“آخر السعاة” الفلم العراقي المشارك بمهرجان السبنما العربية في بروكسل أول فيلم روائي عراقي يسعى للعالمية
#الشبكة_مباشر_بروكسل_علي لفته سعيد
الفيلم يحمل فكرة بسيطة و يومية تجسد حال العراقيين
بعد سلسلة من الأفلام الروائية القصيرة وحصوله على جوائز عديدة، يسعى المخرج العراقي الشاب سعد العصامي في فيلمه الروائي الطويل الأول “آخر السعاة” إلى تسليط الضوء على كثير من المواضيع المهمة في المجتمع، وهو مقتبس عن قصة ساعي البريد الفرنسي جوزيف فرديناند شوفال، الذي قضى 33 عاما من عمره في بناء القصر المثالي في فرنسا.
ورغم أنه اعتمد على قصة الفرنسي شوفال؛ إلا أن العصامي حوّل الثيمة بمهارة إلى سيناريو يلائم البيئة العراقية، باعتبار أن الهم الإنساني واحد، وجعل قصة فيلمه تحاكي ساعي البريد العراقي أيوب.
قصة فرنسية وخطاب عراقي
“آخر السعاة” هو أول فيلم روائي يصور بالكامل في مدينة كربلاء (جنوب بغداد)، وأول فيلم صور في زمن جائحة كورونا و الحجر الصحي و منع التجوال.
يقول المخرج، الذي درس الإخراج في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد مثلما درس الصحافة في كلية الآداب، إن “كتابة السيناريو استمرت لعام ونصف العام، بمساعدة السيناريست العراقي ولاء المانع، وقد نال السيناريو استحسان العديد من نقاد السينما، ثم أخذ بعدها التحضير للشروع في التصوير، الذي استمر شهرين من العمل المتواصل ليلا ونهارا”.
ورغم الجهد الكبير الذي كان يبذله العصامي وفريق عمله؛ لكنهم كانوا مصرين على الانتهاء من تصوير الفيلم بالسرعة الممكنة خوفا من الإصابة بفيروس كورونا، وهذا يعد إنجازا في زمن يشهد العراق بيئة متوترة وظروفا قاهرة سواء الأمنية منها أو الصحية، وحتى الفهم العام لأهمية السينما.
وفكرة الفيلم، حسب العصامي، مستوحاة من قصة ساعي البريد الفرنسي جوزيف فردينان شوفال الذي قضى 33 عاما بتشييد منزله و جعله تحفة معمارية في قلب مدينة لادروم الفرنسية، وهو الأمر الذي حتم عليه أن يقوم بإخراجه وفق مدرستين متناقضتين في الإخراج، وكأنه يريد أن ينحت لنفسه ومن بيئته مدرسة أخرى، فسيناريو الفيلم هجين ما بين الواقعية الإيطالية والموجة الفرنسية الجديدة، فهو مثال حي على (سينما المؤلف).
ويؤكد العصامي أن بعض المشاهدين سيجدون أن خطاب الفيلم قاس في توجيه و إثارة مجموعة من التساؤلات حول ما تود تفسيره شخصيات الفيلم، “وهذا هو واجب السينما”، باعتبار أن السيناريو عالي الجودة يقود إلى إنتاج فيلم مقبول جماهيريا ونقديا.
ثيمة وشخصيات
العصامي سبق له أن حصد مجموعة من الجوائز، منها جائزة أفضل فيلم من “مهرجان بابل السينمائي الدولي الثالث” عن فيلم “الفرصة”، وجائزة أفضل إنتاج في أحد المهرجانات السينمائية الهندية، وكذلك الجائزة الأولى لفيلم “بائعة البخور” من مهرجان “إيراتو” السينمائي الدولي في ليبيا، وجائزة أفضل ممثل من “مهرجان بعلبك السينمائي” في لبنان للفنان صاحب شاكر عن دوره في فيلم “الشيخ نويل”، إضافة إلى جائزة أفضل سيناريو من مهرجان “سينما الشباب” في سوريا لفيلم “الشيخ نويل”، فضلا عن الكثير من الشهادات التقديرية والترشيحات.
وهذا الفيلم تدور حكايته عن ساعي بريد يُدعى أيوب، الذي يجسد شخصيته الفنان رائد محسن، يعمل في إحدى المناطق الريفية، وبسبب تطور وسائل الاتصال وإشاعة التقنية والتحوّل الدراماتيكي للحياة وقضاء شركات الاتصال على هذه الخدمة، لم يعد هناك معنى لساعي بريد في المدن، فكيف بالمناطق الريفية؟، ويشير إلى أن مهمة إيصال الرسائل لم تعد وظيفيا مقبولة، فيُفصل منها، ويصبح عاطلا عن العمل.
تبدأ أحداث الفيلم بالتصاعد تدريجيا، لنجد أن المخرج بدأ يقدم مجموعة من العقد التي تبدأ بالتصاعد الدرامي لمجريات الأحداث من خلال جاره الإقطاعي أبو نايف، الذي يؤدي شخصيته الفنان إياد الطائي، والذي يستولي على أرض أيوب الذي يضطر إلى القيام برحلة مع زوجته بلقيس، وتمثلها الفنانة الشابة آيار عزيز خيون (وهو أول ظهور لها)، والابن عبودي الذي يؤدي دوره الطفل مهدي صلاح للبحث عن صديقه جاسم، الذي يؤدي شخصيته الفنان مقداد عبد الرضا، والذي انتقل إلى إحدى المدن العراقية بعد إحالته على المعاش.
