انقلاب 14 تموز 1958: خطأ محوري في تاريخ العراق الحديث
#الشبكة_مباشر_روتردام_الكاتب أدهم إبراهيم
كان انقلاب عام 1958 في العراق، والذي يشار إليه غالبًا باسم ثورة 14 تموز/يوليو، بمثابة نقطة تحول مهمة في تاريخ البلاد .
حيث أطاح بالنظام الملكي الهاشمي وأنشأ الجمهورية .
وكان حدثا فاصلا ترك بصمة لا تمحى في تاريخ البلاد . ورغم أن الكثيرين احتفلوا به في البداية باعتباره خطوة نحو التحديث والاستقلال عن النفوذ الغربي، الا إن العواقب الطويلة الأمد التي خلفها الانقلاب ألقت بظلالها على العراق، مما أدى إلى عدم الاستقرار السياسي، والتحديات الاقتصادية، والاضطرابات الاجتماعية التي لا تزال البلاد تعاني منها حتى اليوم.
تميز العهد الملكي في العراق بالاتجاه نحو تاسيس دولة على وفق الاسس المعترف بها في الادارة العامة ، وذلك عن طريق خلق مؤسسات تخصصية تدير مرافق الدولة . وبالرغم من ان التجربة الديموقراطية لم تكن بالمستوى المطلوب حيث اكتنفها الكثير من الممارسات الخاطئة ، الا ان التداول السلمي للسلطة كان سائدا آنذاك . ولم يكن الملك يتدخل كثيرا بشؤون الدولة .
ان تجربة الحكم آنذاك كانت حديثة العهد لان العراق كان قد عانى من التخلف والاستبداد ردحا طويلا من الزمن تحت سلطة الدولة العثمانية . ولذلك شاب هذه التجربة الاخطاء . واذا كان الشعب قد ضاق ذرعا بالحكم فان ذلك يعود الى الطموح الكبير الذي زاد من سقف توقعاته ، فاتهم الحكومة بالقصور والعمالة للاجنبي .
ان الإطاحة بالنظام الملكي كانت سريعة وقاسية، مما أدى إلى إعدام الملك وعائلته .
ألغى الانقلاب النظام الملكي، وفكك البنية السياسية القائمة، وأعلن العراق جمهورية .
تولى الزعيم عبد الكريم قاسم السلطة، ووعد بالإصلاحات وإنهاء النفوذ الاستعماري الذي استمر في ظل النظام الملكي المدعوم من بريطانيا.
وعلى المدى القصير، اعتُبر الانقلاب بمثابة انتصار للحركات الوطنية والقومية العربية ورفض للإمبريالية الغربية.
قضت حكومة قاسم على النظام الاقطاعي ، وحققت بعض الإصلاحات في الأراضي، واصدرت قانون رقم (٨٠) الذي قيد الشركات النفطية الأجنبية من الاستثمار في مساحات واسعة .
وحاولت تحديث الاقتصاد، وسعت إلى إنشاء نظام سياسي أكثر شمولاً. ومع ذلك ، فإن التفاؤل لم يدم طويلاً. وسرعان ما انحدر النظام الجديد إلى الاستبداد .
أدت الانقسامات الداخلية والصراعات على السلطة داخل المجلس العسكري الحاكم إلى الافتقار إلى الحكم المتماسك. وأصبح الزعيم قاسم نفسه استبدادياً على نحو متزايد، وفشل في إنشاء دولة مستقرة . وقد شهدت هذه الفترة صعود العنف السياسي والانقسامات الداخلية، وتصاعد التوترات الحزبية وخصوصا بين الحزب الشيوعي وانصار الزعيم عبدالكريم قاسم من جهة وحزب البعث والحركات القومية من جهة اخرى .
ولضمان استمراره بالحكم سعى الزعيم عبد الكريم قاسم الى تشكيل تنظيمات شعبية مسلحة لحماية حكمه تحت اسم المقاومة الشعبية لصيانة النظام الجمهوري . وقد استغل الشيوعيين المقاومة الشعبية هذه فحاولوا السيطرة عليها ثم احتوائها من قبلهم بشكل نهائي .
لقد كانت المقاومة الشعبية تمارس شتى انواع المضايقات والاعتداءات على قطاعات واسعة من الشعب تحت شعار لاحرية لاعداء الشعب .
انتهى حكم الزعيم قاسم نفسه بشكل عنيف في عام 1963 عندما تمت الإطاحة به وإعدامه في انقلاب قاده حزب البعث، والذي شهد فيما بعد تشكيل الحرس القومي لحماية النظام الجديد . وانتظم فيه الالاف من البعثيين .
وقد ارتكب جرائم بشعة بحق الشيوعيين وانصار الزعيم عبدالكريم قاسم، لاتقل بشاعة عن جرائم المقاومة الشعبية .
كانت إحدى أهم عواقب انقلاب عام 1958 هي عدم الاستقرار السياسي المزمن الذي أطلقه . وتتابعت سلسلة من الانقلابات والانقلابات المضادة .
وكان أبرزها صعود حزب البعث عام 1968 . الذي شهد ازدهارًا اقتصاديًا أوليًا ، لكن سياسات النظام اللاحقة في الثمانينيات ومابعدها من جرائم وانتهاكات لحقوق الانسان وحرب الخليج وعسكرة المجتمع والعقوبات الدولية دمرت اقتصاد العراق ومستقبله .
وقد تسبب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 في تشكيل نظام سياسي قائم على الانقسامات الطائفية والعرقية، فاطلق العنان لموجات جديدة من العنف ، وخلق بيئة يمكن أن تترسخ فيها الأيديولوجيات المتطرفة .
واليوم، لا يزال العراق يواجه تحديات كبيرة . ولا يزال السلوك الطائفي والانقسام السياسي ومارافقه من تفشي الفساد والبطالة والمخدرات ، اضافة الى ضعف الخدمات المقدمة الى المواطنين وعلى الاخص في مجال الكهرباء والصحة والتعليم والصعوبات الاقتصادية المستمرة، قد اعاقت بناء دولة مستقرة ومزدهرة .
إن إرث انقلاب عام 1958 واضح في صراعات العراق المستمرة ، والتي أعاقت بناء عراق ديمقراطي وموحد .
والخلاصة ، ان انقلاب عام 1958 كان حدثًا محوريًا في تاريخ العراق، وقد وعد بالكثير ولكنه أدى في النهاية إلى عقود من المعاناة والاضطرابات .
إن الإطاحة بالنظام الملكي وما تلا ذلك من عدم الاستقرار السياسي وضعت العراق على طريق الاستبداد والصعوبات الاقتصادية والصراع الطائفي . إن فهم تأثير هذا الانقلاب أمر بالغ الأهمية لفهم صراعات العراق المعاصرة والسعي المستمر لتحقيق الاستقرار والوحدة في بلد يتطلع ابناءه الى المستقبل بمنظار الامل والتفائل .
ادهم ابراهيم