اوجد الانسان العملة النقدية منذ الاف السنين لتسهيل عمليات تبادل المنتجات، بعد ان كانت تلك العمليات تتم عن طريق اسلوب المقايضة . عندما ظهرت العملات النقدية كانت تعكس معيار للقيمة ، ولازالت الى حد الان ، في الوقت الذي عندما وجدت النقود لم يكن هناك بنوك مركزية ولا اسواق مالية للمضاربة والمنافسات من اجل الحصول على صفقات يراد بها تحقيق الطغيان والاحتكار والسلطة على الشعب .
حجم العملة النقدية يلعب دورا بارزا ضمن المؤشرات الاقتصادية للبلد، فزيادة حجم تلك العملة يؤدي الى انخفاض قيمتها داخليا وخارجيا،،وهنا تظهر نسب التضخم او التقشف من خلال التداول والمتاجرة والتحويلات الخارجية مما يلعب دورا مهما في نمو الناتج المحلي الاجمالي.
وقد شهد اقتصاد بلدنا عن زيادة غير عادية ومنفلتة في طباعة العملة النقدية الوطنية حيث تم اصدار حوالي 40 ترليون دينار خلال الفترة التي تلت عام 2004 ولمدة عشرة سنوات ، نظرا لحاجة السوق ، وتلاها طفرات كبيرة في طباعة العملة خاصة في السنوات الأخيرة.
العملية بمجملها عبارة عن احداث توازن يجب توظيفه بين العرض والطلب على عملية طباعة العملة النقدية ،،مما يقتضي وجود محددات ومعادلات تسهل من عمليات التداول بالعملة بحيث تلبي طلبات قطاعات العمل الاقتصادية والاجتماعية ،،،اضافة الى التهريبية لدينا !!!
قرار طباعة العملة النقدية قرار اقتصادي يتعلق بجميع جوانب الهيكل الاقتصادي ، قرارمستقل ومحكم لايتأثر بالتدخلات السياسية االمتعلقة بملء الجيوب واقتناص الفرص البعيدة عن الرقابة والقوانين والتي تهدف الى تصويب العملة الى جيوب المنتفعين منها وتسهيل عملية تهربيها ، فما هي المبررات من زيادة طباعة العملة في الوقت الذي تكون فيه نسبة الفقر والتدني في مجمل القطاعات الاقتصادية قد وصلت الى الحضيض ، ماهي المسوغات التي يقوم عليها قرار زيادة طباعة العملة النقدية بينما الشعار الذهبي الذي تتفاخر به الوزارات والمشروعات الاقتصادية عموما هو ” نعتذر لعدم وجود تخصيص ” ، في الوقت الذي تتوفر فيه تلك التخصيصات النقدية وبالمليارات عندما يتعلق الموضوع باحتساب مخصصات الخدمة والحماية والامتيازات للراسخين بالسلطة والحكم ، بينما يتم حجبها عن بقية الراسخين في الفقر والمذلة من عموم الشعب.
فاذا كانت طباعة العملة النقدية تحقق الانتعاش الى مهربي تلك العملة للخارج ،،فأنها على العكس تحقق الارتعاش لابناء الشعب المغلوب على امره، حيث ان تلك الاواصر النقدية بين الشعب والسلطة لايمكن تفسيرها ضمن الأطر والمفاهيم الوطنية مادامت قائمة على المصالح النقدية المالية وليس لها علاقة بالمفاهيم الاقتصادية التي تسود جميع بلاد العالم.
والغريب والمضحك ان لايعاني اقتصادنا الفتي من ازمة سيولة نقدية عندما تحل عليه صفقات القرن في مجالات الفساد المتعددة والمبتكرة من العقول التي كانت تدعي بالوطنية قبل عام 2003 ،،هذه العقول التي ادامت مكائن طباعة العملة وابقتها شغالة على مدى اكثر من عشرين عاما ، علما بأن هذه المكائن لاتعطل الا عند مطالبة الشعب بحقوقه. رحم الله الشاعر طرفة بن العبد حينما قال:
واذا افتقرت فلا تكن متخشعا ترجوا الفواصل عند غير المفضل
واذا لقيت القوم فاضرب فيهم حتى يروك طلا أجرب مهمل
د. نــمـيــر نــجــيب نــعـوم