مقالات

الرواقيون وفكرة التداخل المطلق مبدأ الكرازيس عقيل العبود

الشبكة مباشر

الرواقيون وفكرة التداخل المطلق مبدأ الكرازيس

عقيل العبود

تعد فكرة التداخل المطلق، أي تداخل الأجسام مع بعضها البعض، من الموضوعات المهمة في الفكر الرواقي.

ومن الضروري الإشارة هنا الى ان التداخل المطلق لا يلغي اويغير من الكيفيات بحسبهم، بل يتفاعل معها بحكم هذا النسيج الحركي من التوتر، وهذا ما يميزه عن المركب، كونه في “حالة المركب يحدث تغيرا في الكيف، أي استحالة في الأجزاء المركبة”، المقطع الثاني السطر ٧-٨، ص٣٩

والمعنى ان كيفية العالم الذي نعيش فيه واحدة لا تحصل فيها استحالة، كما يحصل في تغيير الكيفيات اثر اختلاط الأجزاء المركبة.

والصورة هنا كما يبدو، هو ان العالم يبتدئ في تركيبته المادية على شاكلة نقطة صغيرة غير متلاشية، هي المركز ، وهذه النقطة الصغيرة تحيطها دوائر دون حدود بينها، وهكذا حتى تكبر رقعة هذا العالم بهيئة محيط كبير وفضاء شاسع متماسك، هذا الفضاء بحجمه الكبير الممتد الى نقطة المركز متداخل مع بعضه دون حدود تفصل بين إجزائه ومسمياته المتداخلة مع بعضها.

“التداخل بالنسبة الى شئ ، مهما قل حجمه، تداخل مطلق في كل الوجود. فيقول كريسفوس مثلا ان قطرة من النبيذ كافية ليس فقط لتلويث بحر بأكمله، بل ولتلويث العالم كله بأسره” السطر ٤-٧، ص ٤٠

وهذا معناه ان الأثر الذي تتركه قطرة النبيذ يشمل كل اجزاء هذا العالم ابتداء من المركز وانتهاء بالمحيط وبالعكس. وهذا التشبيه يفيد في تحليل التداخل المطلق بين الأجسام.
 
سيما وان هنالك ترجيحا للإعتقاد المادي في الأشياء والموضوعات، وذلك نابع من التصور الخاص بحركة المسميات، حيث أن مصدر هذه الحركة هو (التوتر) ما يسمى عندهم ب (التونوس). وهي عبارة عن عملية تداخلية حركية للنفوس بين المحيط والمركز حيث بحسب زعمهم انه ما دامت قضية هذا التداخل قائمة وفقا لحالة التوتر الذي يحدث في الماديات ، فإن جميع الصفات بما فيها الألوان تكون مادية، ولذلك فإن النفوس عندهم من الماديات، بما في ذلك معادلات السلوك الخاصة (بالفضائل والرذائل).

