التعليم الذكي .. وبناء المهارات … خارطة طريق للتواصل مع العالم
#الشبكة_مباشر_بغداد_الأستاذ المتمرس د. صلاح عبدالقادر النعيمي المستشار السابق لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي
بداية ، لابد أن نتفق ان التعليم على مستوى العالم قد تغير ، لاسيما في مجال ( طرائق التدريس والمناهج الدراسية وارتباط مخرجاته مع طبيعة احتياجات الوظائف في سوق العمل ).
ومنذ دخول العالم في القرن الحادي والعشرين ، بدأت ملامح التوجه نحو اعتماد مبادئ ” التعلم Learning ” ، التي تستند إلى المشاركة والتفاعل بين الطلبة وأساتذتهم.. باتجاه تنمية المهارات الفردية والجماعية وانتقال وساىل التعليم من المحاضرة والسبورة .. الى التجارب والمختبرات والاعتماد على البرمجة ووسائل التواصل الإلكترونية .
وقد جاءت أحداث جائحة كورونا في العام ٢٠٢٠ لتفرض واقعا” جديدا” ، يمكن عده استمرارا” لتطور وسائل التعلم والتعليم في الدول والجامعات المتقدمة .. كما شكل تحديات كبرى أمام الدول والجامعات التي لم تستعد لمثل هذه الظروف جيدا” ، بسبب اعتمادها الوسائل التقليدية ..
وشيئا” فشيئا”، حصل التغيير الحتمي في سوق الوظائف ( تشير تقارير الأمم المتحدة ومنظمات العمل الدولية ، أن 40٪ تقريبا” من الوظائف التي كانت سائدة في القرن الماضي اضمحلت وظهرت وظائف جديدة مرتبطة بالمعلوماتية ونظم المعلومات) ، حيث حل الكومبيوتر والروبوت محل البشر وأصبحت مهارات التعامل الالكتروني والبرمجيات في مجال الألعاب الإلكترونية وصناعة الأفلام السينمائية والإخراج التلفزيوني هي السائدة، كما فرض انتشار جائحة كورونا عالميا” ، الانتقال إلى التعليم الإلكتروني واعتماد وسائله في تبادل المعلومات والنشر الإلكتروني للبحوث والتجارب العلمية .
لذلك أصبحت المدارس والجامعات ملزمة بالاستجابة والتكيف مع متطلبات الواقع الجديد ، الذي يستوجب الاهتمام بتنمية المهارات الفكرية المترافقة مع المهارات البدنية التي تتطلبها الوظائف والمهن ، فضلا” عن أهمية عوامل السرعة في مجال تلقى ونقل وتبادل المعلومات بفعل التطورات المتلاحقة في جميع الاختصاصات ، فقد جنت العديد من دول العالم الملايين من الدولارات جراء الريادة والتفوق التنافسي في تصميم وصناعة الألعاب الإلكترونية واسعة الانتشار ، والتطبيقات البرمجية ضمن أجهزة الاتصال الشخصية ، مثل الآيفون وهاواوي وسامسونج، فضلا” عن وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الواتس أب والفيس بوك .. وغيرها .
المشكلة في العراق.. أننا لانمتلك البنى التحتية والمنظومات والمنصات فائقة الجودة .. التي تعد الأساس في ضمان نجاح متطلبات التعليم الإلكتروني ، فلقدجاءت جائحة كورونا لتضعنا أمام اختبار لم تتهيأ مؤسساتنا الجامعية لمجابتها ، وإن اعتماد بعض التطبيقات المجانية أو شبه المجانية ووسائل التواصل الاجتماعي ، يجعل من الصعب أن نضمن تعليما” إلكترونيا” إلا في حدوده الدنيا .. وهذه هي الحقيقة التي ينبغي تشخيصها بثقة وجرأة .. لتأشير سبل التحسين والتطوير مستقبلا” ، إذ لاينبغي استمرار القبول بالأمر الواقع والرضوخ إلى اعتماد الوساىل المتاحة ووسائل التواصل الاجتماعي وبعض التطبيقات البرمجية مثل ( zoom , Google meeting) , التي توفر إمكانية نقل وتلقى وتبادل الدروس والمحاضرات بدرجة ما ، لكنها لا يمكن أت تحقق جودة التعلم والتعليم أو أن تضمن نزاهة الامتحانات وعدالة نتاىجها .
