكيف سيحقق أحلامه قال: أريد أن أهاجر .