أخبار العائلة العربية في المهجرأدب وفنمقالات

من باريس الى اسطنبول كاظم المقدادي و ادب الرحلة

#الشبكة_مباشر_بغداد_د شجاع العاني

على الرغم مما شهده عصرنا من وسائل مواصلات ونقل سريعة ، بحيث اصبحت السياحة مصدرا اقتصاديا للعديد من البلدان ، على الرغم من ذلك فأن ادب الرحلة لم يندثر وظل له كتابه ومحبوه ، وبقيت خطورته قائمة وحظوته مستمرة ، ويكفي ان نستذكر الشيخ رفاعة الطهطاوي وكتابه المشهور ” تخليص الأبريز في تلخيص باريز ” وما تركه من أثر في النهضة العربية الحديثة ، لكي ندرك الدور الذي يؤديه هذا اللون من السرديات ، وليس انتشار وسائل المواصلات والنقل الخديقة وتعاظمها بقادر على ان يخفض من اثر هذا الادب وخطورته .

الدكتور كاظم المقدادي ، واحد من الذين احبوا هذا اللون من السرد واخلصوا له ، وابدعوا فيه ، فقد انجز كتابين في هذا الادب وهما ” اوراق باريسية ” الذي صدر في باريس سنة 1984 و ” السلطانة اسطنبول ” الذي صدر في بغداد قبل ايام .

المفارقة التي جاء بها الكاتب انه وقبل ان يصدر كتابه “اوراق باريسية” كان قد اصدر قبله كتابه الثاني في العاصمة الفرنسية ” البحث عن حرية التعبير” وهو جزء من اطروحته في جامعة السوربون عن هجرة الصحافة العربية الى باريس في القرن التاسع عشر .

وفي اسطنبول انجز الشيء نفسه ، فقد اصدر ايضا كتاب ” جدل الاتصال – استقراء الزمن الحقيقي ” والذي اشرفنا على مراجعته وتنقيحه ، ثم كتابه الجديد ” السلطانة اسطنبول” الذي صدر قبل ايام ، ويكون بذلك قد اصدر (رباعية) ادبية علمية في سجل مؤلفاته التي تجاوزت العشرة .

في اوراق باريسية الذي الفه في مرحلة الشباب ، قدم الكاتب وصفا دقيقا لكل معالم بارييس وثقافتها ، وطرق المعيشة فيها ، إلا انه وهو يكشف عن مواطن الثقافة الحداثة ، والجمال والفن في عاصمة النور والعطور ،، قدم ايضا الوجه الآخر لباريس ، اي باريس العنصرية والتعصب العنصري ، وكشف عن الحياة ، المزرية لملايين العمال والمهاجرين ، والعرب منهم خاصة .

ذلك ان الكاتب ، لم يتخل عن حسه الوطني والقومي ، ولا حسه الاجتماعي الانساني ، وهو يصور معالم هذه المدينة التي وصفها بمدينة الاضطهاد النفساني المستمر ، كما انه سجل اشار ة ذكية ، عندما وصف حالة العربي الذي كان يحارب الاستعمار الفرنسي في بلاده حاملا بندقيته ، ثم يتحول الى عامل نظافة في مدن المهجر حاملا مكنسته .

في كتابه ” السلطانة اسطنبول” وصف د كاظم المقدادي ، كل معالم اسطنبول التأريخية والحضارية الراهنة ، والتي يشير العنوان الى عظمتها ، وقد وصفها بأنها ايقونة المدن ، و مدينة الحب الاولى ! ، وقال عنها ” كم هي جميلة مدن الحب والجمال ،، باريس ، وبيروت ، والبندقية ، وڤينا ، وبودابست ،، غير ان اسطنبول لا تضاهيها مدينة في العالم ،، انها عاصمة الدنيا ، وهي تعيش اعيادا متنقلة ، فرحا وألقا ، وجمالا “.

والكاتب هنا ايضا ، لازمه الحس الوطني والقومي وكان ، وهو يكشف عن مواطن الجمال والحداثة ، وعناصر القوة في هذه المدينة .

ولم يكتف بوصف ماهو عربي في المدينة، بل ضمن كتابه حديثا ممتعا بأسلوبه الخاص ، عن تأريخ السلطنة، وتاريخ اسطنبول ، مشيرا الى معظم السلاطنة الذين حكموا تركيا العثمانية حتى سقوط السلطان عبد الحميد الثاني ودور “يهود الدونمة ” في مسلسل هذا السقوط .

وقد اتى الكاتب على ذكر الرحلات في العالم القديم والعالم الحديث ، و العالم العربي ،، منذ محاولة ابن بطوطة المغربي وكتابه الاثير ” تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الاسفار” ومما يذكر للكاتب المقدادي انه ذكر معظم المراجع والمصادر الخاصة ، بأدب الرحلات .

اما عن اسلوب الكاتب في هذين الكتابين ،، فقد ساد على الاول ضمير الغيبة، وكأنك وانت تقرأ في ” اوراق باريسية” تقرأ لطه حسين في كتابه الايام ، بل ان الكاتب استخدم بعض المفردات التي تتكرر في كتاب الايام مثل قوله (صاحبنا) التي تطالعك في معظم سطور الكتاب .

إلا ان كتابه الجديد عن اسطنبول شهد استخدام كل الضمائر في السرد ، وتسيد فيه ضمير المتكلم ، وقد حرص الكاتب على ايراد بعض العبارات المسجوعة ، محاولا الاقتراب من المقامات التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني ، والحريري في العصر العباسي واستخدامهما بديع المحسنات في سرد الحكايات .

نهنيء الكاتب على انجازه الجديد ، ونأمل ان يظل مخلصا لهذا الصنف واللون من السرد ، الذي يندر ان نجد من يتخصص في كتابته ونشره

د شجاع العاني

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى