مقالات

أطباء .. بلا ضمير

#الشبكة_مباشر_بغداد_ د.صلاح النعيمي أستاذ جامعي

أطباء .. بلا ضمير
    
(نرفع اليشماغ العراقي الأصيل ، لكل طبيب أو صيدلي أو ممرض ، لايزال متمسك بقيم هذه المهن الشريفة محافظا” على انسانيته ماسكا” الجمر بين يديه ) .

الذي يعيش في أيامنا هذه ، تأخذه الحسرة على ما يرى ويسمع من أفعال، خرجت عن تقاليد وقيم الجانب الانساني لهذه المهنة الشريفة ، التي تخص طبقة واسعة من ذوي التخصصات الطبية ( الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان واصحاب المذاخر الدوائية ومالكي مختبرات التحليل الطبي وأخيرا” ، المضمدين ) .

فقد أصبح العديد من هؤلاء باستثناء قلة محدودة ( لايزالون يتمسكون بما ورد في مضمون اليمين الذي أقسموا عليه عند التخرج من كلياتهم ومعاهدهم الطبية ) يسعون الى كسب المال بأية وسيلة ، شأنهم بما يماثل بعض الساسة والمؤثرين الذي عاثوا في الأرض فسادا” وسرقوا قوت الشعب ( المسكين) طوال السنوات الماضية  .

وبينما تتزايد أعداد الصيدليات والعيادات والمختبرات بمساحات ومواقع وديكورات ،  تنافس المطاعم والمقاهي ..

نجد أن  ملائكة الرحمة ، قد أصاب الكثير منهم حالة من الجشع ، أعمت ابصارهم وبصيرتهم ، فذاك الذي يتفق مع الصيدلية المجاورة لعيادته لتصريف الدواء بأسعار يتحملها المريض ( في داخلها نسبة من الأرباح لكل وصفة طبية ) ..  وذاك الذي اشترى صيدلية أو مختبر ووضع في ادارته أحد ابناءه  أو أحد اقاربه ، ولا يهمه سوى كتابة أكبر عدد ممكن من الأدوية التي تحقق أرباحا” تنافس مهن التجارة الحرة ( ولانقول جزافا” أن هذه الأرباح تتضاعف .. نظرا” للتزايد المستمر في الأسعار ، بحيث أصبح المريض ( المبتلي بمرض مزمن ) يشتري أكثر  من احتياجاته الاسبوعية أو الشهرية ، تجنبا”  للزيادات المتلاحقة في الأسعار التي يفرضها أصحاب المذاخر ، والتي أصبح الدواء من خلالهما يدور في حلقات التجارة االبشعة وينافس  ارتفاع أسعار  الدولار والمواد الغذائية والسلع الكمالية .

فقد أصبح لدى كل صيدلي جهاز سريع لتثبيت الأسعار وتغييرها ( حسب حركة الاسواق التجارية) .

ولا يوجد أسوأ من المافيات التي تشتري الأدوية الفاسدة منتهية الصلاحية ، من صيادلة بلا ضمائر ، ليتم إعادة ترويجها بتواريخ غير حقيقية وبيعها للمواطن ( المسكين دائما” وأبدا” ) .

وبينما كانت عيادات الأطباء محدودة الأعداد .. امتلئت بهم الشوارع التجارية في جميع أنحاء العراق  ، وأصبح الطبيب يقدم وصفة ، والصيدلي يجيب على أسئلة المريض ويمنحه العلاج ( عطفا” واستعطافا” ) ، بسبب ارتفاع اجور الأطباء وامتداد فترة الحجوزات للكثير منهم ،

كما أصبح المضمد ( طبيبا”) يستقبل المرضى  ، فترى المحل الصغير الذي يشغله ، ممتلئا” بمرضى يضع لهم المغذي الممزوج بخليط من أبر الباراسيتول والفولتارين وغير ذلك ( حسب شطارة الممرض وشهرته في تخفيف آلام الرأس والصداع وأوجاع القلب واضطرابات الضغط والسكر ) .