ويمضي العصامي بشرح ثيمة الفيلم وعقدته من خلال الرحلة التي يقوم بها أيوب في البحث عن قطعة أرض، حتى يستطيع أن يشيد عليها بيتا يؤوي عائلته كما فعل جوزيف شوفال؛ لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.
ابطال الفيلم خلال استراحة من التصوير
أهداف ومرام
يحاول المخرج في هذا الفيلم الخروج من نمطية الإخراج السينمائي في العراق على قلته. أمام عمر السينما الذي بدأ بأول فيلم عام (1946)، وكان عنوانه “ابن الشرق” لمخرجه إبراهيم حلمي.
أراد العصامي لفيلمه أن يكون صرخة صريحة من أجل كسر جميع “التابوهات” التي فرضتها العشائرية والعنصرية والبرجوازية والعسكر والفساد في زمننا، وهو ما جعله يشتغل بأسلوب اللقطات المتوسطة وتوظيف الكاميرا، التي قادها مدير التصوير محمد جواد، وفق احتمالية جمالية بصرية، محاولا تقديم كادرات سينمائية مثيرة للاهتمام وتعكس ملامح الشخصيات من خلال الاشتغال على المضمون بقيمة العناصر الشكلية نفسها في الفيلم ، خاصة أنه يربط هذه الطريقة بطريقة كاتبة السيناريو التي كتبت على الطريقة الواقعية الإيطالية، فقد تم الابتعاد عن استخدام الديكورات والتصوير داخل الاستوديو والاعتماد على التصوير في الأماكن الواقعية.
وقام بمونتاج الفيلم الشاب مصطفى مشعان، وبعدها سيتم تحويل الفيلم إلى هندسة الصوت كي يتم صناعة شريط الصوت والموسيقى التصويرية له، وهناك اتفاق أولي مع أكثر من ملحن لصناعة التوليفة الموسيقية.
مهرجانات وطموح المشاركة
وفي ظل القيود جراء تفشي كورونا التي دفعت شركات الإنتاج والتوزيع لتأجيل عرض أفلامها، ما دفع صناع فيلم “آخر السعاة” إلى تأجيل طرحه لحين عودة الحياة الطبيعية.
واليوم يتسابق أغلب صناع الأفلام من أجل أن يتم عرض أفلامهم في أهم المهرجانات السينمائية، حيث يقول المخرج سعد العصامي إنه سيجرب حظه مع المهرجانات الكبيرة والمهمة، مثل مهرجان “صاندانس” و”كان” و”برلين” و”فينيسيا” و”تورونتو”، ومن بعدها مهرجانات أخرى تأتي بالخط الثاني كمهرجان “كارلوفاري” و”لوكارنو” و”نيويورك” و”سان سابستيان” وغيرها، باعتبار أن هذه المهرجانات السينمائية الكبيرة تزيد من فرصه بالوصول إلى أكثر دور العرض في العالم.
أسباب النجاح
ويقول الناقد والمؤرخ السينمائي مهدي عباس إن “آخر السعاة” سيكون الفيلم العراقي الأول للعام 2021، وأن لديه إحساسا بأنه سيكون أمام فيلم طويل متميز، وهو ما يترقبه الكثير من المهتمين بالفن من رؤية فيلم روائي ودرامي طويل بعد سلسلة من الأفلام الوثائقية والتسجيلية، التي أقيمت لها العديد من المهرجانات.
ويضيف عباس بأن الفيلم سيكون له مكانة بين الأفلام المتقدمة والمبدعة، متوقعا حصوله على جوائز في حال مشاركته في مهرجانات عالمية.
واعتبر عباس أن مخرج وكاتب السيناريو سعد العصامي شاب دؤوب سبق له أن قدم أفلام قصيرة متميزة حصدت جوائز واهتمامات كبيرة.
لم تكن السينما منتعشة في العراق، والجميع ظلوا لسنوات عديدة يتفرجون على ما تنتجه السينما العالمية من أفلام مختلفة بانتظار فيلم عراقي يجوب صالات العرض.
ويقول بطل الفيلم الفنان رائد محسن عن فيلم آخر السعاة، إنه يحمل فكرة بسيطة ويومية تجسد حال العراقيين، مشيرا بأنها ليست بالمهمة السهلة أن تحكي عما يحدث من خراب اجتماعي ومعاناة المواطن البسيط بدون مقولات مطولة.
ويضيف محسن -الذي مثل أكثر من 60 مسلسلا بأدوار مختلفة وهذا فيلمه الثالث في مسيرته الفنية التي تمتد لأكثر من 30 عاما- أن الفيلم يحكي عن حالات اجتماعية عراقية من خلال شخصية مسحوقة في كل الأزمان، وعبّر عن سعادته بالعمل في هذا الفيلم في فترة حرجة.
ويقول” كنا كفريق نفكر بإنجاز فيلم سينمائي نتسابق مع الفيروس ونتحاشاه حتى نكمل التصوير”.
المصدر : الجزيرة