والتفسير كما يبدو لي هو ان الفضيلة عندهم والرذيلة اصلها توتر، والتوتر يخلق فعل، والفعل مصدره النفس، والنفس مادة، كونها متداخلة مع المحيط الذي تستقر فيه، وهذا المحيط هو بطبعه مادي، وعلى هذا الأساس فإن السلوك هو فعل مادي داخل محيط مادي، وبما ان الفضيلة والرذيلة من سنخ هذا النوع من الحركة، فأصلهما مادي لأنهما افعال حية ،وكل حي هو مادي إذ بحسب زعمهم. “ان كل ما يفعل فهو حي” المقطع الثاني، السطر ١٦، ص٤١
ومن المناسب هنا فإن مبدأ (الكرازيس) يعد من المبادئ التي يعتمد عليها الرواقيون في تفسير معنى التغيير في المركبات والأجسام والأخلاط والمخلوطات ذلك وفقا لهذه الصورة:
“بأن يحدث في الجسم امتداد، وذلك بذهاب النفوس من المركز الى المحيط، وان يحدث فيها تركز وتقلص بأن تعود من المحيط الى المركز” السطر ١٤-١٦ص٣٨
وهذا هو الأساس الذي اعتمده الرواقيون ليبرروا (النزعة المادية) التي آمنوا بها ذلك بإعتبار ان أي حركة من المركز الى المحيط وبالعكس تحدث انقلابا في الكيف وهذا الإنقلاب هو انقلاب مادي وأصل هذه الحركة هو التوتر الذي بسببه تحدث الحركة بين النفوس والأجسام.
“وفكرة النفوس أوالبنويماتا تلعب الدور الأكبر في تفسير الرواقيين لتكوين الأجسام ولما يحدث فيها من تغيرات. فهم يقولون إن هناك حركة جزر ومد في النفوس التي تخترق الأشياء، وهذه الحركة صفتها الرئيسية أنها على شكل توتر يسمونه باسم تونوس-…-بأن يحدث في الجسم امتداد، وذلك بذهاب النفوس من المركز إلى المحيط، وأن يحدث فيها تركز وتقلص بأن تعود من المحيط الى المركز” السطر ٩-١٦ ص ٣٨
ان الرواقيين هنا يبررون فكرة الفعل الحركي وإنتمائه الى الأجسام على انها صفة ملاصقة للنفس، وهذه الصفة هي التي تمنح ما ينتج عن هذه النفس ما يسمى بالماديات، فكل شئ مصدره النفس وهو مادي كونه متداخلا مع بعضه البعض ولا يوجد حد، اومسافة بين المتداخلات المادية لأنها تحصل بالتوتر داخل الأجسام.
فالنفس مثلا بحسب الفكر الرواقي من الماديات (والفضيلة والرذيلة) من الماديات ايضا، لأنهما من منشأ مادي، وهما نتاج هذا المنشأ الذي اصله التوتر، الذي يحصل داخل النفس والذي هو صفة ملازمة لها وبفعله يكون هنالك تكوينات جسمية مادية، وهذه التكوينات اجسام مادية. ص ٤١
حواشي:
“كما ان هذا المذهب من ناحية اخرى يفسر لنا تفسيرا واضحاً فكرة الفعل من بُعد، وهي الفكرة التي تلعب دوراً خطيراً جداً في الفيزياء منذ العصور القديمة حتى اليوم، فهم عن طريق مذهبهم في التداخل المطلق يقولون أن ليس في الواقع بُعد ، لأن الأشياء توجد توجد بعضها في بعض”السطر ٣-٧، ص ٤١
وهذا معناه ان فكرة رفض الفعل عن بُعد قائم على أساس مبدأ التداخل المطلق بين الأجسام، فالفعل عندهم جسم، وهذا الجسم غير مسبوق بجسم اخر، ولا يوجد (حد) بحسب زعمهم بين الأجسام.
مصطلحات مهمة مع المعاني:
أوالبنويماتا: النفوس وهي الفكرة التي اعتمدها الرواقيون في تفسير حركة الأجسام ومسمياتها
الكرازيس: التداخل المطلق بين الأجسام
تونوس: التوتر اوالحركة الذي بفعله يحصل التداخل المطلق (الكرازيس)
 
عقيل العبود
………………….
هوامش
– دكتور عبد الرحمن بدوي، خريف الفكر اليوناني، السطر ٤-٧، ص ٤٠ فكرة الفعل عن بُعد
⁃ دكتور عبد الرحمن بدوي، خريف الفكر اليوناني، السطر ٩-١٦ ص ٣٨، فكرة النفوس عند الرواقيين
⁃ دكتور عبد الرحمن بدوي، خريف الفكر اليوناني، السطر ٣-٧، ص ٤١ ، فكرة ” الفعل من بعد”
المقطع الثاني، السطر ١٦، ص٤١
⁃ دكتور عبد الرحمن بدوي، خريف الفكر اليوناني، السطر ١٤-١٦ص٣٨، فكرة النفوس عند الرواقيين

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى