ظاهرة الطلاق في العوائل العربية بأوروبا.. محاولات للخلاص أم استغلال للقانون؟ والمتضرر الأطفال
ظاهرة الطلاق في العوائل العربية بأوروبا.. محاولات للخلاص أم استغلال للقانون؟ والمتضرر الأطفال
أحد مراكز اللجوء بمدينة ويرت جنوب هولندا، شهد 11 حالة طلاق بين قاطنيه، وتكرر الرقم في أكثر من مركز، وقال المحامي شريف العبادي في تصريح صحفي سابق إنه يحضر كل أسبوع جلسة أو جلستي طلاق بين اللاجئين، حيث تتميز كل جلسة بسرعة اتخاذ القرار والاستسهال بالقضية.
يشار إلى أن 90% من حالات الطلاق بطلب رسمي من المرأة وليس الرجل، بحسب إحصائيات رسمية نشرتها مواقع إعلامية مطلعة مثل شبكة جيرون وموقع أبواب. فلماذا هذا الكم الهائل لحالات الطلاق بين اللاجئين في أوروبا؟
شهادة سمية
سمية ابنة الشمال السوري
أم لابنتين، طلبت الطلاق من زوجها قبل حوالي سنتين، وأصرت عليه رغم المناشدات العائلية للحيلولة دون ذلك، حفاظاً على مستقبل ابنتيها.
تقول”كأنّ المطلوب مني أن أعيش العمر كله تحت الإهانة والذل والضرب والسادية الذكورية، حيث يتسم طليقي بكل هذه الصفات، فهو يهوى إذلال المرأة، وأمام أيّ خطأ مني أو سهو أو تقصير، تجده ينهال عليّ بالشتائم التي تمقتها الفطرة البشرية”.
وتبدي استغرابها “لماذا تتحمل المرأة المسؤولية دوماً عن أية حالة طلاق تحدث في أوروبا؟ ويتم اتهامها بأنها تستغل القانون الأوروبي المُناصر للمرأة كي تعيش حياتها بعيداً عن الضوابط الشرعية والأخلاقية، وهذا الأمر غير صحيح بالمُطلق”.
في بلادنا.. لا للطلاق
كانت سمية في سوريا تطالب دوما برفع ماكينة التسلط عنها -بحسب قولها- وكثيراً ما كانت تشكو هذه المأساة لإخوتها الذين كانوا كل مرة يضغطون عليها لتتحمل فظاظة طبعه لأجل عيون أطفالها، وكثيراً ما غادرت منزل الزوجية وآثار الضرب واضحة عليها طالبة الطلاق منه بالفم الملآن.
ولكن محاولاتها كانت تبوء بالفشل كل مرة بسبب رفض إخوتها فكرة الطلاق بذريعة أن الطلاق جريمة نكراء، وأن المرأة المُطلقة سرعان ما يصيتُ ذكرُها بين الناس وتُصبح موضع إدانة المجتمع الذكوري التسلطي.
وتضيف سمية “ربما يكون هناك سبب آخر لم يعلنه إخوتي، وهو أنني سأصبح عالة عليهم بعد الطلاق لأنني حُكما سأستقر في بيت أحدهم بسبب أن والدي توفي منذ عشر سنوات، وهو ما دفعهم لرفض فكرة طلاقي رفضاً قاطعاً، رغم أنني كنت دائماً أخبرهم بحجم الظلم الذي أتعرض له من طليقي”.
وكثيرا ما تحول المشهد بين إخوتها وطليقها إلى صدام وتبادل للشتائم، ولكن الأمر نهاية المطاف كان يُحسم على حساب كرامتها، وكان عليها كل مرة أن تعود إلى بيت الزوجية صاغرة ذليلة، ليتكرر مسلسل الضرب والشتم بعد يومين من عودتها منقوصة الكرامة.
هنا في أوروبا كانت الفرصة سانحة للتخلص من هذا العبء الثقيل “غير آبهة بما يقوله الناس عني” وأصرت على الطلاق رغم مقاطعة إخوتها لها وتهديدهم بأشياء أخرى، مؤكدة للجزيرة نت أن الطلاق هو الحل الأمثل في مثل هذه الحالات، ومخطئ من يعتقد أن الطلاق دائماً يحطم مستقبل الأولاد.
وتقول سمية أسأل ابنتيّ أيّهما أفضل قبل الطلاق حين كانتا تشاهدان أمهما وهي تُضرب ليل نهار، والصراخ على مدار 24 ساعة؟ أم الآن حيث الهدوء والسكينة؟ أنا طالبتُ بحقي في الطلاق فقط، ولم أطالب بإخراجه من المدينة أو إلحاق الأذى به حفاظاً على “الخبز والملح” بيننا، وحبذا لو تأخذ بشهادة ابنتي الكبرى أيضاً، عمرها تسع سنوات”.
وبالفعل التقينا بابنتها الكبرى وكانت علامات الخوف من أبيها بادية عليها، وأفادت أنها لا تفضل عودة أبيها للمنزل، حتى لا يضرب أمها على رأسها، وتصرخ وتبكي وتخرج من غير حجاب “فأنا أخاف من الصراخ وأخاف من أبي، فلا تخبره بما قلت لك”.
