المفاهيم الاقتصادية عموما تقوم على اساس حسن استثمار الموارد المتاحة ايا كانت من اجل خلق منافع يرتقي بها الهيكل الأقتصادي ويحقق نمو في جميع قطاعاته تنعكس ايجابا على مواطنيه.
هذه المفاهيم وماتبعها من نظريات اقتصادية ابدع فيها علماء ومختصون من خلال اجراء بحوث ودراسات معمقة على مدى مئات من السنين ، اثبتت وبشكل قاطع انه ليس من المبرر ان يتم استثمار الموارد والانفاق عليها ،دون الحصول على تطبيقات واقعية للمنافع ،وهذا الشأن يسري على جميع المكونات الانسانية والاجتماعية والعلمية والتربوية والصناعية والزراعية ،اي يسري على عموم المجتمع ، سواء كان مجتمعا ناضجا ومتفهما لرسالته وطموحه ، ام مجتمعا متخلفا يقوم على الانفاق غير المخطط للأوهام والتخيلات التي لاتحقق تطورا ملموسا على القطاعات الأقتصادية.
والموضوع على بساطته فانه ينطبق على اي خطوة يراد بها الوصول الى مستقبل افضل .فاذا كان البعض يظن ان اجراء دراسات الجدوى الاقتصادية التي يتم تنفيذها وفقا لشروط وحسابات وخطوات محكمة ، هي فقط للمشروعات الأقتصادية التي تهدف الى الربح ، فهذا لايعكس الحقيقة ، فالحياة بمجملها هي عبارة عن فعاليات اقتصادية تحتاج باكملها لاجراء دراسات جدوى، ولعل ابسط مثال لذلك هو ان ولادة اي فرد ايا كان هو مشروع استثماري يتم الأنفاق عليه منذ الايام الاولى لكي يتغذى وينمو ويكبر ويتعلم ويتجنب المرض من اجل ان يصل الى مرحلة يستطيع فيها ان ينفق على نفسه ويواكب التطورات العلمية والتكنولوجية ، ومن ثم يقوم هو بتبني الفعاليات الاجتماعية وينفق عليها من اجل اسعاد نفسه والبشرية عموما،فهذا التواصل بين الأفراد وبينهم وبين الاحداث المجتمعية هي بمجملها مشروعات استثمارية الغاية منها مواكبة الحياة نحو الأعلى.
ويخطأ من يظن ان بناء مصنع لانتاج الطائرات يحتاج الى دراسة جدوى اقتصادية في حين ان افتتاح محل صغير لبيع الخضروات والفواكه لايحتاج الى تلك الدراسة ، فكلا المشروعين يحتاج الى ايجاد علاقة بين الكلفة والعائد ، وماهي الاموال التي سيتم اسثمارها ومتى سيتم استعادتها وفي اي زمن، وباحتساب تلك النتائج سيتم اقرار مدى نجاح او فشل المشروع سواء كان لانتاج الطائرات ام لبيع الفلافل والشربت !!!
من سابع المستحيلات ان تتخذ اي جهة قرارا بمواصلة اي مشروع تزيد تكاليفه عن ماسيحققه من عوائد ولسنوات عديدة ، فمثل تلك المشروعات لاتقدم اي منفعة للمجتمع او لمن يقوم بأدارتها ،فماذا يقال عن تلك المشروعات التي تشكل نفقاتها جزءا كبيرا من الأموال العامة ، فهل يصح ان يتم استنزاف مليارات من الدنانير دون ان يتم التفكير في كيفية اعادتها وبالأضعاف الى الخزينة ، فها يقبل اي فلاح بسيط مثلا ان يقوم بحراثة ارضه وزراعتها ورعايتها ، دون ان يحصل على مقابل من جراء بيع المحصول.
نعم نجد ذلك عندنا في مشروع الحصول على الشهادات الدراسية،مشروع الدراسة كما يعلم الجميع يستنزف موارد من الدولة على مدى اثنا عشر عاما لكل فرد على المدى القصير وستة عشر عاما على المدى المتوسط وتسعة عشر عاما على المدى الطويل.عملية انفاق مالي من قبل الاهالي ومتابعة يومية على شؤون الدراسة اضافة الى مجموعات تربوية وتعليمية ومختبرية وادارية ،،كلها تسعى الى ان يحصل الفرد على شهادة علمية وهي التي تمثل هدف دراسة الجدوى لمشروع الدراسة ،،كل هذه التجمعات تسعى للحصول على ورقة الشهادة لمشروع الدراسة،فكم من التكاليف تم انفاقها دون ان يتم الاستثمار لتلك الشهادة،،اي شهادات لاتعمل على زيادة الناتج المحلي الاجمالي بل تزيده ارهاقا ومعاناة.
في كوبا مثلا يتم انفاق13 % من الناتج المحلي الأجماي للتعليم،وكذلك بقية الدول المتقدمة ،ولكن تقوم باستثمار تلك الشهادات لتحقق نموا زراعيا وصناعيا وعلميا متقدما،،ونحن نفتخر باعداد الشهادات العلمية التي تفترش الأرض بحثا عن استثمار.