المقترحات :
وبناءا” على ماذكر في أعلاه ، نتقدم بمجموعة من المقترحات للبدء بمرحلة استثمار الظروف التي واجهت التعليم في ظل ظروف التباعد الاجتماعي وعدها بمثابة فرصة لمواكبة التطور الحاصل عالميا” من خلال التطبيق الفعلي لمضامين مفهوم ( التعليم المدمج) الذي تبنته وزارة التعليم العالي في العراق ، والذي حالت إجراءات الحظر الجزئي وقرارات خلية الأزمة ،دون إمكانية تطبيقه .
١ – العمل على اعداد استراتيجية جديدة للتربية والتعليم العالي في العراق، يكون أساسها .. تخطيط وتنفيذ نشاطات وبرامج تعليمية تواكب التطور الحاصل في جامعات العالم وتمهد للانتقال بطرائق التدريس.. من الأساليب التقليدية والتلقين إلى برامج تحفيز الحوار والتشارك في المعلومات بين الطلبة وأساتذتهم ، مع أهمية تأكيد آليات تنمية المهارات المطلوبة في سوق العمل وتطوير المناهج الدراسية التقليدية وتحويلها إلى مناهج للتحفيز الفكري والمرونة المعلوماتية .
٢ – ضرورة اختيار إحدى المنصات العالمية واعتمادها في التدريس ومراقبة الامتحانات لضمان جودتها ( وهذه المنصات تتطلب اقتطاع مبالغ زهيدة من الطلبة جراء الخدمات المقدمة أو التعاقد الرسمي مع الجامعات والكليات الحكومية والأهلية) .. انطلاقا” من فلسفة أن للتعليم ثمن ينبغي أن يتم تحمل تبعاته لحين التمكن من إنجاز منصات ومنظومات محلية ، قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة .
٣ – وبالمقابل يمكن البدء من الآن ، العمل على إنجاز منصة عراقية ( قد يسهل انجازها ، بالتعاون مع المنظمات الدولية ، ومنها منظمة اليونسكو – التي قدمت مشروعا” بهذا الصدد قبل مدة قصيرة – بالاعتماد على المنح المقدمة َمن الاتحاد الأوروبي أو البنك الدولي) .
٤ – ومن المهم جدا”، الإعداد لبرامج مستقبلية.. تستهدف تطوير مهارات المعلمين والتدريسيين الشباب وطلبة المراحل البحثية في الدراسات العليا ، في مَجال التقنيات والمعلوماتية والتعليم الإلكتروني.. سعيا” باتجاه بناء قدرات الجيل الجديد من المعلمين وأساتذة الجامعات .
٥ – للقطاع الخاص دور مهم في تنشيط آليات عمل المدارس والجامعات ، من خلال المساهمة في دعم الطلبة خلال مراحلهم الدراسية والخريجين .. عن طريق توفير فرص التدريب ( حتى وإن كان الموضوع مقابل أجور رمزية أو مجانية) ، فضلا” عن الدخول في شراكات مهنية ومختبرية لتوفير قاعدة معلومات للطلبة والخريجين، هدفها خلق مسارات للتواصل العلمي والمهني بين طلبةالمدارس والجامعات وخريجيها مع قطاعات سوق العمل على وفق مبادئ ( الموثوقية بأهمية التعاون المشترك ، والمنفعة المتبادلة) ، كما يجري في معظم دول العالم .
٦ – يكون من المهم أيضا ، العمل على تغيير الثقافة السائدة في الجامعات العراقية ، بالاعتماد على تنويع طرائق التدريس وتطوير المناهج الدراسية ، بناءا” على نتائج دراسات وبحوث علمية وتقارير رسمية ، باتجاه التفاعل والعمل المشترك مع قطاعات سوق العمل ( ولا أعلم متى ستفتح الجامعات ذراعيها للشركات العامة والخاصة بشكل حقيقي ونطاق أوسع ، بحيث يتم تخصص مواقع محدودة لهذه الشركات ضمن الحرم الجامعي وعلى وفق اتفاقات مَحكمة في إطار عمل المكاتب الاستشارية وآلية التعاون ، كما شهدنا ذلك في جوالاتنا الدراسية لجامعات عالمية متقدمة برفقة خبراء المنظمات الدولية ، في دول تطور التعليم فيها ، مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورا وأمريكا وفرنسا.. وغيرها) .
الموضوع يتعلق بالمستقبل وإن الولوج فيه يتطلب، توافر القناعات والإيمان بأن المستقبل يعني أشياء” جديدة قد تغير واقع ما اعتدنا عليه .. ويستلزم ذلك ، الإصرار على التقدم والقبول ببعض التضحيات .