وبلغة البراءة وبلهجتها السورية قالت “ما بدي أبوي يرجع مشان ما يظل يضرب ماما على راسها وتصير ماما تصرخ واتصيّح وتطلع من دون حجاب، أنا بخاف من الصياح يا عمو بخاف من بابا، أمانة لا تحكيلو إنو أنا حكتلك شي”.
سهولة الطلاق أوروبيا
إضافة لذلك، المجتمع الأوروبي ينظر إلى قضية الطلاق بوصفها مسألة أقل من عادية، بل ويساعد عليها، لأنّ الانفصال بين الزوج والزوجة سائد في كثير من الأحيان، ولا ينظر المجتمع للمُطلقة على أنها اقترفت ذنباً كبيراً بحق نفسها وأطفالها وزوجها.
في حين يدين المجتمع العربي الطلاق، ويعمل جاهدا على الحيلولة دون وقوعه، ويُحمّل الزوجة والزوج مسؤولية التبعات التي تتمخّض عنه، وهذا ما يدفع الزوجة بأوروبا للمسارعة في طلبها للطلاق غير مكترثة بالنتائج والعواقب.
ولدى سؤالنا المحامي عن مالات مُجمل القضايا التي عاينها بشكل شخصي، أفاد بأن الأطفال كانوا الضحية في كل مسائل الطلاق، إذ حُرموا من أحد الأبوين، وفي معظم الحالات كانت الحضانة للأم قانونياً، وبالتالي خسر الأطفال رأفة الأب ووجوده الهام إلى جانبهم، الأمر الذي يضع مستقبلهم على المحكّ، ويهدده بمزيد من الأخطار بحسبه.
الفوارق المجتمعية
وفي شهادة لإحدى المنظمات الاجتماعية المطلعة مؤسسة “البيت الفلسطيني في هولندا”، وهي اجتماعية تُعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين ولكنها تواجه حالات مماثلة لانفصال الأزواج العرب، بحسب رئيسها أمين أبو راشد، والذي بين للشبكة مباشر أنهم عاينوا العديد من هذه الحالات، وهي لا تُحمل المسؤولية بشكل مباشر لا للرجل ولا للمرأة، فلكل حالة ظروفها وحيثياتها.
ويرى أبو راشد أن الفوارق الكبيرة بين المجتمعين العربي والأوروبي تتسبّب بإحداث خلل في العلاقة الزوجية، فلم يستطع الرجل في جُل حالات الطلاق التي عايناها التكيف مع المجتمع الجديد الذي يمنح المرأة أشياء لم تكن لتنالها بالمجتمعات العربية.
كما أن المرأة أحيانا لا تتمكن من الموازنة بين واجباتها الزوجية والمجتمع الجديد، ولهذا تصل كثير من الحالات لطلاق الزوجين رغم كل محاولات في النصح والردع، بحسبه.
ويبدو أن العقلية العربية تتحمل مسؤولية زيادة حالات الطلاق بين اللاجئين في أوروبا، إذ على الرجل العربي قبل الوصول للطلاق أن يكون واعياً بمخاطر المرحلة وأن يسود الأسرة بما يكفل حقه كرجل، وبما ينسجم مع القوانين الأوروبية.
ومطلوب من المرأة استثمار إيجابيات القانون الأوروبي بما يعود بالنفع عليها وعلى أبنائها وأسرتها، لا أن تستغل انحياز القانون لها، كي تجبر الرجل على أن يفضّل نار الحرب وأزيز الرصاص على جحيم الطلاق، لأنّ الفرق الأوحد بين الجحيمين، في الأول نسمع صوت وجلجلة صيحات المقتولين، وفي الثانية يُقتل الجميع بصمتٍ مُطبِق.
أسباب طفولية
ولمعرفة الجوانب القانونية لقضية طلاق الأزواج، التقينا المحامي الهولندي جوني إيليّا، والمختص بالشؤون العائلية، وهو من أصول سوريّة، حيث أكد للجزيرة نت أن أسباب ازدياد حالات الطلاق بين اللاجئين في أوروبا كثيرة، أهمها اختلاف الميزانية بين المجتمعين العربي والأوروبي، فالرجل في البلدان الشرقية كان مسؤولاً بشكل مباشر عن تأمين كافة متطلبات الأسرة، باعتباره العمود الاقتصادي للأسرة، ومن هنا يكتسب الرجل علاوة المنصب، ويصبح ذا رأيٍ سديدٍ ونافذ يطال كافة الأفراد، بدءاً بالزوجة وانتهاءً بالأطفال.
في حين لا يوجد في أوروبا شيء من هذا القبيل، بعدما تكفلت الدولة بتأمين كافة المستلزمات للاجئين، ومخصصات شهرية للزوجة والأطفال، ونفقات الرعاية والرفاهية التي كانت بحوزة الرجل فيما سلف. وبالتالي أصبحت الزوجة تستسهل الطلاق لأن الاستغناء عن زوجها لن يكلفها الكثير. وبعض النساء يطرحن أسباباً طفولية للطلاق لا تقنع الآخرين ولا تقنع حتى نفسها، بحسب المحامي.