مقالات

قياس مع الفارق..النعش الحضاري* عقيل العبود

الشبكة مباشر


قياس مع الفارق..النعش الحضاري*

عقيل العبود

صرتُ أُتابعُ وبشغفٍ برامج العروض، والتقارير، والموضوعات، والأخبار العالمية، بغية إضافة أشياء، ومعلومات تفيد العقل، والروح، لما فيه خدمة التفكير، والمعرفة؛ ذلك بعد أن أصابني الصداع، والغثيان، جراء الإدمان على مشاهدة البرامج الخاصة بالبث التلفازي العراقي؛ بما في ذلك تداعيات الصراع بين الكتل، والأحزاب، والتيارات، وأنماط التصريحات، والتحليلات السياسية، وغير السياسية للمعنيين، خاصة هذه الأيام، حيث يتم إشغال عقول العامة بموضوع الانتخابات، وأصوات الناخبين، وصناديق الاقتراع.

علما أن هنالك تسويقا إعلاميا هائلا لعروض يتعلق البعض منها بعمليات التجميل، والتسوق، إضافة إلى مهرجانات ما يسمى بملكات جمال العراق

مع عدد من المقابلات المتعلقة بحسب المسميات الإعلامية الحالية “بالفنانات، والمبدعات، والإعلاميات” حيث يتم الحديث عن تجاربهن الحياتية في باب الملبس، والمأكل، والمشرب، وعمليات التجميل الخاصة ب”موضات الفتنة، والجمال”، وموضوعات هامشية أخرى.

ولذلك ومع عصر ترويج مساحة هذا النوع من الثقافات، صار هنالك تغييبًا تامًا، أو تدرجيا للفن والمسرح، والموسيقى الواعية، وكذلك هبوطا هائلا لمناقشة موضوعات المعرفة، والعلوم، والانجازات العلمية، والطبية، حيث غابت لغة المبدعين بين دهاليز الغربة، وأخطبوط السياسة البائسة للإعلام العراقي، ما يطيب لي تسميته (بالنعش الحضاري).

لذلك استغاثة، قررت مواصلة رحلاتي الاستكشافية لحضور أدبيات، ومنجزات الذوق الرفيع؛ هذه النكهة التي تضيف إلى العقل، والروح روعة، وعلوًا، ورفعة، وجمالا – حيث تسمع محاضرة عن انجاز علمي، أو معرفي على غرار ما يسمونه (TED)*

والاستمتاع بمقاطع أخرى من قنوات البث التلفازي العالمي، أوبعض الفضائيات، حيث تسمع عن قصة شابة يافعة تذهب في رحلة فضائية إلى القمر، وأخرى تتعلم فنون قيادة الطائرة، ورائد فضاء في التسعين من عمره يذهب برحلة استكشاف جديدة

ومع هذا النوع من المشاهدات، يتم بث مراسيم الاحتفاء بأصحاب العقول، والمنجزات، والاختراعات العلمية في باب الطب، والكومبيوتر، والعقل الصناعي، بل وحتى الأدبيات الخاصة بالنثر، والفلسفة، والشعر.

لذلك ومع ما يسمى بالقلق المعرفي، بات ينتابني شعور بالخيبة، والخذلان، والانكسار على وطني الذي تحول إلى فريسة تنشها الضباع، والنمور ليس على طريقة استنزاف الثروات، والموارد البشرية، والمادية فحسب، بل على شاكلة استهداف العقل الحضاري المبدع، حيث يجري تطبيع خارطة العقل البشري، ومكوناته الإنسانية باتجاه التهميش، والتركيع، والترويع، والتجويع

ذلك بعد ان تراجعت لغة الإعلام الملتزم، والثقافة الرصينة، وجميع مفردات النهضة الحضارية، إثر إشغالها بموضوعات لا صلة لها بحقيقة الإبداع.

——————
*بعد أن تم تهميش لغة الحضارة، والمعرفة، وتغييب العقل الواعي بفعل أخطبوط السياسات، والاحزاب، والكتل التي ما انفكت تنهش في جسد الحياة العراقية.
*برنامج خاص بالمؤتمرات، والابتكارات العلمية، وبلغات مختلفة.

عقيل العبود/ كاليفورنيا

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى