لايحلوا الكلام والحديث المجتمعي عن اي بلد وفي اي شأن عموما الا عندما يكون ممتزجا بلغة الأرقام ، فالأرقام والإحصاءات اهتم بها البشر في كل خطوات الحياة ، فالمسافة بين الأماكن تقاس بالأرقام ،وعدد وجبات الطعام فيها شيئا من الأرقام ،ورحلات الفضاء لايمكن أن تتم إلا بعد معرفة المسافة المقطوعة بالأميال الرقمية بين الكواكب لكي يتم تحضير التجهيزات الفضائية بالشكل المناسب ، وحتى نبضات القلب تقاس بالأرقام ، لابل حتى عدد الزوجات وحسب الديانات تقاس بالأرقام !!! ناهيك عن عدد ساعات النوم وعدد ساعات الدوام والواجبات الوظيفية، وعدد جرعات الدواء،واطوال العمالقة والأقزام،وغيرها كثير ممن تقوم عليه البشرية، صعودا او هبوطا، ولكن الأهم انه كيف يمكن التعامل مع هذه الأعداد والإحصاءات بطريقة ايجابية ومتحضرة ترتقي بالإنسان والمجتمع الى مستويات عليا ،اي كيف يمكن التعامل والتجانس مع الإحصاءات والارقام وفقا لأطر مجتمعية ينتقل فيها من حال الى أفضل.
فما بالك ان مجتمعنا يتعامل مع الأرقام والإحصاءات والأعداد بطريقة مزاجية بدائية تلبي حاجاته الشخصية فقط وليست اهداف مجتمعه الذي ينبغي ان يرتقي، فعندما تقول للشخص عليك بتناول جرعة الدواء ثلاث مرات فانه يلتزم بها حرفيا ،وعندما تطلب منه الحضور بوقت محدد بالارقام للدوام الرسمي فانه يلتزم وبعكسه سيكون قطع براتبه ،وعندما تطلب منه ان لايقترب من حافة الجبل بعدد من الأمتار لانه سيسقط بعدها فأنه يكون حذرا من السقوط في الهاوية ، لابل يقوم بمحاسبة ابنه اذا كانت ارقام درجاته المدرسية متدنية ودون المستوى المطلوب ،فما رأيكم ان هؤلاء الأشخاص والذين يشكلون في المجتمع (ارقاما ) عالية لايكترثون عند قرائتهم لأرقام ونسب مؤية واعداد يسير فيها مجتمعنا الى السقوط النهائي في هاوية التخلف ،،فمثلا مثلا اليكم هذه الأرقام والنسب ،،،فأن 90% من الاراضي الزراعية معرضة للتصحر لأن احبائنا في دول الجوار لايهمهم شأن العراقيين، والأتعس من ذلك فأن زراعتنا تسهم فقط ب 3% من الناتج المحلي العراقي، وصناعتنا تسهم ايضا ب 3% علما ان عدد المصانع الحكومية يبلغ (227 )مصنعا يعمل منها( 140 ) مصنعا فقط والبقية متوقفة منذ عشرين عاما لكن رواتب موظفيها مستمرة ولدينا وزارة صناعة!! وان عدد النخيل قد تراجع من 21 مليون نخلة الى رقم بسيط جدا ، اي غادرنا عنوان “العراق بلد النخيل” ، اما الأمية فقد بلغت 12% من عدد السكان وترتفع هذه النسبة بين النساء الى 18% وفي الريف الى 20%.
ولكن عليكم ايها العراقيون النشامى ان تحزروا في اي مجال حقق البلد ارقاما قياسية وحقق البطولة والنجاح بامتياز وتفوق ،،انه بالتأكيد في مجال النفط، ولعلكم تعلمون لماذا يهتم مسؤولينا بأرقام النفط ، لابل ان كلمة النفط تدغدغ احاسيسهم وعواطفهم الجياشة !! لان النفط يرتبط بارقام المخصصات والامتيازات والتدفقات المالية ذات السيولة العالية الى الخارج والاستثمارات الخاصة ،،ففي مجال النفط حقق بلدنا طفرة في مجال الإنتاج والتخزين والنقل الى الموانيء ،،ولكن انتبه،،ليس هناك تطور في مجال استثمار الغاز،،لانه يبدو ان الغاز العراقي المصاحب للنفط يسبب الزكام لدى بعض دول الجوار، وعلينا استيراد الغاز منهم لانه يحتوي على عطر فواح يناسب عملية تشغيل محطات الكهرباء لدينا !!!بما يعني بلغة الارقام ان 62% من انتاجنا للغاز اي مايقارب 196 الف برميل من النفط بما قيمته 45 مليار دولار يتم حرقها من اجل استيراده وترضية دول الجوار.
هل نضحك ام نبكي على تلك الارقام ونقول لماذا اذا يحاسب الوالد ابنه عندما تكون ارقام درجاته متدنية ، ولماذا يتم محاسبة الموظف المتأخر، والف لماذا ولماذا ،،مادامت لغة الأرقام ستقربنا من الهاوية التي لارجوع منها ونحن ساكتون وقابلون .
عراقنا يصح عليك ماقاله الشاعر والكاتب العراقي المعروف عبد الكريم العلاف بحق حبزبوز في عام 1921 :
مالي أراك وقد غدوت تقاسي ألــم القضية دون كــل الـنــــاس
هون عليك فلست أول من غدا هدف السهام ومضغة الأضراس