واصبح صاحب المختبر ( بعضهم من خريجي أقسام الأشعة والتحليلات المرضية في الكليات الحكومية وغالبا” ، الكليات الاهلية المسائية والصباحية ) ،  من الذين تتوافر لديهم الأموال والمقدرة على أن ( يؤجر أو يشتري عمارة ) ثم يتفق مع أطباء ممارسين من الذين يعملون في أكثر من مستشفى صباحا” .. يمنحهم غرفا” في عمارته بصفة عيادات مجانية يجهزها (المستثمر الممول) في بداية الإتفاق ، مقابل تمشية مختبر التحليلات المرضية بوصفات طبية ، يتحملها المواطن ( المسكين أيضا” ) .

إن أخطر ما في كل هذا الموضوع ، تلك النزعة الشرائية الاستهلاكية  للأدوية ، التي زرعت في عقول المواطنين .. بسبب الظروف المضطربة التي يعيشونها ،

فترى أن في كل بيت صيدلية متعددة الأغراض الطبيةوأجهزة القياس للأمراض الشخصية ،  والأدوية التي تملأ بطون أفراد العائلة ..

بحيث أصبح الدواء ( الذي يباع بلا وصفة طبية وبلا رقابة حكومية وبلا ضمائر انسانية ) يرهق ميزانية العائلة العراقية ، وينافس أسعار  المولدات وإيجارات الدور والشقق السكنية  .

وبطبيعة الحال  ، لا يمكن أن نخلي مسؤولية وزارات التربية والتعليم وقوانين الاستثناءات البرلمانية ( التي لانستطيع تسميتها ) والمجتمع عموما” …

كل تلك المسميات ، تسببت( مجتمعة) في قبول طلبة وخريجين غير مؤهلين علميا” ضمن كليات وأقسام التخصصات الطبية ( بمختلف أنواعها وحساسيتها وتأثيراتها على حياة الإنسان ) .

وذلك التساهل والوساطات التي تضغط على التدريسيين وأساتذة الجامعات  ، الذي أدى ويؤدي الى تخريج الآلاف من الذين لايمتلكون المؤهلات العلمية ومن الذين لم يستوفوا متطلبات المختبرات الطبية في الدروس العملية  بالشكل الصحيح اثناء الدراسة ،
فيتم تخريج أنصاف وأرباع الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان وتعيينهم في المؤسسات الصحية مركزيا”
( على اعتبار أن ممارسة الوظيفة في تلك المؤسسات ستؤهلهم وتكسبهم الخبرة المطلوبة ) .

هذه الممارسات ، لن تجد لها مثيلا” في أي من دول العالم .. لذلك نشهد بين مدة واخرى (دكات عشائرية ) واعتداءات على الأطباء ، لأسباب مختلفة ومتعددة ، مرتبطة بوفاة المريض او فشل العمليات الجراحية أو التجميلية .. وغير ذلك .

لايمكن القبول في أي دولة في العالم ، بهذا العدد من الصيدليات والمختبرات والمذاخر ومحلات المضمدين  ….. جراء الفحوصات المختبرية والتضميد ( التي يترزق أصحابها على طلبات المريض وما يشعر به من أوجاع ) ،
كما لاتوجد في العالم حالات مماثلة في بيع الأدوية ( بدون وصفات طبية) ووصفات علاجية بدون مراجعة الطبيب  .

إنه مرض المجتمع بأكمله أيها السادة الكرام ، يتحمله أصحاب القرار ..
وما خفي كان أعظم .
فهل من منقذ لهذه النفوس البريئة .. وهل من مستشعر لما سيؤول اليه حال الوطن !!!!

اللهم إني بلغت ، اللهم فاشهد

الله والوطن من وراء المقاصد . 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى