بغداد لا تقاس فقط بعمرها القصير نسبيا الذي بدا عام ٧٦٢م /135هجري .ولا بعدد سكانها الذين تجاوز عددهم ثمانية ملايين ولا بمراقدها الروحية المتعددة والمتنوعة دينيا ومذهبيا ولا بقومياتها السريانية
والكردية والعربية والتركمانية.وغيرها ولاببعض خلفائها.ومنهم بانيها المنصور ومطورهاالرشيد ومفكرها المأمون ولا بآلاف من علمائها واعلامها نساءا ورجالا بل بموقعها الجغرافي الذي تتوسط فيه بين زاخو
شمالا والزبير جنوبا وفي اقرب نقطة تقارب دجلة والفرات عاشقيها الدائمين وبموقعها الاستراتيجي بين ستة دول مجاورة لبلاد الرافدين إيران من الشرق وتركيا من الشمال والاردن من الغرب وسوريا من
الشمال الغربي و السعودية و الكويت من الجنوب .
كما انها كانت ولا زالت وريثة اول و أهم تجارب زراعية و لغوية و ثقافية و عالميه من خلال السومريين الذين حكموا مساحات من جنوبه و الاشوريين حكموا مساحات واسعة من شماله وامتدوا شرقا وغربا وشمالا وفي وسطه بابل التي توسعت غربا حتى شرق البحر المتوسط.
ثم تعرضت بلاد الرافدين لانتكاسات وغزوات واستعمار متعدد منه الفارسي والافريقي والروماني والاسلامي والمغولي والمملوكي والعثماني والبريطاني والاميركي ولربما لغيرهم لاحقا..ومع ذلك تبقى عاصمة ابي جعفر المنصور مؤسسها هارون الرشيد مطورها في العمران والمامون مطورها الفكري ليس فقط الديني بل الفلسفي والرياضي والهندسي وفي معارج النجوم.
وبغداد رغم جراحاتها المعيقات. لازالت لبؤة جريحة تحتاج اكثر واكثر لكل جماليات الفنون والعلوم والآداب ولكل قيم الحرية والعدل والمساواة ولا تستحق الهجر ولا التجاهل ولا نكران الجميل ولاطعنها من الخلف بخناجر وحراب الطامعين القريبين البعيدين..
لذلك هي تصرخ منذ سنوات تبحث عن حبيب واحبة يحمونها من العابثين والغزاة والجهلة لانها تربت وعشقت الحرية.والإخلاص لها لانها بنت العراق الجميلة التي لا يزال كبار الشعراء يتغزلون بها.
حسن الزيدي