حرت في وصف الكليات والجامعات الاهلية التي تتكاثر يوميا بشكل مثير ،، لتتسابق على المال الجامع ،، وليس على تهيئة العقل المانع والأثير .
حاولت في تجربتي الاخيرة في جامعة اهلية ،، ان اقدم شيئا ، لكني اصطدمت بعقلية جاهلية ،، لذا قدمت استقالتي على عجل ،، على عكس الذي حصل لي في كلية الفارابي لاربع سنين ،، يوم جعلنا من العلم اولا ،، والاستثمار لاحقا ،، وحافظنا على بيئة جامعية مساحتها اكثر من اربعين دونما .
جامعة الحاج ،، يا سادتي .. موجودة الان في كل العراق ،، وبسخرية اقول انها ( جامعةالحاج ابو الشربت ) جامعةً لا تعير اهمية لدوام الطلبة بانتظام ، ليس لها ادنى اهتمام بالعلم والمعرفة والنظام ،، وهي لا تستحق الاسماء الكبيرة التي توضع لها جزافا وعلى واجهة بناياتها المتناثرة .
كان يفترض ان تؤسس الجامعات للعلم والمعرفة ،، لكن واقع الحال سخرت لجمع المال والمثلمة ،، و سرعان ما تحولت الى مكاتب استثمارية ، يديرها الحجاج المستثمرين وحاشيتهم ،، ومن يقف من ورائهم من متنفذين في السلطة من عائل ومعلول ،، فتقدمت الجيوب على حساب العلم والعقول .
كل حجي في جامعة ،، الله يطول بعمره ،، هو الكل بالكل ،، هو الآمر الناهي ، والقاصي والداني ، هو رئيس الجامعة الفعلي ،، وهو مدير التسجيل ،، ومدير الحسابات ، ومدير الحمامات ،، يتدخل في الكبيرة والصغيرة ،، ولحسن الحظ انه لا يحمل شهادة تذكر .. ولو حملها لتدخل حتى بالمناهج العلمية ،، وجعل من “سيرته العصامية ” مادة تفرض على الطلبة في الفروع العلمية والانسانية .
الحاج المبجل ،، خصص له مكتبا في اعلى الطوابق ،، بجوار مكتب رئيس الجامعة ،، و وضع مصعدا له ولضيوفه ،، وسمح للرئيس فقط ،، رفقة بأسمه وكبر عمره ،، اما المعاونون العلمي والاداري ،، وجميع عمداء الكليات ،، فيحشرون صعودا وهبوطا مع الطلبة في مصاعد ضيقة !!
لا احد يعترض على الحاج ،، لان الحاج ،، صاحب مزاج ،، وحامل باج ،، ولأن “لقب الحاج ” في الجامعة ، صار للموظفين والمتملقين ، وجلهم من حاشيته ،، أهم وارفع من لقب بروفسور ،، مع ان في الجامعة اساتذة اجلاء استغربت من سكوتهم ، وهم يعرفون جيدا ،، ان الجامعة لا توفر الحد المقبول للطلبة من بيئة علمية ، ومناخات تدريسية مناسبة .
عودتنا جامعة بغداد .. ان لها بابا رئيسا ،، يدخل ويخرج منه الاساتذة والطلبة والموظفون ،، وفيها حدائق ونافورات وبيئة جامعية خلابة ،، في حين ان جامعة الحاج ، بناياتها متباعدة ،، معظمها بني على عجلة ، تفرق فيها الاساتذة والطلبة والموظفون على حد سواء ، فانعدمت فيها البيئة الاكاديمية ، والمناخ العلمي ،، عمارات متناثرة هنا وهناك ،، بعض القاعات من دون كراسي ،، واساتذة من دون مكاتب ،، مع هذا فأسمها الفخم ، لاينسجم ، والبؤس العلمي الذي ينخر في جدرانها ،، ولأنه ترجمة بائسة لموقع حضاري عراقي قديم وعظيم ،، بناياتها لا تجمع ، بعض منها بني على عجلة مما سبب بوجود ثغرات معمارية ، تؤثر على سلامة الطلبة مستقبلا ،، عماراتها متناثرة هنا وهناك على طول الشارع ، والطلبة من دون ناد يجمعهم ،، ومن دون ألفة ولا تجديد ،، حتى اصبحت الجزرة الوسطية ، والشوارع الفرعية ملاذهم الوحيد .
الغريب ان المستثمر الحاج ،، بات يتحكم في مستقبل الجامعة والاساتذة وحتى الطلبة ، يدخل اجتماعات رئاسة الجامعة فجأة .. وكل ما يصرح به ،، الطلب من عمداء الكليات ، بحث الطلبة لاستلام اجور التسجيل ،، ومنعهم من دخول الامتحانات في حالة عدم تسديد نصف المبلغ المعلن .
وترى الحاج يغضب احيانا ،، وسط قاعة تسجيل الطلبة الجدد ، من دون سابق انذار ،، و بصوت عال يسمعه القريب والجار .
لا ادري .. لماذا تصورت ان جامعة الحاج .. عبارة عن شارع طويل وسريع .. تسيطر عادة على مسارات هذا الشارع الخطر .. الشاحنات الكبيرة ( التريلات ) ولكم ان تتخيلوا الرعب الذي يسيطر على صاحب سيارة التكتك ، والستوتة ، والسايبة.. وحتى سيارة الليكسز والمرسيدس .
لا تذهبوا بعيدا .. لم اكن اقصد مستثمرا بعينه ،، ولا حاجا بشخصه  ،، ولا جامعة بحد ذاتها ،، انما هناك الكم المثير ،، من جامعات تسير على هذا المنوال المؤسف والخطير .
لذا اطلب من السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي المحترم الدكتور نعيم العبودي ،، وضع حد لهذا المشهد الجامعي المحزن والتحقق منه ،، والرجوع الى قرار وزير التعليم العالي الاسبق د قصي السهيل سنة 2019 الذي منع به جميع المستثمرين من دخول الكليات والجامعات .
جامعة الحاج ،، يا سادتي :
ليست جامعة واحدة انما عشرات وعشرات ،، هي سلسلة طويلة استولى عليها الحجاج بغفلة من الزمن ،، وعلى قاعدة ( القبيلة والعقيدة والغنيمة ) لاداء مناسك السطو والسرقة ،، وتخريب المنظومة العلمية والمعرفية ،، وهذا هو السائد اليوم في اغلب الجامعات الاهلية التي تشتري عقول الاساتذة بسعر بخس وبرواتب غير مجزية ،، ثم تبيعها للطلبة بسعر يرهق اولياء الامور ،، من اجل ماذا ؟
من اجل تدمير المنظومة العلمية ،، وتخريج جيوش من الطلبة غير المتعلمين ،، ومن اجل سيادة نظام التفاهة الذي استشرى وتحول من ظاهرة الى حالة مستعصية .
وسلام على روح الدكتور العالم الجليل عبدالجبار عبدالله ،، الذي كان اهم رئيس لجامعة بغداد .. والمعروف عنه انه كان مهتما ومتأثرا بسيرة انشتاين .
اخيرا.. قولوا لي بربكم ..
هؤلاء ،،الذين يديرون اليوم اغلب الجامعات الاهلية .. ما نوع ثقافتهم ،، وماهي مؤلفاتهم ونتاجاتهم ،،؟